لو كان هناك نظام حاكم في طرابلس الغرب، لكان بالإمكان الشك في وجود مؤامرة لإغراق الاتحاد الأوروبي بالمهاجرين، لإحداث تصدعات داخله وإسقاط نظام «شنغن» الذي يتيح حرية التنقل بين دوله. لكن احداً لا يعرف اذا كانت هناك ايادٍ خفية وراء تدفق المهاجرين من السواحل الليبية وأماكن أخرى في الحوض الشرقي للمتوسط، الى «القارة العجوز» حيث نتج من الأزمة تبادل اتهامات بين العواصم الأوروبية، مع انتشال مزيد من جثث المهاجرين بحراً، والعثور على أخرى براً، قضى اصحابها اختناقاً في شاحنات مهربي البشر.
وهنا يتبادر الى الذهن سؤال حول هوية المهربين، وإذا كانت لهم علاقة بجهات نافذة تسهّل مهمتهم. وثمة تقارير لدى اجهزة في دول المغرب العربي، تشير الى علاقة بين الإرهابيين ومافيات تهريب الأسلحة والممنوعات على انواعها، من دون وجود أدلة ثابتة تؤكد ذلك، ما يحاكي اتهامات لـ «طالبان» برعاية تجارة الأفيون في افغانستان على مدى سنوات، من دون وجود دليل حسي على الأمر، الا بقياسه بالمنطق والاستنتاج من تساؤل حول تغاضي الحركة عن زراعة المخدرات وعدم تعرضها للتجار والمهربين.
المزيد: خفر السواحل الإيطالية تنقذ 3600 مهاجرا قادما من ليبيا
والملفت ان تقارير بريطانية تحدثت نهاية الأسبوع الماضي، عما وصفته بـ «ابتزاز داعش لعصابات تهريب المهاجرين في ليبيا»، من خلال فرض أتاوات عليهم ومحاولة وضع اليد على مكاسبهم، كما نقل موقع «ذي ميرور» عن صحيفة «ذي بيبول» التي اشارت الى انها استقت بعض معلوماتها من مصادر الأمم المتحدة في تونس.
وإذا صح الأمر، فإن ذلك يفرض وجود علاقة او على الأقل تواصلاً بين ارهابيي «داعش» والمهربين الذين يتعاطون «تجارة» تصل ارباحها غير المنظورة الى مئات الملايين من الدولارات، قياساً الى وجود مئات الآلاف من المهاجرين وما يتردد من معلومات عن تقاضي المهربين مبلغاً يصل الى نحو 2500 دولار على «الرأس» الواحد.
وبغض النظر عن اصل المشكلة ومسبباتها، فإن ثمة جدلاً في مكان آخر في اوروبا، حول امكان تسلل مناصرين لـ «داعش» او لمتشددين آخرين بين المهاجرين، ما يفاقم خطورة الوضع ويحوّل الأمر من «مأساة» الى ما يشبه «الغزو» للسواحل الأوروبية. وفي كلا الحالين، فإن التصنيف الأخير بات معتمداً لدى انصار اليمين المتشدد في اوروبا المناهضين للهجرة.
وكان ملفتاً في هذا الصدد ما نقلته وكالة «رويترز» الأسبوع الماضي، عن «خبراء أوروبيين» انهم يستبعدون تسلل متشددين بين المهاجرين، لكن مجرد النقاش في الأمر، يفيد بأنه مطروح واحتمال وارد.
وتفيد احصاءات وكالة «فرونتكس» المسؤولة عن إدارة الحدود في الاتحاد الأوروبي، بأن أكثر من ثلث مليون مهاجر ولاجئ دخلوا الاتحاد هذا العام، غالبيتهم من طريق ايطاليا واليونان وهنغاريا.
وما ان يدخل الوافدون الجدد إلى منطقة «شنغن»، يصبح بإمكانهم التنقل عبر 26 دولة اوروبية من دون قيد أو شرط. وكثير من هؤلاء الوافدين من سورية والعراق حيث يتمتع «داعش» بنفوذ في مناطق شاسعة، وأيضاً من افريقيا عبر ليبيا، حيث يبسط «داعش» سيطرته على مناطق ساحلية، علماً انه في أيار (مايو) الماضي، احتجزت الشرطة الإيطالية متسللاً مغربياً بين المهاجرين عمره 22 سنة ويدعى عبد المجيد طويل، وذلك بناء على مذكرة من تونس حيث تشتبه السلطات بتورطه في الاعتداء على متحف باردو في 18 آذار (مارس) الماضي. وكم من متسللين آخرين وسط موجة الهجرة، ما يجعل رصدهم بمثابة البحث عن إبرة في كومة قش؟
*كاتب صحفي/”الحياة”