الجزائر

لماذا تمنع أنظمة الجزائر وسوريا شعوبها من التظاهر تعاطفا مع الفلسطينيين؟!

بقلم: هيثم شلبي

منذ بدء الضربات الإسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة قبل أزيد من شهر من الآن، تتوالي ردود الفعل الشعبية المنددة بالوحشية الصهيونية في مختلف قارات ودول العالم، بما فيها تلك التي اتخذت حكوماتها مواقف مساندة “فجة” لإسرائيل، كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. ولم يكن متوقعا أن تشكل الشعوب والدول العربية استثناء لهذه الموجة التعاطفية، حتى لو لم يرق ذلك لبعض حكوماتها، بل وإن منها -كما حصل في المغرب- من نظمت أحزابها وهيئات مجتمعها المدني تظاهرات “مليونية” حاشدة، شهدناها في دول إسلامية كباكستان وإندونيسيا وماليزيا وغيرها. غير أنه في خضم هذا “الطوفان” من الصور الوحشية القادمة من قطاع غزة، لم ينتبه الإعلام كثيرا لحقيقة أن ثلاث دول عربية شكلت استثناء صارخا ومخجلا، عندما أصدرت أوامر “صريحة” لقوات الأمن فيها، بمنع جميع المظاهرات العفوية المساندة للضحايا الفلسطينيين، واكتفت بالتصريح لوقفات احتجاجية “رسمية” لعشرات “الموظفين” من أجل تصويرها وترويجها خلال نشرات أخبار تلفزيوناتها ووسائل إعلامها، “رفعا للعتب” وحتى لا يعلو صوت منتقديها. وللمفارقة، فدولتين من هذه الدول الثلاث اعتادت على ترويج صورة لنفسها كداعمة ومؤيدة للنضال الفلسطيني، وهما النظامان “الثوريان” الجزائري والسوري، بينما كان الاستثناء الثالث ممثلا في صاحب القضية المفترض، “السلطة الفلسطينية” نفسها!!

وامام هذا الموقف “المخجل”، لم تتمالك أحزاب هذه الأنظمة الرسمية نفسها وخرجت بانتقادات “رقيقة” لحكومات بلدها، وهو ما رأيناه في الجزائر وسوريا، بينما عبر عن نفسه في فلسطين من خلال مظاهرات احتجاجية تكفلت قوات أمن السلطة بقمعها، مما تسبب في وقوع بعض الضحايا ما بين قتيل وجريح!! وهنا يبرز التساؤل: أين شعارات الدعم لفلسطين التي لطالما تشدق بها الرئيس تبون وحكومته؟! ولماذا قامت الحكومة السورية التي تتزعم “محور المقاومة” عربيا باتخاذ نفس الموقف الجزائري، في الوقت الذي سمحت فيه باقي الدول العربية والإسلامية لجماهيرها بالتعبير العفوي عن مشاعرها التضامنية الإنسانية؟ وهل بلغ الخوف من أي تجمع لأزيد من خمسة مواطنين، بحكومات سوريا والجزائر وفلسطين، حدا تتقبل فيه هذه المهانة، من أجل عدم المغامرة بالسماح بأي تظاهرة، بغض النظر عن مبرراتها؟!
والأدهى، أن حكومات هذه الدول “المرعوبة” راقبت كيف أن جميع التظاهرات المشابهة في مختلف دول العالم قد مرت بسلام، ودون أدنى مظهر تخريبي، وكان يمكن للسماح بتنظيم هذه التظاهرات أن يمر في ظروف مشابهة. بالنسبة لسوريا، فنحن ندرك دوافع قرارها، وهي تشهد مظاهرات شعبية مطالبة برحيل نظام بشار الأسد، في كل من السويداء ودرعا واللاذقية، وهي مرشحة للامتداد إلى باقي المحافظات السورية، في تجديد لمشهد 2011، وبالتالي لم يكن متوقعا منه أن يسمح لتظاهرات جماهيرية حتى من أجل فلسطين، التي لم تكن حاضرة في أجندته يوما، منذ انقلاب الأسد الأب، واستلام حزب البعث للحكم في سوريا أواسط الستينات. وبالنسبة للسلطة الفلسطينية، فهو أيضا منع متوقع -وإن كان صادما- لأنه صادر من سلطة وظيفتها الرسمية وفق اتفاق أوسلو الذي وقعته، هي المساهمة في الحفاظ على أمن إسرائيل، ويعبر رأسها محمود عباس يوميا عن عدم إيمانه بأي شكل احتجاجي يتجاوز الاحتجاجات السلمية ضد التوحش الإسرائيلي، فهي والحالة هذه، كانت تمارس دورها المنوط بها، ولم يكن متوقعا منها تجاوزه، وهذا سبب كون شعبيتها في الحضيض وسط فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة (وخارجهما أيضا).

أما الموقف الجزائري التي لطالما تشدق رئيسها بدعم فلسطين (وهو يقصد السلطة الفلسطينية)، فهو أكثر المواقف غرابة، إذ لا يفسره سوى توقع جنرالات الجزائر ألا يعود الجزائريون إلى منازلهم، إن سمح لهم بالخروج منها للتظاهر من أجل قضية داخلية أو خارجية. رعب يوحي بأن “أشباح” التظاهرات المليونية لجمعات 2019 لا تزال حية ترزق، ولم تفلح مئات حالات الاعتقال لنشطاء الحراك في جعل النظام “يسترخي” ويطمئن إلى طي هذه الصفحة نهائيا. وهكذا، وحتى وإن وضع النظام الجزائري نفسه في وضع مخجل أمام الرأي العام المحلي بسبب منع التظاهرات الداعمة لفلسطين، لاسيما مع المشاعر التضامنية الجياشة التي يختزنها الجزائريون لفلسطين وأهلها، فإن ذلك أهون من أن يجعل النظام وجوده نفسه مهددا.

لكن ما لا يدركه جنرالات الجزائر، أن هذا الموقف “المخزي” الأخير، قد أضاف سببا لغضب الجزائريين تجاه النظام المسلط على رقابهم، وسيزيد من الاحتقان الذي لم يخفف منه توقف الحراك، الأمر الذي سيجعل الحراك المقبل (كما يحدث في سوريا، وسيحدث في فلسطين) جارفا وقادرا على اقتلاع هذا النظام من جذوره، بشكل لن يترك له فرصة للنجاة، والأيام بيننا!!

اقرأ أيضا

خبير لـ”مشاهد24″: قرار مجلس الأمن يضع الجزائر وصنيعتها “البوليساريو” في مواجهة الشرعية الدولية

أكد الدكتور عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن القرار 2756، الذي يمدد ولاية "المينورسو" إلى غاية 31 أكتوبر 2025، يضع الجزائر وصنيعتها "البوليساريو" في مواجهة الشرعية الدولية، ويحملها مزيدا من الضعوط الدولية على اعتبار ما تعملان عليه من الزيادة في أسباب تهديد الأمن والاستقرار الدوليين.

ماذا استفادت الجزائر من عضويتها في مجلس الأمن.. قضية الصحراء نموذجا؟!

بقلم: هيثم شلبي كما كان منتظرا، مدد مجلس الأمن ولاية بعثته “المينورسو” عاما كاملا حتى …

4625

حاول الكابرانات التكتم عليها.. تفاصيل جديدة عن مقتل سائحة سويسرية بالجزائر

كشفت وسائل إعلام فرنسية بشاعة جريمة القتل التي راحت ضحيتها سائحة سويسرية عندما كانت تقضي …