بقلم: هيثم شلبي
بمقدار ما كان خبر سحب الإكوادور لاعترافها ب “جمهورية تندوف” الوهمية مفرحا للمغرب، ونارا تحرق حصنا آخر من حصون الجزائر، بمقدار ما كان متوقع الحدوث، ليس على مستوى الإكوادور تحديدا، ولكن على مستوى قرابة عشرين دولة أخرى (إذا استثنينا حوالي ثماني دول تكن عداء عقائديا للمغرب!!) لا تزال تعترف بمرتزقة البوليساريو وجمهوريتهم “الجزائرية” الوهمية. ولعل ما زاد من صعوبة وقع الخبر على جنرالات الجزائر، هو كون الإكوادور -بجانب فنزويلا- تعتبر من أشرس المعاندين للوحدة الترابية المغربية في قارة أمريكا اللاتينية، ومن شأن سحب اعترافها أن يحدث هزة في مواقف دول القارة من مغربية الصحراء. فمن بين دول الأمريكيتين التسع التي لا تزال تعترف بالبوليساريو، تعلم الجزائر يقينا أنه لم يبق لها إلا فنزويلا “مادورو”، حيث تحتفظ المكسيك وكوبا بعلاقات باردة مع البوليساريو؛ بينما تتبادل حكومات بيرو وكولمبيا وبوليفيا سحب وإعادة الاعتراف حسب أيديولوجية الرئيس المنتخب، وبالتالي لا يمكن التعويل عليها؛ لتبقى جمهوريتي بليز وترينيداد وتوباغو الهامشيتين مرشحتان في أي لحظة للانضمام لقافلة ساحبي الاعتراف من جمهورية الوهم الجزائرية، وإن كان بقاء اعترافهما لا يحمل أي تأثير بالمطلق. وضع مماثل في قارة أسيا التي يقتصر الذين يشاركون الجزائر موقفها من وحدة المغرب الترابية على أربع دول رسميا: كوريا الشمالية، سوريا، لاوس، وتيمور الشرقية، وهي دول لا يحتاج تأثيرها على المسرح الدولي لأي تعليق!! بينما يمكن إضافة إيران التي لا تعترف رسميا بالبوليساريو، لكنها تمارس الابتزاز تجاه المغرب، باتخاذ مواقف مساندة للجزائر وربيبتها.
وهكذا، يدرك النظام الجزائري أنه باستثناء قارة أفريقيا، فإن دائرة المعترفين النشطين بجمهوريته الموهومة يقتصر على إيران وفنزويلا عمليا، في قارات العالم الخمس الأخرى؛ بكلام آخر، فإن القارة الأفريقية هي آخر القلاع التي يمكن لسقوط بعض أركانها أن يقود إلى سقوط كامل الوهم! فمن بين 16 دولة أفريقية تعترف رسميا بالبوليساريو، لا يمكن للجزائر أن تعول -إلى حين- إلا على دعم نصف هذا العدد: جنوب أفريقيا وناميبيا وموزمبيق وزمبابوي، وإلى حد ما أوغندا وأنغولا وبوتسوانا وكلها دول -باستثناء أوغندا- توجد جنوب القارة؛ بكلام آخر، أن رصيد دعم البوليساريو كعصابة وجمهورية وهمية لا يتجاوز عدد أصابع اليدين عالميا، منها 6 في القارة الأم!! أما رواندا وأثيوبيا وغانا وتنزانيا وكينيا ونيجيريا وموريتانيا ومالي، فهي ما بين المجمدة عمليا لعلاقاتها مع البوليساريو، وتدفعها مصلحتها للبقاء على الحياد المفترض، وبين من تريد زيادة مكاسبها من العلاقة مع المغرب قبل تمزيق ورقة البوليساريو، ولن يكون مفاجئا سحب اعتراف أي منها بجمهورية تندوف الجزائرية!
هذا الواقع تدعمه تطورات الملف داخل الأمم المتحدة، سواء على مستوى اللجنة الرابعة (تصفية الاستعمار) أو مجلس الأمن، حيث لم يذكر الخيار الذي تدافع عنه الجزائر ومرتزقتها (الاستفتاء) في أي قصاصة صدرت عن مجلس الأمن، الهيئة الأعلى للمنتظم الأممي، منذ قرابة العشرين عاما. وما تجديد “الفاشل” دي مستورا الحديث عن مقترح الجزائر لتقاسم الصحراء، إلا اعتراف جزائري بعبثية الرهان على خيار الاستفتاء، الذي ساهمت عن عمد بتعطيله عن طريق شيوخ البوليساريو خلال عملية تحديد الهوية، مما أدى لاقتناع المنتظم الأممي باستحالة تنظيمه!
وتجد الجزائر، التي طبلت كثيرا لعضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، نفسها مطالبة بشكل صريح وواضح من المجلس نفسه، بالجلوس مع غريمتها المغرب وجها لوجه لإنهاء هذا النزاع المفتعل، وضاق بالتالي هامش رفض المشاركة في الموائد المستديرة للبحث في مقترح المغرب للحكم الذاتي، بحجة أنها غير معنية بالملف. وعليه، يجد الجنرالات أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانخراط في المسلسل الأممي الباحث عن حل سياسي تحت السيادة المغربية، أو الإصرار على مقاطعة المسلسل برمته وهو ما يمكن أن يترتب عليه تبعات مرتفعة الثمن، ليس أقلها تأكيد أن الجزائر نظام “مارق” لا يعترف بقرارات مجلس الأمن، ولا توافقات دوله العظمى، وقد تصل إلى دفع المجلس لفرض خيار الحكم الذاتي دون انتظار موافقة الجزائر وربيبتها البوليساريو، وهو بالمناسبة، أحد الخيارات الأربعة التي طرحها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان (إضافة لفرض الاستفتاء وتقسيم الصحراء وسحب المينورسو).
الآن، وأمام الآفاق المظلمة لملف البوليساريو، ما هي الخيارات المتاحة أمام جنرالات الجزائر؟ وكيف سيبررون للرأي العام الجزائري، المليارات التي أنفقها النظام الجزائري على هذه القضية الفاشلة على مدى نصف قرن بالتمام والكمال؟ باختصار، لا يمكن لأحد أن يتمنى أن يكون مكان عسكر الجزائر في ورطتهم، فإقفال الملف يعني انتهاء الحاجة لدورهم “الوظيفي” في محاصرة المغرب، وهو ما تأكد مع توالي الاعترافات الدولية الكبرى بمغربية الصحراء، بدءا بالولايات المتحدة، ومرورا بإسبانيا وألمانيا، وانتهاء بفرنسا! وعليه، لا توجد حاجة لخدمات جنرالات الجزائر على هذا الصعيد، اللهم إلا الحفاظ على تقطيع أواصر الصلة بين أرجاء المغرب الكبير، وهو ما يتكفلون بتنفيذه منذ ثلاثة عقود. أما كيفية إقفال الملف، فلن تعني فارقا يذكر، سواء تم ذلك عن طريق طرد البوليساريو وجمهوريتها الجزائرية المزعومة من الاتحاد الأفريقي، أو باتخاذ مجلس الأمن قرارا بسحب الملف من اللجنة الرابعة استنادا على تصويت أغلبية دول العالم، وبالتالي الاعتراف بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية سبيلا لهذا الإقفال للملف، وسحب بعثة المينورسو. ويعلم جنرالات الجزائر أكثر من غيرهم، أن كلا السيناريوهين جار تنفيذه، وأن أجل إقفال الملف أفريقيا وأمميا قد حان. فما العمل؟
باختصار، ليس هناك خيارات تتجاوز الاثنين: إما الاعتراف بالواقع، وتمزيق ورقة البوليساريو والجلوس مع المغرب لحل الملفات العالقة، أو إنكار الواقع والهروب إلى حرب، محدودة أو موسعة، تتيح لكبار الجنرالات الهرب من مواجهة الشعب الجزائري بالحقيقة الساطعة التي يعلمها الجميع منذ بدء النزاع المفتعل. ويحاجج معظم المراقبين بصعوبة إن لم يكن استحالة كلا الخيارين، لعدم إمكانية تصور اعتراف الجنرالات بجريمتهم في حق الجزائريين والمغاربة وباقي شعوب المنطقة، وبنفس الدرجة استحالة تصورهم لتحقيق أي نصر في أي حرب عسكرية مع المغرب، مما سيضعهم تحت خطر الاعتقال والمحاكمة، ويهدد بمنح المغرب فرصة لتصفية رؤوس الفتنة بشكل نهائي ودائم. ولأن تبعات إنهاء ملف الصحراء المغربية دوليا على النظام الجزائري ستكون زلزالا لا مجال لتجاهل تداعياته، يمكن إضافة سيناريو ثالث لما سبق يقول، بأن هذا التطور سيفجر شرارة انتفاضة شعبية كبرى، لن تتوقف قبل إسقاط هذا النظام الدموي الجاثم على صدورهم منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا!! وإن غدا لناظره قريب!