رغم الاعتراف السياسي المحتشم باللغة الأمازيغية وترسيمها دستوريا على مضض من طرف النظام الجزائري في الشهور الماضية، فإن اللغة الفرنسية الموروثة عن الحقبة الاستعمارية تظل الظاهرة المهيمنة في المنطقة الأمازيغية وخاصة في المحيط العام الذي يتوقف عليه أمر نشر هذه اللغة. من البديهي القول إنه بسبب هذه الهيمنة سيبقى هذا الترسيم مجرد حبر على ورق. وفي الواقع فإن هذا الترسيم شكلي لأن النظام الجزائري لم ينشئ المؤسسات التي تقوم بتنفيذ بنود هذا الترسيم.
من الواضح أيضا أن عدم تدخل النظام الجزائري لإحلال اللغة العربية والأمازيغية محل اللغة الفرنسية السائدة في المحيط الاجتماعي العام، يعني أن التيار المتفرنس في أجهزته المركزية لا يزال قويا ومسيطرا على إدارة الشأن السياسي الوطني وهكذا يتجلى أيضا أن النظام الجزائري يمارس فقط لعبة احتواء المعارضة الأمازيغية وتقليم أظافرها ولا يسعى بصدق إلى تحرير الهوية الأمازيغية من التبعية لفرنسا وتراثها الثقافي الذي تركته بعد خروج جيشها المحتل من الأراضي الجزائرية.
من المعروف أيضا أن ثمة مسؤولين في الدولة، وهم بقايا الكولونيالية، قد عرقلوا وما زالوا يعرقلون بطرق ملتوية تحويل هذا الاعتراف والترسيم إلى حقيقة على الواقع. لا شك أن ترسيم اللغة الأمازيغية قد كشف شيئا مهما وهو أننا لم نشاهد أي مظاهرة صغيرة أو كبيرة تعارض ترسيم اللغة الأمازيغية من طرف المعرّبين أو العرب الذين يتهمون دائما بأنهم ضد اللغة والثقافة الأمازيغيتين. وبهذا الخصوص ينبغي أن ندرك أن تأخير الاعتراف باللغة الأمازيغية قد ساهم فيه، منذ الاستقلال، مسؤولون منحدرون من أصول أمازيغية كانوا رؤساء وزراء، ووزراء، وشخصيات سياسية لها نفوذ في الدولة وهؤلاء معروفون لدى العام والخاص.
من الواضح أن المهمة قد تبدو أكثر صعوبة من ذي قبل لأن ترقية اللغة الأمازيغية، وجعلها لغة العلوم والفكر والتقنية والفنون والآداب يتطلبان تكاتف الجهود، والدعم المالي والبحث العلمي وتفعيل الترجمة والشروع في الاتفاق على الحروف التي ستكتب بها، وتوحيد اللهجات التي ستثري قاموسها. ولكن ينبغي إدراك أن عملية إحياء وتطوير أي لغة تخضع لشروط كثيرة في مقدمتها بناء محيط لغوي في القرى والمدن يكون منسجما، ويترافق، مع اللغة العربية بما يخدم رفاهيتهما معا.
إقرأ أيضا: عوائق التحول السياسي في الجزائر
إن عدم خلق النظام الجزائري للمحيط اللغوي الأمازيغي في المنطقة الأمازيغية يعني تفريغ الذاكرة الثقافية الأمازيغية من محتواها، لأن اللغة الفرنسية في المحافظات الأمازيغية في شمال البلاد وفي الأوراس والمنطقة الصحراوية تطل برأسها في المحلات المختلفة بما في ذلك مقاهي الإنترنت ومعاهد التعليم التابعة للقطاع الخاص.
هذه الظاهرة تتكرر بشكل نمطي في كتابة أسماء القرى التي ترفق بهذه العلامات حيث أغلبها مكتوب بالفرنسية أيضا، والأدهى هو التسميات والأسماء المكتوبة باللغة الفرنسية المحرفة الأمر الذي يطمس هويتها.
هذا الطمس والتلاعب يحدثان مباركة النظام الحاكم وفصيل من الفرنكوفونيين المندسين بين صفوف دعاة الأمازيغية الذين يتنزهون بدورهم، ومنذ سنين طويلة، على الموت البطيء للغة الأمازيغية. وهنا نتساءل: هل أن مقاصد النظام الجزائري من ترسيم اللغة الأمازيغية هي إحياء هذه اللغة التي همشها طوال مرحلة الاستقلال أم أن الهدف الحقيقي الذي يخفيه هو استخدام هذه اللغة كحصان طروادة لإخفاء بقايا الاستعمار الفرنسي المتمثلة في اللغة الفرنسية؟
لا بد من القول أن التيار المتفرنس في الجزائر، الذي له ممثلوه في قمة هرم السلطة، يدرك أن الاستعمار الفرنسي لم يبن ولو مدرسة واحدة لتعليم الأمازيغية طوال قرن وثلاثين سنة. وفي هذا السياق ينبغي التذكير بأن المسؤولين في المحافظة السامية التي نصبها النظام في الجزائر منذ سنوات لم يقدموا شيئا للثقافة الأمازيغية عدا الانتفاع بالمناصب والظهور في وسائل الإعلام. هذه المحافظة السامية لم تقم بتنفيذ برنامج تعميم اللغة الأمازيغية في المحيط الشعبي الذي هو الضمانة الحقيقية لربط الأجيال بهذه اللغة، كما أنها لم تنجز ترجمة العناصر المشكلة للثقافة الأمازيغية إلى اللغات الحية بما في ذلك اللغة العربية للتعريف بهذا الموروث المهم لدى الأجيال المعربة على المستوى الوطني وفي العالم العربي، كما أنها لم تقم بإحياء المعمار الأمازيغي المغمور ولم يتم إبرازه في البنايات التي تفرض عليها أشكال المعمار الغربي الذي يبدو وكأنه شبح يهدد الهوية ويدمر الذوق والخيال.
كل هذه الممارسات والظواهر تجعل من ترسيم النظام الجزائري للغة الأمازيغية مجرد شعار فضفاض.
كاتب جزائري/”العرب”