بعد فضيحته المدوية في سوريا.. ما هي معايير مشاركة الجيش الجزائري في نزاعات خارجية مسلحة؟

بقلم: هيثم شلبي

في زحمة الضجيج الذي تسببه تصريحات الرئيس ترامب حول تهجير أهالي قطاع غزة، يحاول إعلام النظام الجزائري التغطية بكل الوسائل على فضيحة من العيار الثقيل كشفتها زيارة وزير الخارجية أحمد عطاف الأخيرة لدمشق، مبعوثا من الرئيس عبد المجيد تبون.

وبعد سلسلة من البلاغات الفارغة التي لا تقول شيئا، و”الفذلكة” اللغوية حول اعتراف الجزائر بالدول وليس الأنظمة (لا أحد يعلم خارج الجزائر كيف يمكن لدولة أن تعترف بدولة أخرى دون أن تعترف بسلطاتها الحاكمة!!)؛ نقول، بعد كل هذا اللغو، تكشّف الهدف الحقيقي للزيارة، والذي مثل فضيحة مدوية مكتملة الأركان: محاولة استرجاع قرابة 500 أسير من أفراد الجيش الجزائري، وعدد غير محدد من مرتزقة البوليساريو، كانوا يحاربون في صفوف النظام السوري ضد الثوار في ديسمبر الماضي، وتم إلقاء القبض عليهم خلال معركة حلب! وذلك وفقا لمراسلي عدد من وسائل الإعلام الدولية، وتأكيد التلفزيون السوري.

وقد كان الجواب الحاسم بالرفض، الذي تلقاه الوزير عطاف من كل من وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، والرئيس السوري أحمد الشرع، كافيا ليعود عطاف “بخفي حنين”، ليراكم فشلا جديدا، مع كونه مبررا هذه المرة، حيث أكدت له سلطات دمشق أن الجنود الجزائريين ومن ضمنهم ضباط يحمل بعضهم رتبة لواء! ستتم محاكمتهم مع جنود الطاغية الهارب، وستطبق عليهم مواثيق أسرى الحرب الدولية.

الكشف عن مشاركة جنود جزائريين في حرب الأسد ضد شعبه، يؤكد منذ أن تناقله كثيرون من معارضي نظام الجنرالات -والذين كان يطلب منهم دوما الإتيان بدليل- عن تورط الجيش الجزائري في عدد من الصراعات العسكرية المسلحة خارج حدود الجزائر، دون أن تكون هناك مصلحة جزائرية محققة يمكنها تبرير مثل هذه المشاركة، كما يحدث في مالي وموريتانيا، وما يمكن أن يتكشف في مقبل الأيام عن مشاركتهم في صراع شرق الكونغو، وغيرها من النزاعات المسلحة الأفريقية، بل والدولية كحرب أوكرانيا!!

لكن، ما الذي يجعل من مشاركة 500 ضابط وجندي جزائري في الحرب على الشعب السوري فضيحة؟! لاسيما إذا جاء هذا السلوك من جنرالات الجزائر الذين لا تزال دماء الجزائريين أنفسهم التي سفكت خلال العشرية السوداء تلطخ أياديهم؟!!

بداية، هي فضيحة قانونية! فالدستور الجزائري يمنع بشكل قاطع وواضح وحاسم مشاركة جنود جزائريين في نزاعات مسلحة خارج الحدود (حتى ولو جاءت في نطاق قوات حفظ السلام الأممية) بدون موافقة صريحة من ثلثي نواب الأمة في البرلمان بغرفتيه، هذا بعد أن يكون الموضوع قد مر بالإجماع في المجلس الأمني الأعلى، وصادق عليه الرئيس بصفته وزير الدفاع، القائد الأعلى للقوات المسلحة الجزائرية. مسار لا يمكن لأي طرف في الجزائر أن يدعي بأنه قد تم فعلا، وهو ما يؤكد أن نصوص الدستور أقل قيمة واحتراما من “ورق التواليت”، وأن الجنرالات و”ممثليهم في قصر المرادية” يفعلون ما يحلو لهم دون أدنى اعتبار لمصالح الجزائر أو مؤسساتها الدستورية!!

ثاني الفضائح، سياسية! فسلطات الجزائر التي طالما تشدقت بأنها بلد المليون ونصف شهيد، وأنها نصيرة فلسطين، والمشاركة في حربي 1967 و1973؛ وأنها “قبلة” الثوار ونصير حركات التحرر، اتضح من انكشاف دعمها للطاغية بشار الأسد ضد أبناء شعبه، بأنها نصير الطغاة وعدوة الشعوب المضطهدة!! إذ كيف يستقيم دعم الدكتاتور الفار مع دعم حركات التحرر من الطغاة؟! تكشف هذا الأمر يسهم -لمن لا يزال بحاجة لدليل- في تعرية دعم الجزائر لمرتزقة البوليساريو (شركاؤهم في دعم طاغية سوريا) وأنه أبعد ما يكون عن دعم “حركة تحرر”، وأن سلوك هذا النظام المجرم كل لا يتجزأ، في المغرب، وسوريا، وليبيا، وموريتانيا، ومالي، والكونغو، وربما تشاد والنيجر والسودان!! وأن التسمية الحقيقية لهذا النظام هي: نصير الطغاة، وراعي مساعي تفتيت الأوطان، وداعم المرتزقة والحركات الإرهابية؛ أما خرافة “مكة الثوار” فلا تقل سخافة عن شعار “القوة الضاربة” للجزائر الجديدة!!

ثالث الفضائح، دبلوماسية! فقد عرى فشل الوزير عطاف، الضعف الشديد للدبلوماسية الجزائرية وافتقارها الشديد للحلفاء. إذ ماذا كان يأمل شيوخ الجنرالات في هذا النظام العاجز من وزيرهم في الخارجية، وهو يزور بلدا لا يعترفون بسلطته الحاكمة، وكانوا حتى قبل بضعة أيام من أشرس المدافعين عن الدكتاتور الهارب، والأدهى، يوجد 500 من جنودهم وضباطهم أسرى لدى من كانوا يحاربونهم، ويأملون اليوم في إطلاق سراحهم!! كيف “لعدو” أن يفاوض عدوا على إطلاق سراح جنوده دون دافع قوي؟! هل اعتقدوا أن عرض بضعة ملايين من الدولارات يمكنها إنجاز المهمة؟! لقد كشفت الحادثة المشينة أن الجزائر بدون حلفاء أقوياء في المنطقة العربية برمتها، إذ لو ذهب عطاف للقاء الشرع مسلحا بوساطة سعودية أو مغربية لكانت حظوظه في النجاح أقوى بعدة مرات من ذهابه منفردا.

نفس الفضيحة تعري كذلك دعاية النظام الجزائري عن علاقاته الوثيقة والاستراتيجية مع قطر وتركيا، وهما طرفان مقبولان إلى حد بعيد لدى السلطات السورية الجديدة، وكان من شأن تدخلهما أن ينجح مساعي الجزائر، لكن عدم قدرة الجزائر على تامين هذا التدخل يظهر زيف الدعاية الجزائرية حول مكانة “القوة الضاربة” وتحالفاتها الاستراتيجية.

وهكذا، فلو أردنا الاسترسال في تعداد أوجه هذه الفضيحة فلن نتوقف هنا. وحتى التماس العذر لجنرالات الجزائر بأن وجود جنودهم في سوريا جاء تلبية لطلب روسي أو إيراني مفترض، سيضفي على الفضيحة أبعادا أضخم، إذ سيؤكد “الطبيعة الوظيفية” لهذا النظام، وعدم قدرته على معارضة ما تكلفه به روسيا وفرنسا وحتى إيران، الأمر الذي يحرمه فعليا من ادعاء التمتع بالسيادة، وهو الأمر الذي نعلمه منذ استقلاله الصوري عن فرنسا!

ختاما، فالدافع الحقيقي لإرسال جنرالات الجزائر جنودهم وضباطهم لقتل إخوتهم السوريين، أنهم مجرد “أذناب” لإيران، لا يمتلكون سوى عقيدة واحدة: قهر الشعوب التواقة للحرية والتخلص من حكم الطغاة، وهو “الإنجاز” الوحيد الذي يحمله سجلهم، بعد أن ولغوا في دماء أبناء الشعب الجزائري على مدى قرابة عقد كامل، وجريمتهم الوحيدة أنهم أرادوا التخلص من الحكم العسكري، وتسلط “جنرالات فرنسا” على مقدراتهم! أما مرتزقة البوليساريو، الذين يدعون أنهم حركة تحرر وقبلوا بأداء دور المرتزقة ضد شعب آخر يتوق فعلا للتحرر، فهم أتفه من أن يخصص مقال لهم للحديث عن نصيبهم من الفضيحة؛ حيث كانوا وسيبقون وينتهون “على الهامش”!!

اقرأ أيضا

ورطة النظام الجزائري في ظل التنافس الفرنسي الروسي على منطقة الساحل

يبدو أن أزمات النظام الجزائري في منطقة الساحل تزداد تعقيدا بوتيرة متسارعة لم يحسب لها الجنرالات حسابا، ويتحول بعضها إلى معضلات لا يدري أحد كيف سيتعاملون معها.

مكالمة من ماكرون تنزل النظام الجزائري عن شجرة “الأزمة المصطنعة” مع فرنسا!!

كما كان متوقعا، لم يستطع النظام الجزائري الاستمرار أكثر من ذلك في "مسرحية" النزاع مع فرنسا، وتكرار "عنترياته" السابقة مع إسبانيا، وتكفلت مكالمة هاتفية من "السلطان" الفعلي للجزائر، الرئيس إيمانويل ماكرون، بجعل النظام العسكري يسارع إلى إصدار ترجمة عربية ركيكة، للبلاغ الصحفي الذي صيغ في الإليزيه، تم نسخها على صفحة رئاسة الجمهورية على الانترنت، فيما شكل مفاجأة "مصطنعة" لكثير من المطبلين للنظام الجزائري، خارج حدود الجزائر!

محاولة جزائرية فاشلة لاستنساخ “صنصال” مغربي!!

في محاولة تقليد فاشلة، انتهت كالعادة بجلب سيل من السخرية على جنرالات النظام الجزائري، مدنيين وعسكريين، قام "جهابذة" النظام العسكري بمحاولة توريط السلطات المغربية في اتخاذ ردود أفعال مشابهة لما اتخذتها السلطات الجزائرية بحق الكاتب الجزائري- الفرنسي بوعلام صنصال، ردا على آرائه التي عبر عنها لإحدى المجلات الفرنسية، والتي اعتبر خلالها أن وهران وتلمسان، وليس فقط الصحراء الشرقية كانت تاريخيا تحت السيادة المغربية، وأن سلطات الجزائر نقضت وعودا قطعتها بإعادة المناطق المغربية التي ألحقتها فرنسا ظلما وعدوانا بجغرافيا الجزائر إلى الوطن الأم، المغرب، بعد أن تتحرر الجزائر، وهو الوعد الذي تنصلت منه وقاد إلى حرب الرمال التي لا تزال تشكل عقدة عند جنرالات الجزائر.