الجزائر

في الذكرى الثالثة والستين: هل الجزائر دولة مستقلة أم أسيرة لدى جنرالاتها الذين خانوا مبادئ “ثورة نوفمبر”؟!

بقلم: هيثم شلبي

في غمرة احتفالات الذكرى الثالثة والستين لاستقلال الجزائر، يطرح سؤال مؤرق نفسه بقوة: هل تحقق حلم “دولة نوفمبر”، الذي لطالما تغنى به جنرالاتها حقاً؟ أم أن ما نعيشه اليوم ليس سوى استقلال صوري، حجبت فيه طموحات بيان أول نوفمبر تحت روث حكم عسكري لم يفلح في بناء دولة ديمقراطية عادلة، تحمل أيا من بيان ثورة نوفمبر العظيمة؟

بعد عقود من التحرر من قبضة الاستعمار الفرنسي، كان الجزائريون يحلمون بدولة تنهض على ركائز الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، وسيادة الشعب. لكن الحقيقة المرة تكشف عن مشهد مغاير تماماً؛ نظام عسكري محكم قبضته، يمارس تضييقاً ممنهجاً على الحريات، ويدير اقتصاداً ريعياً متهالكاً، ويعزل البلاد عن محيطها الإقليمي. هذا الواقع يثير تساؤلات جدية حول وفاء النظام الحالي للمبادئ السامية التي قامت عليها ثورة التحرير.

بيان نوفمبر: وثيقة الثورة المغدورة

لم يكن بيان أول نوفمبر 1954 مجرد إعلان حرب، بل كان خريطة طريق لدولة ما بعد الاستقلال. لقد نص بوضوح على إقامة “دولة جزائرية ديمقراطية اجتماعية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية”. هذه الرؤية الشاملة جسدت طموحاً شعبياً عميقاً نحو الحرية والكرامة والعدالة. لكن، ماذا بقي من هذه الرؤية اليوم؟

في دولة يحكمها الجنرالات، تُنتزع أبسط شروط المشاركة السياسية من المواطن. “الأحزاب الصورية”، سواء كانت في الأغلبية أو المعارضة، لا تعدو كونها ديكوراً يستر عري المشهد السياسي. الانتخابات الرئاسية، التي تُنفخ فيها نسب المشاركة بشكل فاضح وتُعلن نتائجها سلفاً، أصبحت مجرد مسرحية هزلية تهدف إلى إضفاء شرعية مزيفة على سلطة غير منتخبة. هذه الممارسات لا تتناقض فقط مع روح بيان نوفمبر، بل تصفع وجه الديمقراطية التي نادت بها الثورة.

قمع الحريات: سيف مسلط على رقاب الأحرار

إن القوانين المقيدة للحريات، والتي تُفصل على مقاس النظام، تحول دون أي تعبير حقيقي عن الرأي أو تجمّع سلمي. السجون تكتظ بالصحفيين، والنشطاء، والمعارضين الذين تجرأوا على المطالبة بحقوقهم المشروعة. حرية التعبير، التي كانت وقود الثورة، أصبحت ترفاً يعاقب عليه القانون. هذا القمع الممنهج يقتل روح الابتكار والمبادرة، ويخلق حالة من الخوف واليأس في نفوس الشباب الطموح الذي يرى مستقبله يتبدد أمام عينيه. بل إن الآراء الأكاديمية حول أبسط قضية تاريخية تعتبر جريمة في بلاد العسكر، يعاقب عليها قانونهم بخمس سنوات سجنا نافذا كحد أدنى، دون أدنى اعتبار لما يفترض أن يتيحه الفضاء الأكاديمي من حرية في التفكير والتعبير، تعتبر جزءا أصيلا من كينونته، والحجة دائما جاهزة: المس بالوحدة الوطنية!!

اقتصاد يتأرجح على حافة الهاوية: طوابير الخبز والكرامة المفقودة

على الصعيد الاقتصادي، فشل النظام في تحقيق العدالة الاجتماعية التي نادى بها بيان نوفمبر. فمشهد الطوابير الطويلة على معظم المواد الأساسية، من الزيت والسكر إلى الحليب، أصبح مألوفاً يختصر معاناة الجزائريين اليومية، في البلاد التي يحرص إعلام النظام الدعائي على تذكير الجزائريين بأنها القوة الاقتصادية الثالثة في أفريقيا، بل والقوة الضاربة فيها. إن الاعتماد المفرط على عائدات النفط والغاز، وغياب التنمية المستدامة، جعلا الاقتصاد الجزائري هشاً وعرضة لتقلبات الأسواق العالمية. كما أن الفساد المستشري، الذي ينخر مؤسسات الدولة من الداخل، يلتهم الثروات ويحرم الشعب من نصيبه العادل في خيرات بلاده. ناهيك طبعا عن المليارات التي أهدرت وتهدر في الإنفاق على قضية خاسرة: معاندة الوحدة الترابية المغربية ودعم مرتزقة البوليساريو، وشراء المواقف الداعمة لفظيا لما تبقى من دول أفريقية وأمريكية لاتينية، لا تزال أيديولوجيتها البائدة تبرر لأنظمتها هذا الدعم لميليشيا إرهابية. إن هذا الواقع الاقتصادي المرير لا يعكس فقط سوء التسيير، بل يؤكد أن وعود الثورة بتحقيق الرفاهية للشعب بقيت حبراً على ورق.

عزلة إقليمية ودبلوماسية: ثمن باهظ للمكابرة

وعلى المستوى الخارجي، تبدو الجزائر وكأنها تعيش في عزلة إقليمية ودولية. العلاقات المقطوعة أو المتوترة مع جميع دول الجوار، بدلاً من أن تُبنى على التعاون والشراكة كما كان يطمح الآباء المؤسسون، تعكس سياسة دبلوماسية متصلبة وغير مرنة. ولا أدل على ذلك من استعراض علاقاتها المتوترة مع المغرب ومالي والنيجر وليبيا، وبشكل أقل موريتانيا؛ ناهيك عن التأزم الذي يطبع علاقة النظام بفرنسا وإسبانيا نظرا لموقفهما الإيجابي من مغربية الصحراء، دون إغفال توتر العلاقة مع “الحليف” النظري الروسي على خلفية الصراع مع ميليشيات روسيا في دول الساحل؛ ولا ننسى سوء العلاقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وبرود هذه العلاقات مع دول عربية كثيرة. هذه العزلة تضر بالمصالح الوطنية العليا، وتحرم البلاد من فرص التعاون والتكامل الإقليمي، وتضعف من نفوذها على الساحة الدولية. فالدولة التي تعيش في توتر دائم مع جيرانها، يصعب عليها أن تلعب دوراً محورياً في محيطها.

اقرأ أيضا

الجزائر تخفق في محاولتها تحريف قرار مجلس الأمن حول الصحراء المغربية

أصدرت الأمانة العامة للأمم المتحدة النص الرسمي للقرار التاريخي رقم 2797 لمجلس الأمن الدولي المتعلق بالصحراء المغربية، الذي يحبط محاولة الجزائر تحريف تأويل هذا القرار ويؤكد بوضوح مسؤوليتها باعتبارها طرفا فاعلا.

بعد اتهام الجزائر بالخيانة.. عطاف يبرر التصويت على القرار الأمريكي بشأن غزة بمجلس الأمن!

بعد سيل من الانتقادات واتهام الجزائر بالخيانة من قبل الفصائل الفلسطينية، كشف وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، اليوم الثلاثاء، عن الأسباب التي دفعت بلاده إلى التصويت لصالح مشروع القرار الأمريكي المتعلق بقطاع غزة.

بعد فشل تقسيم المغرب.. النظام الجزائري يكرر نفس الجريمة مع جاره المالي!

لم يكن العالم عموما، وعواصم منطقة الساحل بالتحديد، بحاجة إلى تقارير استخباراتية غربية، من أجل التأكد من وجود علاقات "عضوية" بين النظام الجزائري، وتحديدا مخابراته، والحركات المسلحة في منطقة الصحراء الكبرى، بأصنافها الانفصالية المسلحة والجهادية الإرهابية، فالكل شاهد على أبرز مثال لهذا الدور الجزائري، عبر الدعم المتنوع الذي قدمته لميليشيات البوليساريو الانفصالية ضد المغرب. اتهامات سبق وأن صدرت تجاه النظام الجزائري من دول مالي والنيجر وبوركينافاسو، وهي -للمفارقة- نفس الاتهامات التي وجهت للمخابرات الفرنسية منذ زمن بعيد.. فهل هذه مجرد مصادفة؟!!