على رغم التبعات السياسية والمواقف المحلية والدولية الرافضة قرار المحكمة الدستورية العليا في ليبيا، الصادر يوم 6 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، والقاضي بحل مجلس النواب المنتخب لعدم شرعيته، كونه رحَّج كفة فريق سياسي – عسكري على حساب فريق آخر، إلا أنه في حقيقة الأمر يُعد آخر ما يمكن أن يصدر عن جهة سيادية عليا، لا تزال ممثلة للدولة الليبية في شكلها المؤسسي.
وبناء على قرار المحكمة السابق، سيواجه الليبيون ومعهم المجتمع الدولي في حال رفض قرار المحكمة، مشكلة تتمثل في غياب أو عدم الاعتراف بجهة مؤسسة، يمكن الاعتماد عليها لحل الأزمة السياسية، والتي تشي، إن استمرت على النحو الذي نراه، بتقسيم الدولة الليبية دويلات مجهرية، أو أقل من ذلك، تستمد شرعية وجودها، في تناحرها، من دعم خارجي لأطراف ذات مصالح مرتبطة أساساً بالتقييم المنتظر.
هنا يطرح السؤال التالي: هل يكفي التشكيك بصدقية قرار المحكمة، سواء بالقول إنه صادر من طرابلس العاصمة، غير المتوّجة الآن، والتي هي خارج السيطرة، في إشارة الى احتمال تعرّض القضاة لضغوط من الميليشيات الإسلامية التي تسيطر على العاصمة، كما ذكرت بعض المصادر الليبية، أو باعتباره خطوة إلى الوراء كون البرلمان الحالي معترفاً به دولياً، أي أنه يحظى بدعم كثير من دول العالم ومجلس الأمن، وقد قامت على شرعيته حكومة معترف بها أيضاً؟
بالطبع ليس كافياً التشكيك في القرار لأسباب ثلاثة، أولها: أن كل القوى السياسية الليبية كانت في انتظار صدور هذا الحكم، وكان محتملاً صدوره لمصلحة مجلس النواب المنتخب وبالتالي حكومة عبدالله الثني، ما يعني أن رفضه الآن جاء متأخراً، وثانيها: أن القرارات الصادرة عن المحاكم يُعترف بها دولياً، إذا استوفت الإجراءات، فكيف لا يعترف بحكم المحكمة الدستورية العليا، بخاصة أنه لم يُشكّك في صدقيتها سابقاً، ولم تُرفض الشكوى التي تقدم بها المعارضون، وثالثها: أن التعويل على قرار المحكمة الدستورية العليا، كان من المنتظر أن يساهم في تثبيت شرعية المجلس والحكومة المعترف بها دولياً، لا أن يزيد الفتنة اشتعالاً.
ليبيا اليوم، وبعد صدور قرار المحكمة الدستورية العليا، تتجه نحو مزيد من التصعيد، ليس فقط لأن جغرافية الحرب الأهلية الدائرة تتخذ من العاصمة طرابلس ساحة للقتال، وهو ما كان من نتائجه، على مستوى السلطة، فقدان حكومة الثني السيطرة على معظم الوزارات ومؤسسات الدولة، بعدما بسطت جماعات مسلحة متناحرة سيطرتها عليها وعلى مدن أخرى مثل بنغازي، ولا لأن المؤتمر الوطني وحكومة عمر الحاسي والجماعات المسلحة المؤيدة لهما قائمة على الأرض، وتحارب باعتبارها صاحبة الشرعية، ولا لعدم شرعية انعقاد جلسات مجلس النواب في طبرق لمخالفته توصيات لجنة شباط (فبراير) 2013 المعدلة للإعلان الدستوري، والتي نصت على أن تكون مدينة بنغازي المقر الدائم للبرلمان…، ليس لكل هذا، وإنما لأن الصراع في ليبيا سياسي وليس قانونياً.
الصراع هنالك في أساسه بين تيارين، الأول ليبرالي مدعوم دولياً على نطاق واسع، تركّز نشاطه أيام الانتقاضة ضدّ القذافي على العمل السياسي والحصول على الدعم الدولي، ولذلك نجد ضمن قياداته بعض رموز النظام السابق، وكبار الموظفين في مؤسسات الحكم السابق، والثاني تيار إسلامي سياسي، فيه عناصر قادت العمليات الإرهابية داخل ليبيا وخارجها، ويحظى هذا التنظيم بدعم سخي من بعض الدول، التي راهنت على وصوله إلى الحكم. وهذا يدفعنا إلى القول: إن الحرب الدائرة هناك ليست ليبية خالصة، إنما هي حرب لمصلحة أطراف دولية، وما كان لدول الناتو مثلاً، وما ينبغي لها، أن تشارك في الحرب، لتسقط نظاماً من دون أن تحصل على تكاليف الحرب، على الأقل بوصول عناصر موالية لها إلى الحكم، ما يعني أن أصدقاء ليبيا أثناء الحرب على النظام السابق، هم رعاة الصراع اليوم.
* كاتب وصحافي جزائري/”الحياة” اللندنية