بقلم: محمد الأشهب*
بعد أيام، يكمل نزاع الصحراء عامه الأربعين. في وقائع الصراع الذي تدرج عبر مراحل ومواقف ولاعبين إنه أطول من ذلك. ولم يظهر في الأفق ما يرسخ الاعتقاد أنه في طريقه إلى الزوال. ففي كل مرة تقترب أطرافه المباشرة وغير المباشرة من مربع الحسم على قاعدة: لا غالب ولا مغلوب، تنبعث خلافات وصعوبات تعيده إلى نقطة الصفر.
اندلعت حروب ونزاعات وتوترات في الوقت ذاته، ووجدت سبيلها إلى الحل. في سلطنة عمان، خمد بركان تمرد ظفار، وقد حمل بعض أبنائها شعارات مماثلة لتلك التي ترددت في الصحراء، وفي شرق أفريقيا، عند أوغادين أغمدت حراب الجياع، وبقي نزاع الصحراء كأنه وجد ليطول أمده، بعد أن تراجعت نزاعات إقليمية وحدودية وطائفية.
لا الحرب التي دامت 15 سنة أسفرت عن منتصر بفرض شروطه أو مهزوم يذعن لها، ولا حمل أغصان الزيتون أينع أمناً وسلاماً واستقراراً، يخلص منطقة الشمال الأفريقي من مضاعفات توتر يشتعل ويخمد مثل النار تحت الرماد. فقد تعاطت معه منظمة الوحدة الأفريقية، من دون الانتباه إلى زوابع الرمال المتحركة حول العالم. وانتقل الملف إلى الأمم المتحدة منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولم يزد مفعول قرارات مجلس الأمن عن ركام تمنيات مماثلة وضعت على الرف، على رغم إقرار الأطراف كافة بأنها ملتزمة قرارات الشرعية الدولية.
لعل من المواقف النادرة التي صدرت عن القادة العرب وجامعتهم، أنهم أقروا مسافة أبعد حيال الانجذاب إلى مربع النزاع الصحراوي. وصدقت فكرة أن إثقال الجامعة العربية بأعباء إضافية سيزيد من تمزيق الصف العربي، وإن كان الثابت أن أهم المساعي والمبادرات الحميدة لرأب الصدع جاءت من زعامات عربية، راعت الإبقاء على المنطقة المغاربية كخلفية احتياطية في دعم القضايا المبدئية. ما يفسر كيف أن المغرب والجزائر تحديداً أسهما بقسط وافر في تعبيد الطريق أمام خيار السلام الصعب. الأول في قمة فاس التي صاغت الملامح الأولى لخطة السلام، والثانية عندما غيرت منظمة التحرير الفلسطينية هيئاتها في اجتماع مجلسها الوطني في الجزائر.
للمزيد: الأبعاد التاريخية والسياسية لنزاع الصحراء المغربية
لكن المنطقة المغاربية ستغرق في مستنقع آخر يهدد أمنها واستقرارها، وبعد أن كانت أنفاسها تُشد إلى ما يتفاعل إلى جوارها في الساحل الأفريقي الذي كاد يتحول إلى أفغانستان جديدة على الرقعة الفاصلة بين الدول المغاربية وامتدادها الأفريقي جنوباً، اندلعت الأزمة الليبية التي زادت التهديدات خطورة. ولم يجد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بديلاً من الإقرار بأن استمرار نزاع الصحراء يهدد المنطقة بأسرها.
في أي حال، فإن غياب التنسيق المغاربي في التصدي للإرهاب والتطرف ومظاهر الانفلات الأمني، لا ينفصل عن الانكفاء الحاصل في التعاطي مع نزاع الصحراء. حتى صارت تمنيات مجلس الأمن تطلب إلى دول الشمال الأفريقي أن تتعاون مع بعضها ومع الأمم المتحدة لتسهيل العودة إلى خيار المفاوضات العالقة. وإنه لأمر مثير فعلاً أن يقترن الطلب الدولي بالإعلان عن مواقف أوروبية تحض شركاءها في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط على بذل جهود مضاعفة لتحقيق وئام إقليمي يساعد في دعم الحوار المغاربي – الأوروبي.
المفارقة أن أكثر النزاعات الإقليمية تعقيداً، انطبعت في غالبيتها بوجود أياد ورغبات أجنبية، لها مصالح في استمرار التوتر، فيما أن الموقف من نزاع الصحراء تطور لناحية إبداء الاستعداد لدعم أي تسوية وفاقية تقبلها الأطراف كافة. فما علق بالأذهان لدى اندلاع نزاع الرمال المتحركة، أنه كان جزءاً من تداعيات الحرب الباردة. وحينما وضعت أوزارها قبل أن تعاود اعتلاء منطق السياسة الدولية، لم تتمكن الأطراف من الإفادة من الأجواء الجديدة.
بعد أربعين عاماً صار في الإمكان التساؤل إن كان هذا النزاع وجد ليبقى، أم أن بعض أطرافه تعوزه إرادة الذهاب نحو حل مشرف بوصفة: لا غالب ولا مغلوب.
*كاتب صحفي/”الحياة”