بقلم: د. يحيى الجمل*
كلمة دستور ليست عربية الأصل، وإنما هي من الكلمات الوافدة على اللغة العربية، وأغلب الظن أنها كلمة فارسية الأصل، وتطلق كلمة «دستور» بمعان متعددة، ولكن المعنى الذي نقصد إليه هنا هو الدستور باعتباره أعلى القواعد القانونية في الدولة الحديثة.
والدساتير بهذا المعنى عمرها يرجع إلى أكثر من مائتي عام بقليل . هذا إذا تكلمنا عن الدول التي أخذت عن المدرسة اللاتينية، وبالذات عن فرنسا. أما في المملكة المتحدة فإن أقدم وثيقة دستورية أو هكذا يطلق عليها اصطلاحاً، فهي وثيقة الماجنا كارتا أو العهد الأعظم الذي صدر عام 1215 والذي جعل إرادة ملك إنجلترا غير مطلقة كما كانت قبل ذلك.
فإذا عدنا إلى النظام اللاتيني أي الفرنسي الذي تأثرت به كل دول العالم العربي سواء في شمال إفريقيا أو في مصر أو في الشرق العربي، فهنا نعود إلى سؤالنا: متى توضع الدساتير وكيف توضع؟.
أما متى توضع الدساتير فهي توضع عندما يتقرر أن تنتقل السلطة في الدولة – أي دولة – من سلطة مطلقة إلى سلطة مقيدة، بمعنى وجود قواعد عليا في السلم القانوني للدولة يخضع لها الحاكم والمحكوم، وهذه خطوة مهمة في تاريخ الإنسانية لأنها في الواقع تعني ولادة الدولة القانونية أو دولة القانون أي الدولة التي يتساوى فيها المواطنون جميعاً، بصرف النظر عن أجناسهم – ذكر أو أنثى – وأديانهم – يهودي أو مسيحي أو مسلم – أو حتى بوذي، أو لا دين له معروفاً من الأديان السماوية الثلاثة.
دولة القانون هي دولة المواطنة.
بعد هذه المقدمة الأساسية نتكلم عن المسألة الثانية وهى كيفية وضع الدساتير والجهة التي يناط بها وضعها.
والذي نحب أن نؤكده أن طرق وضع الدساتير ليست نماذج ثابتة لا تتغير وإنما هي تخضع لكثير من عوامل تطور الدول سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
وعلى أي حال فإن فقهاء القانون الدستوري يكادون يجمعون على أن الجهة التي تضع الدستور في دولة من الدول يطلق عليها «السلطة المؤسِسِة» باعتبار أن الدستور الذي تضعه هذه السلطة هو الذي ينشيء ويرتب سلطات الدولة الأخرى التي يقال لها السلطات المؤسَسَة وهى عادة السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية.
هكذا يجرى التمييز بين السلطة المؤسِسِة والسلطات المؤسَسَة.
أما عن الطرق المختلفة لوضع الدساتير بغير إثقال على المثقف العادي – والذي نعتقد أن هذه المعلومات البدائية – ضرورية له – فإننا نستطيع أن نقول إن هذه الطرق – حسب ظهورها تاريخياً – هي «الدستور المنحة» «والدستور التعاقدي» والدستور الذي تضعه جمعية تأسيسية. أما الدستور «المنحة» فهو الدستور الذي يصدر عن إرادة الملك أو الحاكم المطلق الذي يريد أن «يمنح» شعبه بعض الحقوق السياسية. ويريد أن يقيد سلطاته بإرادته. ومن أمثلة الدساتير التي صدرت – شكلاً – عن طريق المنحة كان الدستور المصري الصادر عام 1923 من السلطان فؤاد بأخذه صورة المنحة.
وفي الوطن العربي فإن الدستور الكويتي الذي مازال قائماً حتى الآن يأخذ صورة الدستور الذي صدر عن طريق التعاقد بين الشعب – ممثلاً في البرلمان – والحاكم ممثلاً في أمير البلاد.
أما الصورة الثالثة وهى أكثر الصور ديموقراطية وأحدثها أيضاً فهي صدور الدستور عن جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب بغرض وضع الدستور.
وفى ذلك تفصيل كثير.
وأعتقد أنه بالنسبة للمثقف العادي فإنه يكفي بالنسبة له هذا القدر، وعلى من أراد أن يتعمق في هذه الأمور أن يلجأ إلى المراجع العديدة التي كتبت عن الأنظمة الدستورية سواء في مصر أو في غيرها من بلاد العالم.
وأنا رهن أمر من يريد أن يستزيد.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
والله المستعان
*كاتب وسياسي مصري/”البيان”