الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

هل ينجح النظام الجزائري في “شراء” السلم الأهلي خلال 2025؟!

بقلم: هيثم شلبي

مع تدشين العام 2025 في الجزائر على وقع عدد من الإضرابات والاحتجاجات على الأوضاع المعيشية والمهنية، بدءا بالأطباء وطلبة الطب، مرورا بعمال الصحة والتعليم، وانتهاء بطلاب الجامعة وتلاميذ المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، بدا واضحا أن سلطات هذا البلد تعيش وضعا متوترا تحتاج معه إلى ما هو أكثر من وعود الرئيس تبون الوردية، والتي بدأت تعطي آثارا عكسية بعد أن اتضح أن معظمها لا يتجاوز خانة “الأحلام”، ولا علاقة لها بالواقع. توتر يحتاج معه النظام العسكري في الجزائر، الذي يعيش جنرالاته بدورهم أوضاعا صعبة على الساحتين السياسية والأمنية (اندحار مشروع البوليساريو والتوترات الحدودية مع دول الجوار)، إلى اللجوء إلى محاولة استخدام أداتهم المجربة والمعهودة، ألا وهي محاولة “شراء” السلم الأهلي، وتقديم بعض “الرشاوى” لهذه الفئة من المواطنين أو تلك، بعد أن تعذر القيام بإصلاحات جذرية على امتداد حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والحالي عبد المجيد تبون. وهنا يبرز تساؤل محق: هل تملك الحكومة الجزائرية، التي تدعي -زورا وبهتانا- أنها القوة الاقتصادية الثالثة في أفريقيا، موارد تكفي للإنفاق على عملية شراء هذا السلم الأهلي؟!

بداية، فقد عكست ميزانية 2025 التي أقرها البرلمان، إدراكا مسبقا من الحكومة بتأزم الأوضاع الاجتماعية، حيث زادت من الأموال المخصصة لدعم مختلف المواد الأساسية، التي يقف الجزائريون في طوابير بالساعات من أجل الحصول عليها، وانتقلت من 600 مليار دينار، إلى قرابة 1500 مليار دينار، وهو الأمر الذي أتى على حساب تسجيل الموازنة الحالية لأكبر إنفاق وعجز في تاريخ الجزائر. فقد حددت نفقات الموازنة في 16800 مليار دينار، مقابل إيرادات بقيمة 8523 مليار دينار، الأمر الذي يعني تسجيل عجز يبلغ 8277 مليار دينار، وهو ما يقرب من نصف الإيرادات!! ويمثل حوالي 22% من الناتج الداخلي الخام المتوقع لهذا العام (37800 مليار دينار). عجز يصعب تصور كيف سيتم تغطيته في ظل تراجع المداخيل النفطية (لن تتجاوز 3454 مليار دينار)، وارتفاع المديونية الداخلية (قرابة 17000 مليار دينار)؛ أما “كذبة” مداخيل الصادرات خارج قطاع المحروقات فهي بالكاد تصل إلى ما يوازي 6 مليارات دولار، أو 800 مليار دينار وفق حسابات الحكومة.

وهنا، من المفيد الإشارة إلى سبب اعتمادنا على سرد الأرقام المتعلقة بالموازنة الجزائرية بالدينار، وليس بالدولار كما تعتمد الدعاية الكاذبة لمسؤولي الحكومة الجزائرية، والتي تجعلهم (أي المسؤولين الحكوميين بدءا بالرئيس تبون) يتبجحون بكذبة أقوى اقتصادات القارة، بناتج داخلي خام بلغ 266 مليارا العام الماضي، ووعد الرئيس تبون بأن يتعدى 400 مليار دولار قبل منتصف 2026 (أي بزيادة 140 مليار دولار خلال عام ونصف!!!). وبعيدا عن الإغراق في سرد الأسباب التي رفعت الناتج الخام من 187 مليار دولار إلى 266 مليار دولار في أقل من سنة، على الرغم من إقرارهم بأن نسبة نمو هذا الناتج لا تتجاوز 3%، سنتجاوز “لعبة” تغيير السنة المرجعية للحساب مرتين في عام واحد (المعايير الدولية تتيح هذه المراجعة مرة كل خمس سنوات!)، ونشير فقط إلى اعتماد سعر صرف الدولار الرسمي، والفارق بين سعره الحقيقي في السوق السوداء (السكوار)، حيث أن السعر الحقيقي (250 دينار/ دولار) يتجاوز السعر الرسمي (135 دينار/ دولار) بحوالي 85%، بعد أن كانت الفجوة بينهما حوالي 60% قبل عامين، مع توقع أن يصبح السعر الحقيقي ضعف السعر الرسمي قبل نهاية العام. ماذا يعني ذلك؟ يعني ببساطة أن الأرقام الخاصة بالاقتصاد الجزائري، والمقدرة بالدولار، تقترب في الحقيقة من نصف ما يعلنه الرئيس تبون وحكومته!! فلو قلنا أن الناتج المحلي الخام المتوقع تسجيله هذا العام هو 37800 مليار دينار جزائري، ستترجمه الحكومة الجزائرية إلى 280 مليار دولار (بسعر 133 دينار للدولار الواحد)، بينما هو في الحقيقة لا يتجاوز 142 مليار دولار (إذا احتسبناه على أساس 250 دينارا للدولار)!!! وبهذا المعنى، يخرج الاقتصاد الجزائري من قائمة أقوى خمس اقتصادات أفريقية. وبنفس المنطق، تقدر الحكومة الجزائرية أن يصل الناتج المحلي الخام مع نهاية 2027 إلى 41850 مليار دينار، أو ما يعادل 310 مليار دولار وفق أرقامها، أو 167 مليار دولار بالأرقام الحقيقية، على أبعد تقدير، وهو في كلتا الحالتين يقل بمقدار 100-240 مليار دولار عن وعود الرئيس تبون!!

وبالعودة إلى التساؤل الرئيسي، حول قدرة الحكومة على تمويل “شراء” السلم الأهلي الذي يحتاجه النظام لمحاولة تجاوز حالة الاحتقان الشعبي، يشكك معظم الخبراء في قدرة الحكومة على توفير الموارد الكافية لإنجاز هذه العملية. بل إن الصورة المتوقعة خلال العامين الحالي والمقبل هي أكثر قتامة مما يخشاه أشد المتشائمين من أركان النظام، لاسيما مع التأثيرات المحتملة لعودة الرئيس دونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة. فترامب الذي حرص على “التبشير” بأنه سيطلق العنان للصناعة النفطية في بلاده لاستخراج وتصدير النفط والغاز “بلا قيود”، تجعل الخبراء العالميين في حيرة حول مدى الانخفاض الذي ستشهده أسعار هذه المواد النفطية، والتي تشكل قرابة 90% من صادرات بلد كالجزائر. حكومة هذه الأخيرة، بنت موازنتها على توقعات ببلوغ سعر النفط حدود 70 دولار للبرميل (حاليا يقدر ب 78 دولارا للبرميل)، بما يعني بأن أي انخفاض عن هذا الرقم سيستتبعه بالضرورة انخفاض في إيرادات الموازنة المحدودة أصلا، الأمر الذي سيفاقم العجز إلى مستويات لن ينفع معها مزيد من الاستدانة من البنوك المحلية، أو استخدام رصيد البلاد من العملة الصعبة، والذي يدور حول رقم 70 مليار دولار!

المفارقة هنا، أن الحكومة التي تعد الجزائريين بالرخاء وزيادة الرواتب وخفض البطالة ودعم المواد الأساسية، تقر في نفس الوقت بأن جميع قطاعاتها مرشحة لتسجيل نتائج سلبية خلال السنوات الخمس التي تفصلنا عن 2029، وهو ما تدعمه تقديرات المؤسسات الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. فنسبة الدين العام إلى الناتج الداخلي الخام ستنتقل من قرابة 45% حاليا، إلى حوالي 60%؛ أما الإيرادات النفطية، ووفق أكثر السيناريوهات تفاؤلا فستتراجع بحوالي 5%؛ واحتياطي العملة الصعبة سيتراجع من 70 مليارا إلى 50 مليارا، الخ، علما بأن جميع هذه الأرقام مقدرة بسعر الدينار الرسمي وليس الحقيقي، وهي في حقيقتها لا تتجاوز نصف ما هو معلن، كما أوضحنا آنفا.

كخلاصة، فإن انكشاف الأرقام الكاذبة للدولة الجزائرية هي مجرد مسألة وقت، وستتبخر ساعتها دعاية شراء أسلحة بقيمة 25 مليار دولار خلال 2025، ومعها أسطورة “القوة الضاربة”؛ كما ستتهاوى كذبة توديع الجزائريين لطوابير الزيت والحليب والغاز والعدس وغيرها من المواد الأساسية، ليجد جنرالات النظام أنفسهم في مواجهة “شعب غاضب” بشكل مضاعف: لسوء أحواله المعيشية من جهة، وانكشاف الأكاذيب التي أحاطت “بالجزائر الجديدة” على مدى السنوات الخمس الماضية من جهة أخرى، فكيف سيكون الوضع ساعتها؟!

اقرأ أيضا

السحر والشعوذة

ظاهرة السحر والشعوذة تنخر المجتمع الجزائري والنظام العسكري يشدد العقوبات

يعد السحر والشعوذة من أبرز الظواهر الاجتماعية المنتشرة في الجارة الشرقية، بسبب اليأس الذي يعانيه المواطنون تحت حكم العسكر، ما يدفعهم إلى اللجوء إلى عالم الخرافات كي يحاولوا بشتى الطرق السيطرة على واقعهم المرير.

الكاتب بوعلام صنصال

أدانه قضاء عسكر الجزائر بـ5 سنوات حبسا.. الكاتب بوعلام صنصال يستأنف الحكم

أفاد المحامي الفرنسي فرانسوا زيمراي للكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال يومه الأربعاء أن موكله استأنف حكما بالسجن خمس سنوات صدر بحقه في الجزائر. ودعا زيمراي إلى "بادرة إنسانية" لإطلاق سراح موكله البالغ 80 عاما، قائلا إن هذا الاستئناف لا يمنع صنصال من الحصول على العفو.

الجزائر

مالي تحبط محاولة استغلال النظام الجزائري لواقعة إسقاط طائرة مسيرة مسلحة

أحبطت مالي المحاولات الخبيثة للنظام العسكري الحاكم في الجارة الشرقية، التي كانت تسعى لاستغلال واقعة إسقاط طائرة مسيرة مسلحة مجهولة المصدر بالقرب من منطقة تين زاواتين الحدودية، عبر الترويج لروايات مغلوطة، تخدم أجندة جنرالات قصر المرادية.