بقلم: أحمد إبراهيم الفقيه*
يبدو غريبا أن أتحدث عن التفاؤل وسط أجواء الحزن وخيام المآتم التي أقيمت إثر المجزرة التي أوقعها الإرهابيون، من أتباع داعش، في أوساط المتظاهرين السلميين، الذين خرجوا في منطقة الكيش بمدينة بنغازي، يطالبون بحل عادل لقضية الوطن ويحتجون على الصيغة النهائية التي وصل إليها الحوار تحت إشراف المندوب الأممي. إلا أننا نقول بأننا جميعا محكومون بالأمل، وإن ما حدث في بنغازي ليس إلا جزءا من المأساة التي تعيشها ليبيا منذ ثورة الشعب على النظام السابق، والتب أدت تداعياتها إلى تفجير الصراع المسلح.
كان عملا حكيما من البعثة الأممية في ليبيا، أن بادرت لإدانة هذا الإجرام إدانة قوية وأكدت أن الحل السلمي سيكون الطريق لإشراك العالم في القضاء على الإرهاب في ليبيا، وهكذا كان الدم البريء الذي نزف في منطقة الكيش، دافعا لأن يسعى الليبيون لإيجاد الحل السلمي الذي يرضي أطراف النزاع ويوقف سفك الدماء، وينهي كل صراع مسلح في ليبيا، ما عدا المعركة ضد الإرهاب وتطهير التراب الليبي من الدواعش، وطرد العصابات التي استباحت الأرض وانتهكت الحدود وتاجرت بأزمات الليبيين، وجعلت بلادهم معبرا للهجرة غير الشرعية، ومكانا آمنا لعمليات التهريب وتجارة السلاح، وأقول أن هناك أسبابا للتفاؤل توحي بأن الوصول إلى حل سلمي للأزمة الليبية لم يعد بعيدا.
وبداية أقول أنه لم يحصل ما كان يتوقعه المتشائمون، وهو أن تعذر القبول بالصيغة النهائية سيكون انتهاء للعملية السلمية وانهيارا للحوار، واستئنافا للصراع المسلح بين أطراف الحوار، وهو ما لم يحدث، فليس هناك انهيار للحوار وهو لا زال مستمرا، وليس هناك تصعيد لأي صراع مسلح بين الأطراف، عدا ذلك الذي يخوضه الجيش الليبي في مواجهة الدواعش.
ولعل أهم أسباب التفاؤل هي وجود اتفاق من حيث المبدأ على رئاسة حكومة الوفاق الوطني، وهناك موافقة من البرلمان على النسخة الموقع عليها بالأحرف الأولى من الصيغة النهائية، التي يقول أعضاء الوفد المكلف من البرلمان، أنه لم تطرأ عليها إلا تغييرات طفيفة، كما أن الاعتراض على الحكومة تركز في أمور شكلية، مثل أن يكون للرئيس نائبان بدلا من ثلاثة.
للمزيد: “اتفاق تاريخي” بين الليبيين في الصخيرات
أما ما كان موضع ضجيج، فهو ما بدر من المندوب الأممي برنادينو ليون، من اقتراحات غير ملزمة لأطراف الحوار ولا ملزمة لحكومة الوحدة الوطنية، من أسماء لمناصب وترشيحات لحاملي حقائب وزارية، ورغم أنه بادر إلى تصحيح ما كان يعنيه، فقد أغلق الرأي العام أذنيه عن هذا التصحيح، واعتبر أن ما صرح به ليون، هو تحيز لأطراف في الصراع، وتزكية لتوجهات دينية كان لرموزها السهم الأكبر في إفساد الحياة السياسية، وهو أمر أراه غامضا، لماذا كلف برناردينو ليون نفسه الإدلاء بهذه التصريحات التي أربكت المشهد وخلقت ردود فعل عنيفة، وصنعت ضجيجا غطى على الأصوات الإيجابية الكثيرة التي باركت وجود حكومة للوحدة الوطنية، ومن بين هذه الأصوات جماعة فجر ليبيا المتهمة بالتشدد والتي بادرت للترحيب بالحكومة، ولم يتأخر البرلمان نفسه عن مباركة الحكومة وقبوله بالاتفاق، ما عدا ملاحظات صغيرة يمكن النظر في تعديلها، فلم يكن هناك ما يدعو لتلك الاقتراحات المسيئة التي صنعت ضبابا غطى كل الإشارات المضيئة التي كان يمكن البناء عليها، للتصديق على الحكومة، وتقديمها لنيل موافقة البرلمان.
لقد أصبح كل هذا ماضيا، والخطوة القادمة هي التي تأتي بعد كل ما حصل من ارتباك، عرقل الوصول إلى ما أراده ليون كختام للمرحلة الماضية، والتي تبدأ باستئناف للحوار من النقطة التي انتهت إليها آخر الاجتماعات، أي من تشكيل الحكومة، ومن تعديل الصيغة النهائية للاتفاق، وقد صار موقف كل طرف واضحا، وأصبحت أوجه التعديل معروفة ويسهل إنجازها وإخراج صيغة تحقق لليبيا ما تصبو إليه من سلام واستقرار وأمن.
الإجماع العالمي الذي حصل عليه الاتفاق، كان أيضا مهددا بأن يتبدد، فور تعذر قبوله من أطراف النزاع الليبي، إلا أننا لم نر انصرافا عن تأييد الحل السلمي للأزمة الليبية، بعد أن عجز الاتفاق عن الوصول إلى مرحلة التنفيذ، لأن قوى المجتمع الدولي صارت تدرك أن ما حصل ليس فشلا للاتفاق وليس انهيارا للمفاوضات، وإنما هو مرحلة لا بد منها، يحتاج فيها الاتفاق إلى لمسات أخيرة ونهائية، يرضاها الليبيون ويباشرون بعدها الدخول في عملية البناء وإنجاز مشروع الدولة المدنية الديمقراطية.
*كاتب ليبي/”العرب”