هل نبارك للجزائريين إعادة انتخاب رئيسهم على رأس حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم؟ أم نأسف على وضعيتهم المأساوية المستمرة في ظل نظام يعيش داخل بركة آسنة لم يعمل على تجديد مائها، وليست له النية لفعل ذلك.
ماذا أضاف عبدالعزيز بوتفليقة للجزائر رئيسا، حتى يتم يعاد انتخابه لرئاسة حزب تقادمت هياكله، وشحبت وجوه مسيريه. حزب أصبح منتفخا بالصراعات منذ مدة طويلة، واحتدمت مع اختيار عمار سعداني أمينا عاما للحزب في صيف 2013.
بهذا التتويج الكاريكاتوري، لنظام ديكتاتوري لا مجال فيه لأدنى فقرة من أعراف الديمقراطية، يتم فرض اسم عبدالعزيز بوتفليقة غصبا على رغم انف الطبيعة والواقع والوقائع.
النظام الجزائري فاق الطبيعة توحشا وتغولا، فتحكم في رقاب الناس وأقام كل شيء ضد رغبتهم.
نظام اوليغارشي يشترك مع الطبيعة في أنها لا تقبل الفراغ. وهو أيضا لا يقبل فراغ كرسي ممن يعتبره غطاء سياسيا لتحكمه في مفاصل الدولة، وإيهامه الجمهور بالكثير من الانجازات والمشاريع وغيرها من أوهام ورقية.
وإلا ما معنى أن يقول علي بن فليس، أن “النظام السياسي الحالي يحاول إقناع الرأي العام بتعهدات غير جادة، في ظل تزايد قضايا الفساد والرشوة ونهب المال العام”. وضعية متأزمة تعد أحد إفرازات فوز عبد العزيز بوتفليقة لأربع ولايات متتالية.
بفوز بوتفليقة يكون هذا النظام المشبع بالتزوير في وثائق التاريخ والسياسة ومبادئ الديمقراطية الحقيقية، قد أحكم قبضته على روح التجديد والتغيير. ووضع شعبا بأكمله في زنزانة ضيقة مكشوفة على روائح نتنة من الفساد وشراء الذمم وتغيير في طبيعة الأشياء والناس.
الأزمة المستعصية بالجزائر اجتماعيا واقتصاديا وتنمويا وصحيا، لن يحلها حزب الافلان، فهو الأزمة في حد ذاته.
لقد قالوا على لسان الرئيس، أنه يؤكد على “ضمان استمرار عقيدة الثورة التحريرية، مشددا على التجديد والتشبيب”.
كلمات تؤكد على تأبيد حزب جبهة التحرير الوطني، واستمراريته كواجهة للجيش والمخابرات. وتجديد القيادات بأخرى يشترط فيها ألا تقل فسادا وشيخوخة عن السابقين. حتى يستمر النظام في خدمة عقيدته التي لم يجرؤ على تغييرها، أو على الأقل تعديلها قليلا.
لابد من التذكير بما قاله السنة الماضية عمار سعيداني بأن “وجود المخابرات في كل مفاصل الدولة يعطي الانطباع أن الحكم في الجزائر ليس مدنيا”. ما يؤكد أن انتخاب الرئيس رئيسا للبلاد والحزب معا، ما هو إلا واجهة يراد منها التغطية على ما يتم تدبيره في خفاء.
ركز ما يفترض انه خطاب الرئيس بوتفليقة الموجه للمؤتمر العاشر للأفالان. على التجديد والتشبيب والديمقراطية والتعددية والانفتاح.
تلك المفاتيح التي نجدها لدى الأنظمة الديمقراطية أو تلك التي تمشي في ركابها. لا يمتلكها نظام الجزائر ولا يستطيع صناعتها أو استنساخها، نظام ضاعت بوصلته وبارت سلعته الثورية، وشاخت أفكاره ووجوهه.
كيف برئيس عاجز عن تقرير مصيره، ولم يستطع الذهاب لبيته ليتصالح مع أعضائه ويسكن إليها. كما عجز سابقا عن التأثير في الأجهزة السرية المتحكمة في القرار الرئيسي بالجزائر، كيف له، أن يطالب بالتشبيب والتجديد والديمقراطية والتعددية؟
في رسالة بوتفليقة المفترضة يطالب حزبه الحاكم، بالتفتح على سائر شرائح المجتمع في المدن والقرى ذكورا وإناثا. وعلى كل الذين يتطلعون إلى خدمة الصالح العام فوق كل اعتبار والانخراط في تسيير شؤون الدولة.
كلام قمة في العبط السياسي، وانحدارا وإسفافا وإهانة لشعب ضحى بالغالي والنفيس لأجل استقلال بلاده.
لم يعد الأمر سرا، أن الديمقراطية آخر شيء يمكنك أن تجده بالجزائر. ولم يعد بعيدا عن أعين الناس كمية الفساد المستشرية في كل أرجاء مؤسسات الدولة دون استثناء. وليس خافيا ان التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية حاضرة في الاوراق غائبة في الاوراش العملية.
يقول علي بن فليس، “أهلنا في الجنوب ليسوا بخير من حيث كونهم يعانون، وإنهم ليسوا بخير من التهميش والانتقاص لكونهم مهضومي الحقوق الاقتصادية، وإنهم يعيشون كغيرهم من المواطنين الأزمات تلو الأزمات، منها الصحة والتشغيل والسكن والتعليم”.
كلام صحيح مئة بالمئة، والكل يعرفه وهناك من يخاف الكثير من البوح به. لكن بن فليس يلعب دور المنفس عما يجول بخاطر الشعب بكل فئاته. سياسة التنفيس هذه، لن تخال عن فطن وكثير هم الفطنون.
وسوف نرد عليه من نفس كلام بن فليس، الذي أكد فيه أن، الجزائر تواجه انسدادا سياسيا مكتمل الأركان، والجميع، حسبه، يشعر بمفعوله ويراقب تبعاته وتطوراته الخطيرة، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بما ستؤول إليه هذه الأزمة وحجم تكاليفها الباهظة.
بن فليس، هذا ابن النظام. رضع من ثديه المعطاء. ولن يخرج عما رسمه له مطبخ القرارات في أقبية المخابرات ومكاتب من يسيرون دواليب النظام. ينتقد ويشجب ويندد لكنه لن يخرج عن القافية ولن يأتي بالنشاز في نغمة السلطة الحاكمة.
والسؤال لماذا التصويت على اسم بوتفليقة رئيسا لحزب جبهة التحرير؟
سؤال يرد عليه ضمنيا الوزير الأول، عبدالمالك سلال، بأن تعديل الدستور سيكون قريبا. ما يعني أن التعديل من الممكن أن يتعرض لولاية الرئيس لتصبح طوية الأمد ومدى حياة الرئيس الذي لا يفنى.
لا شيء تحقق في عهد بوتفليقة.
ولم يكن شيئا ليتحقق مع وجود أناس فاسدين على رأس السلطة وأذنابهم المنتشرين عبر ربوع الوطن الجزائري ومؤسساته، خصوصا مع وجود المخابرات في كل مكان، في البلديات والرئاسة وفي الأحزاب السياسية. حسب سعداني.
ميدل ايست أونلاين