الجزائر

هاجس تضخيم نسبة المشاركة يورط النظام الجزائري في فضيحة عالمية!!

بقلم: هيثم شلبي

انتهت الانتخابات الرئاسية في الجزائر كما كان معلوما منذ البداية، بتجديد ولاية الرئيس عبد المجيد تبون لعهدة ثانية. لكن زلزال نتائج الانتخابات، وهزّاته الارتدادية، لا تزال تتفاعل حتى اللحظة، لدرجة جعلت الرئيس الفائز بنسبة 95% من الأصوات، ينضم إلى جوقة المنتقدين للمستوى الرديء الذي أدارت به السلطة “المستقلة” للانتخابات العملية برمتها، وما أسماه المرشحون الثلاثة “ضبابية” الأرقام الخاصة بالمشاركة، وكذا نصيب كل فائز من الأصوات، والتي تخالف ما هو موجود في المحاضر المسلمة لمندوبي المرشحين!! وبعيدا عن هذه الانتقادات والاتهامات لسلطة محمد شرفي، فقد قال مظهر الرجل وهو يعلن النتائج أكثر بكثير مما قالته أرقامه، وبيّن تلعثمه وتأتأته في نطق الأرقام الخاصة بالمشاركة، بعدها الشديد عن الواقع من جهة، وأنها ربما أعطيت له قبل دخول قاعة المؤتمر الصحفي مباشرة، بحيث تفاجأ هو شخصيا بالأرقام التي يقرأها “لأول مرة”!!

وقبل التعليق على أرقام هذه المهزلة، التي سرعان ما تحولت إلى مادة لتندر الرأي العام الداخلي والخارجي، من مؤيدي ومعارضي النظام على السواء، بل ومختلف وسائل الإعلام الدولية التي تابعت الحدث، أو لفت انتباهها الاختراع المسجلة براءته باسم الجزائر، والمتعلق ب: “كيف تضاعف نسبة المشاركة في ثلاث ساعات”؟! وذلك بواسطة “معدل نسب المشاركة”! الذي تتفرد به الانتخابات الجزائرية دون سائر دول الأرض! نقول أن السبب الوحيد الذي أدى لأن يعيش النظام الجزائري هذه الفضيحة ينحصر في التعليمات التي أعطاها جناح الرئيس وداعموه من الجنرالات بضرورة أن تقترب نسبة المشاركة -أو تتجاوز- ما معدله 50%، وأن يكتسح الرئيس تبون الانتخابات بأزيد من 90% من الأصوات، لتسهيل مهمة أبواق النظام في التطبيل لثقة الشعب الجزائري برئيسه و”جمهوريته الجديدة”. ورغم تجارب التزوير التي راكمها النظام الجزائري في العديد من الانتخابات السابقة، إلا أن رجلا يقف على أعتاب عقده الثامن (78 سنة كالرئيس تبون)، يفتقر إلى الخيال والوسائل التي يمكنه من خلالها التغلب على المقاطعة الواسعة للشعب الجزائري لهذه الانتخابات وما سبقها، مما يؤكد أن أكبر أحزاب الجزائر دون منازع هو “حزب الحراك الشعبي” الذي تم إجهاضه قبل أربع سنوات، والذي لا يزال يشكل أكبر هاجس للنظام وجنرالاته!

وبالانتقال إلى الحديث عن فضيحة النتائج المعلنة، والتي لا يدري النظام كيف سيتمكن من التغلب عليها، فتتمثل في نسبة المشاركة التي كانت في حدود 26% قبل ساعتين من إقفال الصناديق، قبل أن تصدر الأوامر لمكاتب التصويت بمضاعفة النسبة وإغراق الصناديق بالأصوات، وفق ما صرح به مسؤولو حملة رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني الشريف، الذي تعرض للإهانة الأكبر، كشخص وكحزب؛ وهكذا ارتفعت النسبة إلى أزيد من 48%، بعد أن تم تمديد التصويت في المكاتب لساعة إضافية، لإتاحة الوقت لها لإنجاز المطلوب!! هذا الرقم المرتفع، يتطلب أن يكون هناك أوراقا في الصناديق تبلغ 11280355 ورقة تصويت، من أصل 23486061 مصوتا داخل الجزائر! وتكمن الورطة هنا أن السلطة المشرفة كانت قد أعلنت على الساعة الخامسة أن عدد المصوتين قد بلغ 5142134 مواطنا خلال تسع ساعات، وهو ما يعني أن 6138221 قد هجموا على مكاتب التصويت وصوتوا خلال ثلاث ساعات!! ولأنها أرقام من اختراع “هواة”، أو من جهة تتعمد “بهدلة” الرئيس تبون وتقزيم فوزه (من طرف جهاز المخابرات تحديدا)، لم تقف سريالية المشهد عند هذا الحد، بل تجاوزته لتأخذ شكل الفضيحة، عندما أعلنت فوز الرئيس بقرابة 95% من الأصوات المعبر عنها، والبالغة 5630196 صوتا!! فأين ذهبت باقي الأصوات (ستة ملايين صوت)؟!

وتكمن الفضيحة في ضرورة اعتماد أحد الرقمين وإلغاء الآخر: إما أن نسبة المشاركة هي فعلا 48%، وبالتالي فهناك 11 مليون جزائري صوتوا، احتسب أصوات خمسة ملايين منهم، واعتبرت أصوات ستة ملايين ملغاة، وهي بحد ذاتها فضيحة يصعب بلعها أو التعامل معها؛ أو أن نسبة فوز الرئيس تبون (95%) هي الصحيحة، وذلك عبر تصويت خمسة ملايين ونصف جزائري فقط من أصل 24 مليون مواطن، وهنا تكون نسبة المشاركة هي %23.8 فقط، وبالتالي سقوط الرهان على تجاوز نسبة انتخابات 2019 والتي قدرت بحوالي 40%!! وهما خياران أحلاهما مر، لأنه يسقط “أسطورة” الانتخابات الجزائرية التي أقفلت صفحة الحراك، ويظهر أن أزيد من ثلاثة أرباع الجزائريين لا يعترفون بالجزائر الجديدة، علما أن هذه النسبة “منفوخة” أصلا تبعا لاعتراف المرشح الإسلامي الخاسر، والذي لا يمكن بأي حال اعتباره معارضا للنظام، بل هو صنيعة جنراله الأقوى توفيق!!

ولمحاولة مداراة المهزلة، خرج علينا خبراء النظام باختراع جديد هو “معدل نسب المشاركة” والذي يقول بإمكانية جمع نسب المشاركة في الولايات المختلفة -بغض النظر عن عدد ناخبيها- وقسمة المجموع على عدد الولايات، لنخرج “بمعدل نسب المشاركة” الذي يجب للإنصاف أن يسجل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية!! حل عجائبي حول المهزلة إلى فضيحة، كل ذلك حتى لا يقال أن الرئيس تبون مطعون في شرعيته، نظرا لمشاركة أقل من ربع الجزائريين.

وهنا، نختم بثلاث ملاحظات لم يلتفت إليها الكثيرون بحكم سيطرة المهزلة على اهتمام الناس: الأولى تقول أن الرئيس تبون فاز بنفس عدد الأصوات تقريبا (دائما بناء على أرقام السلطة المزورة). فقد حصل على خمسة ملايين و300 ألف صوت، مقابل قرابة خمسة ملايين صوت قبل خمس سنوات، وهو الذي يطرح علامات استفهام ضخمة حول سبب عدم قناعة الجزائريين “بفتوحات” رئيسهم السياسية والاقتصادية، والتي “حولت بلادهم للقوة الاقتصادية الثالثة عالميا”؟! هل يكون هذا جزاء الرئيس الملهم، بأن يزيد عدد منتخبيه بنسبة الأصوات التي منحت له في منطقة القبايل فقط، بينما باقي الجزائريين لم تزد كتلة مصوّتيه شيئا يذكر!! أي نكران للجميل هذا؟! هذه الملاحظة تقود للملاحظة الثانية، والتي تتمثل في كذبة تبلغ من الضخامة حدا يصعب معها تسويقها، وهي تلك المتعلقة بنسب المشاركة في كل من تيزي وزو وبجاية (منطقة القبايل)، فقد انتقل رقم المصوتين في الولايتين من 9 أصوات للأولى وحوالي 80 صوتا للثانية عام 2019، بقدرة قادر، إلى 35460 مصوتا في الأولى، و27356 مصوتا في الثانية، لتبون وحده!! وهو تضخم في الأعداد يصعب تفهم مبرراته، لاسيما وأن الأسباب التي دعت القبايليين لمقاطعة انتخابات 2019، لا تزال دون تغيير يذكر. ثم كيف يصوت القبايليون لتبون تحديدا، الذي لم يستطع خلال كامل عهدته الأولى شراء طائرات تطفئ حرائق غاباتهم السنوية، عجز جعله لا يجرؤ على زيارة المنطقة طيلة عهدته إلا قبل أسابيع قليلة من الانتخابات لافتتاح ملعب كرة قدم، تم تدشينه في غياب الجماهير!! هل يكافئ سكان القبايل الرئيس تبون بكل هذه الأصوات مقابل تدشين ملعب كرة؟!! ثالث الملاحظات وآخرها تتعلق بالإهانة التي وجهت “لأرنبي السباق” والتي لم يسبق أن وجهت لأمثالهما. صحيح أن قول المتنبي صادق في حقهما (ما لجرح بميت إيلام)، لكن يكفي أن نعلم أن مقدار ما تكرم به النظام عليهما هو قرابة 300 ألف صوت بنسبة تبلغ 5.3% من الأصوات، بينما حاز المرشح الأخير (المركز الخامس) في انتخابات 2019، عبد العزيز بلعيد رئيس جبهة المستقبل حينها على قرابة 570 ألف صوت، أو ما يمثل %6.7 من الأصوات!! أي أن بلعيد حاز على ضعفي أصوات الحزبين “العريقين” مجتمعين، على الرغم مما قدماه من خدمة جليلة للنظام في دور “الديكور” لهذه المهزلة الانتخابية؛ لكنها الطريقة التي يعامل بها النظام “خدّامه”، وهي رسالة بالأساس لباقي “كراكيز” النظام كبن قرينة وزعيمي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي!!

وفي انتظار معرفة الفصل الأخير لهذه الورطة- الفضيحة، والطريقة التي سيتفاهم فيها أركان النظام على مخرج مناسب، يؤكد الحدث المهزلة برمته، توقع الرأي العام الجزائري والإقليمي والدولي، أن عهدة الرئيس تبون الثانية -إن اكتملت- لن تكون أقل كوميديا هزلية ساخرة، وأن رئيسا دشن ولايته بكذبة من هذا الحجم، لن يتوقف عن الكذب طيلة وجوده في قصر المرادية!

اقرأ أيضا

الجزائر

محلل جزائري.. النظام العسكري فشل في تنظيم انتخابات ما يزيد في تعقيد الوضع السياسي

أوضح الكاتب والمحلل الجزائري ناصر جابي أن الانتخابات الرئاسية في الجزائر، ظهرت أول بوادر أزمتها أثناء الإعلان عن قائمة الأحزاب الكثيرة الداعمة للرئيس، التي تغير تشكيلها أكثر من مرة كدليل إضافي على أزمة تعيشها هذه الهياكل المتكلسة، التي ابتعد المواطن عنها،

مجلس حقوق الإنسان بجنيف

هل يعتبر نظام الجزائر من نتيجة استعراض القوة بين المغرب والبوليساريو في جنيف؟!

أمام توالي الهزائم الدبلوماسية، ومن أجل إبقاء الملف مفتوحا علّه يحفظ بقية من ماء الوجه -إن تبقى منه شيء-، تجدد الجزائر وجنوب أفريقيا عقد ندوة على هامش اجتماعات مجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف، بحضور بعض أعضاء "مجموعة جنيف لدعم الصحراء الغربية"، التي "يقال" أنها تضم 15 عضوا،

الجزائر

للتغطية على “المهزلة”.. النظام الجزائري يخطط للتضحية برئيس هيئة الانتخابات

يخطط النظام العسكري الحاكم في الجارة الشرقية للتضحية برئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، للتغطية على التزوير المبكر للرئاسيات، وتسرع الكابرانات في إعادة تنصيب عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد لعهدة ثانية، في استنساخ لنظام الراحل عبد العزيز بوتفليقة،