من حرك سيناريو الصراعات داخل قبة البرلمان أثناء مناقشة النواب الشكلية لبنود قانون المالية لعام 2016 الذي تم التصويت عليه في هذا الأسبوع بطرق ملتوية وغير ديمقراطية؟ ولماذا استخدم هذا النظام أحزاب الموالاة التي تعتبر واجهته الفولاذية، وجند لها الإعلام، الذي ينطق باسمه وباسمها، للنفخ في قضية القوانين الصادرة مؤخرا بخصوص السنة المالية؟ ولماذا صورت للرأي العام الوطني وكأنها هي التي ستقرر الانفراج الاقتصادي والاجتماعي في البلاد في الوقت الذي تدل فيه كل القرائن والدلائل على أن الجزائر قد دخلت فعلا في مستنقع أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية بنيوية خطرة جراء السياسات الفاشلة المطبقة والتي صادق عليها البرلمان نفسه؟
أليس الهدف الحقيقي من وراء هذه الضجة المفتعلة هو التغطية على العمليات المنهجية التي تستهدف الشخصيات الوطنية، التي يريد النظام التخلص منها، سواء بإقالتها أو بإلصاق التهم بها، ومن ثم إحالتها على المحاكمة العسكرية والأمنية أو المدنية غير المحايدة قبل الاستحقاق الرئاسي القادم، لينصب رجلا من رجاله كرئيس للجمهورية أو الإبقاء على الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إذا تحسنت صحته؟ وهل يوجد في الجزائر برلمان أو جهاز عدالة مستقلين علما أن هاتين المؤسستين هما جزء عضوي من أجهزة الردع بيد النظام الذي يتحكم فيها بأنيابه كما يحلو له؟
ربما يصدق المراقب الخارجي أن ما حدث خلال هذه الأيام القليلة الماضية في البرلمان الجزائري، بين ما يسمى بنواب المعارضة وبين نواب الموالاة، من ملاسنات واشتباكات ومقاطعة بعضهم لجلسات مناقشة قانون المالية لعام 2016 هو ثورة، أو بداية شرخ بين نواب المعارضة وبين النظام والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة كما تروج لذلك جهات تابعة للنظام الحاكم نفسه. وأكثر من ذلك فإن المرء يتساءل: لماذا لم يعلن أي حزب معارض لبنود قانون المالية عن استقالة نوابه من البرلمان، أو على الأقل عن تجميد عضويتهم فيه احتجاجا على ما سموه في تصريحاتهم “بتزوير إرادة النواب وانتهاك سيادة لجنة المالية التابعة للبرلمان”؟ ثم هل يمثل هؤلاء النواب المعارضون حقا معارضة يسارية رافضة لبيع المؤسسات العمومية الكبرى لبارونات المال الذين يشغلون إما مناصب الحل والربط في أجهزة النظام، وإما أنهم من الأغنياء الكبار الذين يمولون الحملات الانتخابية للنظام نفسه الذي صنع ثروتهم من العدم في رمشة عين؟ كيف يستقيم هذا أيضا في الوقت الذي نجدهم يباركون قوانين حكومة رأسمالية ريعية ومكنوها بذلك من إفساد المؤسسات العمومية، ومن مسح الشرائح الشعبية الوسطى من مواقعها في خريطة البنية الاجتماعية، ومن تحويل الشبان إلى باعة متجولين أو إلى بطالين، ومن تجريد الفلاحين والعمال من الأمن الاقتصادي والاجتماعي؟
إقرأ أيضا: في مشهد برلماني نادر..المعارضة الجزائرية تثور على قانون المالية
إن القراءة الصحيحة للواقع الجزائري تؤكد أن القضية أكبر من هذا الخلاف الشكلي الطارئ على بند واحد من قانون المالية، بل إن النظام الجزائري الحاكم يلعب الآن كل أوراقه من أجل تسويق وتمرير مخططاته للبقاء في الحكم والاحتفاظ بالسلطة المطلقة التي كرسها على مدى السنين بواسطة الإدعاء أن للشعب الجزائري برلمانا منتخبا وفيه معارضة تناقش وتعارض، وأنه هو الذي يقرر ويشرع ويمثل الإرادة الشعبية.
من المعروف أن البرلمان الجزائري، بما في ذلك رئيسه محمد العربي ولد خليفة المعين من طرف أجهزة النظام الحاكم، لا يصادق على أي قانون دون أن يملى عليه من النظام. وهنا نقدم بعض الأدلة التي توضح أن البرلمان مجرد واجهة للنظام الحاكم.
أولا، إن الذي يعين الحكومة هو الرئيس في إطار التسوية مع الجيش والأمن وليس مع البرلمان، أو مع حزب الأغلبية البرلمانية على الأقل. ثم كيف يمكن له أن يحاسب هذا الوزير أو ذاك السفير أو ذلك المحافظ، أو مدير البنك، أو حتى المديرين المركزيين والمستشارين الذين يعملون كموظفين سامين معينين من طرف الرئاسة بمرسوم تصدره هي ومن دون استشارة البرلمان؟
ثانيا،التقارير المنشورة في وسائل الإعلام أبرزت أن السلطات الجزائرية قد سمحت لـ800 يهودي جزائري عام 2014 بمغادرة البلاد والالتحاق بإسرائيل في سرية كاملة كما كشفت عن ذلك الدوائر المركزية الإسرائيلية، ولكننا لم نسمع من هذا البرلمان الذي يفترض أنه حامي حمى قوانين الدولة أي تكذيب أو موقف احتجاج أو رفض لمثل هذا الإجراء الخطر والمخل بالقضية الفلسطينية، علما أنه هو الذي يشرع لسياسات الدولة بما في ذلك القوانين التي تضبط علاقاتها الخارجية وكذا قوانين السفر والهجرة.
في يوم 29 من شهر نوفمبر الماضي صرح مقران آيت العربي محامي الجنرال حسان الذي أصدرت المحكمة ضده عقوبة بخمس سنوات سجنا “إن حقوق الدفاع في قضية الجنرال حسان منتهكة ابتداء من إلقاء القبض عليه في بيته خارج القانون، إلى النطق بالحكم في جلسة سرية”. لماذا لم تتحرك اللجنة المسؤولة عن القوانين في البرلمان الذي ناقشها هو وصادق عليها؟
* كاتب جزائري/”العرب”