هل يملك النظام الجزائري إيقاف مد الاعتراف العالمي بمغربية الصحراء؟!

بقلم: هيثم شلبي

في غمرة تفاعلات رد الفعل الجزائري المتشنج على الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، يجتر الإعلام الدعائي الجزائري وقواه السياسية المصطنعة، مجموعة من “الكليشيهات” المستهلكة دون أي تمحيص، متغافلة عن الأسئلة الحقيقية التي لا بد أن يطرحها الموقف الفرنسي الجديد، لا في إطار العلاقة الثنائية الجزائرية- الفرنسية، لكن في سياقها الدولي الأوسع باعتبارها نصرا جديدا للطرح المغربي حول سيادته على صحرائه، وهزيمة جديدة للطرح الجزائري حول خرافة “حق تقرير المصير للشعب الصحراوي” عبر الاستفتاء ومسار تصفية الاستعمار وغيرها من المفاهيم المتجاوزة أمميا ودوليا. ولأننا ندرك حاجة النظام العسكري في الجزائر “لتسخين” الحملة الانتخابية بواسطة هذا الغضب المفتعل تجاه المستعمر السابق، فإننا لا نستعجل وصول النظام الجزائري إلى الخلاصات الواجب استنتاجها مما جرى، إلى حين تنصيب الرئيس تبون رسميا منتصف الشهر المقبل.

واستباقا لهذه الخلاصات، سنحاول طرح بعض الأسئلة الحقيقية، واستعراض بعض الحقائق الساطعة التي يهرب من التعليق والإجابة عليها إعلام النظام الجزائري ومسؤوليه، وعلى رأسها السؤال الصارخ المتضمن في العنوان: هل يملك النظام الجزائري من الأدوات -الواقعية لا الدعائية- ما يمكنه من مواجهة مد الاعتراف العالمي بمغربية الصحراء؟! وهنا نبدأ بتوضيح بعض البديهيات: أولها ان المغرب يبسط سيطرته الفعلية على كامل مساحة الصحراء، بما فيها المنطقة العازلة “المحرمة” على عصابات البوليساريو، وهو ما يجعله بلغة القانون الدولي، على الأقل، “سلطة الأمر الواقع”. سيطرة المغرب المطلقة على الأرض والسكان والخيرات والحدود والقرار وباقي مناحي السيادة، هي المعطى الأكثر حسما في هذا النزاع المفتعل، شاء النظام الجزائري أم أبى. ثانيا، أن الغالبية العظمى من دول العالم تعترف بهذا الواقع -بدرجات متفاوتة- مقابل أقل من 29 دولة تعترف بعصابة البوليساريو وجمهوريتها الوهمية، أيضا بدرجات متفاوتة من الحماس. واقع لا يمت بصلة إلى ما كان عليه الوضع في العقدين الأولين لهذا النزاع (1975-2000) وتحديدا خلال حقبة الحرب الباردة. ثالثا، لا تملك الجزائر وجنوب أفريقيا أغلبية حاسمة يمكنها حماية “جمهورية تندوف” من مصيرها المحتوم المتمثل في الطرد من الاتحاد الأفريقي، حيث إن الواقع يقول بأن المغرب قريب جدا من توفير أغلبية الثلثين الكفيلة بتصحيح خلل ميثاق الاتحاد الأفريقي، وحصر عضويته في الدول المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. رابع هذه البديهيات أن عصابات البوليساريو لا يمكنها حتى في أكثر أحلامها وردية، ولو فتحت لها خزائن الجزائر ومخازن سلاحها، بل وحلفائها أيضا، أن تقارع الجيش المغربي، ناهيك عن إلحاق أي ضرر به، وهو ما يعترف به صراحة قادة البوليساريو أنفسهم بالمناسبة. خامسا، لا يتصور أن تستمر الأمم المتحدة في تمويل بعثة المينورسو إلى الأبد، بل إن لحظة إنهاء مهمتها تقترب بعد أن انتفى عمليا مبرر وجودها. فالأمم المتحدة وتحديدا مجلس أمنها، يقر صراحة باستحالة تنظيم الاستفتاء الذي أنشئت المينورسو من أجله، كما أن عودة الحرب إلى ما كانت عليه سنوات الثمانينات هو أمر يقترب من الاستحالة، للفارق الشاسع بين إمكانيات الطرفين العسكرية، وبالتالي فلا خوف من أن يؤدي سحب بعثة المينورسو إلى خلق بؤرة صراع مسلح يؤثر على السلم العالمي. ونضيف نقطة سادسة قبل أن نختم هذه الحقائق البديهية، التي لا يعاند فيها إلا جاهل أو مكابر، وهي أن القوى الكبرى العالمية والإقليمية، تسلم بإمكانية بل وضرورة حسم هذا النزاع المفتعل عبر مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو الموقف الذي تؤيده الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا واسبانيا وغالبية الدول الأوروبية، ناهيك عن اليابان والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل والأرجنتين والسعودية والإمارات وباقي الدول العربية والإسلامية، وغيرها؛ ناهيك عن تأييد بريطانيا الواضح، وهو ما تؤيده عمليا الصين، وتتفهمه ضمنيا روسيا، بدليل عدم استخدامهما للفيتو على أي قرار يتعلق بالصحراء المغربية منذ عقود طويلة.

إن المنطق السليم، بعيدا عن المكابرة والعناد، يقول أن الخطوات الوحيدة المتوقعة بخصوص هذا النزاع، دوليا وأمميا وقاريا، لا يخرج عن: طرد جمهورية تندوف من الاتحاد الأفريقي؛ التصويت بأغلبية الثلثين على إخراج ملف الصحراء من اللجنة الرابعة ومن لجنة ال 24؛ قرار مجلس الأمن باعتماد مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية وإنهاء مهمة المينورسو؛ تفجر الأوضاع في مخيمات تندوف، في انتفاضة شاملة يصعب احتواءها من قبل المحتجزين، أو هجرة جماعية إلى موريتانيا أو المغرب بطريقة يصعب إيقافها. سيناريوهات لا يهم أيها سيسبق، لكن ما نقوله بأن مستقبل هذا الملف لن يخرج عن واحد او أكثر من هذه السيناريوهات، بحيث أن السؤال المطروح يقتصر على “متى” وليس “هل” تتحقق هذه السيناريوهات.

أمام هذه الصورة، ماذا يروج الإعلام الدعائي الجزائري بالمقابل؟ “تنظيم استفتاء لتقرير المصير من أجل تصفية الاستعمار لهذه القضية المدرجة على جدول أعمال اللجنة الرابعة”. ولا شيء آخر!! لكن هل يملك هذا المطلب أي فرصة للتحقق؟ الجواب البسيط والقطعي هو “لا” صريحة وواضحة. لا نقولها نحن بل الأمم المتحدة. فمجلس الأمن أهدر سنوات في محاولات تنظيم الاستفتاء الذي اجتهدت الجزائر وممثلي البوليساريو في وضع مختلف العقبات أمام إنجازه، وتحديدا خلال مرحلة تحديد الهوية، والخلاصة هي إصدار مجلس الامن قرارا حاسما بحذف الاستفتاء من ضمن خيارات حل هذا النزاع، وهو ما انعكس في حذف كلمة الاستفتاء من جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصحراء منذ قرابة عشرين عاما، والاكتفاء حصريا بالحديث عن حل سياسي واقعي مرن تفاوضي بين أطراف النزاع، وهي الأوصاف التي تنطبق تماما على مخطط المغرب للحكم الذاتي، ولا يمكن لعاقل أن يفترض أنها عبارات كتبت لتوصيف خيار الاستفتاء المقبور. فعلى ماذا تراهن الجزائر عندما تتحدث عن خيارها المستحيل؟! هل تملك اللجنة الرابعة إصدار قرار ملزم بتنظيم الاستفتاء؟ وهل يمكن أن يمر قرار جديد بتنظيم الاستفتاء داخل مجلس الامن دون أن يواجه بفيتو أمريكي أو فرنسي؟! إذا كانت إجابة السؤالين الأخيرين بالنفي (وهي كذلك، ونتحدى من يقول بأن إجابة أحدهما يمكن أن تكون بالإيجاب)، فمن المفترض، واحتراما لعقل المستمعين، أن يمتنع النظام الجزائري وإعلامه الدعائي عن استخدام هذا المصطلح عند الحديث عن نزاع الصحراء المفتعل.

وهكذا، نصل إلى خلاصة وحيدة تقول أن القوة الضاربة للجزائر الجديدة، لا يمكنها تغيير هذا الواقع مهما فعلت، وأن استمرارها في اجترار شعاراتها المعادية للوحدة الترابية المغربية يرجع إلى سبب يتيم: عدم قدرتها على الاعتراف بالفشل، وتبرير ما أهدرته من مقدرات الشعب الجزائري، وما عطلته من تكامل بين شعوب المغرب الكبير، في هدف لم يكن يوما مشرفا ولا مشروعا؛ بل وإدراكها أن نهاية هذا النزاع، ووفاة صنيعتها البوليساريو، سيكتب في آن معا شهادة وفاة النظام العسكري الجزائري الذي ربط مصيرهما معا!

اقرأ أيضا

الجزائر

محلل جزائري.. النظام العسكري فشل في تنظيم انتخابات ما يزيد في تعقيد الوضع السياسي

أوضح الكاتب والمحلل الجزائري ناصر جابي أن الانتخابات الرئاسية في الجزائر، ظهرت أول بوادر أزمتها أثناء الإعلان عن قائمة الأحزاب الكثيرة الداعمة للرئيس، التي تغير تشكيلها أكثر من مرة كدليل إضافي على أزمة تعيشها هذه الهياكل المتكلسة، التي ابتعد المواطن عنها،

مجلس حقوق الإنسان بجنيف

هل يعتبر نظام الجزائر من نتيجة استعراض القوة بين المغرب والبوليساريو في جنيف؟!

أمام توالي الهزائم الدبلوماسية، ومن أجل إبقاء الملف مفتوحا علّه يحفظ بقية من ماء الوجه -إن تبقى منه شيء-، تجدد الجزائر وجنوب أفريقيا عقد ندوة على هامش اجتماعات مجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف، بحضور بعض أعضاء "مجموعة جنيف لدعم الصحراء الغربية"، التي "يقال" أنها تضم 15 عضوا،

الجزائر

للتغطية على “المهزلة”.. النظام الجزائري يخطط للتضحية برئيس هيئة الانتخابات

يخطط النظام العسكري الحاكم في الجارة الشرقية للتضحية برئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، للتغطية على التزوير المبكر للرئاسيات، وتسرع الكابرانات في إعادة تنصيب عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد لعهدة ثانية، في استنساخ لنظام الراحل عبد العزيز بوتفليقة،