بقلم: مصطفى القلعي*
تونس هي الدولة الأقرب جغرافيا وتاريخيا وحضاريا واجتماعيا واقتصاديا من ليبيا ولكن من المفارقات أن دورها في الملف الليبي هو الأضعف على الإطلاق. فالسياسيون التونسيون، سلطة ومعارضة، مقرون بأن استقرار تونس لن يكون إلا باستقرار ليبيا ومتفقون على أن أمن تونس من أمن جارتها الجنوبية. ولكن ما يحدث أن من أوصلهم الصندوق الانتخابي إلى حكم تونس سواء بعد انتخابات 2011 أو 2014 انشغلوا عن هذه المسألة الإستراتيجية وغفلوا عنها إلى أجنداتهم وأمورهم الداخلية.
العلاقة بين تونس وليبيا يغلب عليها الالتباس والمغالطة وسوء الفهم وغياب الإرادة البناءة الحقيقية. ولابد من وضع الأمور في نصابها بمعنى أن الطرف الموكول له المبادرة لبناء العلاقة الإستراتيجية السليمة هي تونس لا ليبيا، بسبب استقرارها السياسي وتركيز سلطاتها وعمل مؤسساتها.
ولكن الحكومات التونسية المتعاقبة تتعامل مع ليبيا بطريقة غريبة. فلم يزر أي رئيس حكومة تونسية ليبيا منذ انتخابات 2011 لا في حكومتيْ الترويكا ولا في حكومة مهدي جمعة ولا في حكومة الحبيب الصيد الحالية. وبعد انتخابات 2014 زار رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الجزائر ولم يزر ليبيا إلى حد الآن. وزار هذه الأيام رئيس الحكومة الصيد الجزائر أيضا ولا إعلام عن نيته زيارة ليبيا. ولقد عبر كلا الرئيسين أكثر من مرة عن الظروف الأمنية الصعبة في ليبيا. فهل يبرر ذلك تجاهل الملف الليبي بهذه الطريقة المضرة بتونس؟
للمزيد:الباجي قائد السبسي: الوضع في ليبيا أضر كثيرا بتونس
مؤخرا، زار رئيس الجمهورية السبسي على التوالي كلا من مصر والأردن. وجاءت الزيارتان بعد إعلان السلطات التونسية الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش. ورددت تقارير إعلامية أن السبسي ناقش في القاهرة وعمّان إمكانية تكوين قوة عربية مشتركة لمواجهة داعش في ليبيا. وليس أغرب من هذه السياسة إذ كيف يناقش السبسي، وهو رئيس منتخب مباشرة من الشعب، شؤون الشعب الليبي الجار الصديق مع أطراف خارجية ولا يناقشها مع ممثليه؟
هناك إقرار بالفشل في إدارة شؤون الدولة في كل من ليبيا وتونس بتفاوت في الدرجات والمستويات. هذا الفراغ في إدارة الدولة وفي التحكم في مواردها عطّل التنمية وهمّش أهداف الثورتين وشعاراتهما، وفتح الباب على مصراعيه أمام مافيات التهريب وتبييض الأموال والتجارة الممنوعة لتبني لها صروحا وتكسب ثروات طائلة من أموال الشعبين التي عجزت الدولتان التونسية والليبية عن الحفاظ عليها. وليس من المبالغة أن نتحدث اليوم عن دولة ثالثة قائمة على الحدود بين تونس وليبيا، هي دولة المهربين والخارجين على القانون بمختلف أنواعهم.
منذ الضجة الدبلوماسية التي أحدثها قرار تونس الاعتراف بحكومة طرابلس المنتهية صلاحيتها، غابت تونس عن الشأن الليبي. بينما يتم تداول الملف الليبي في دول وعواصم أخرى. فالمغرب يحتضن الحوار السياسي الليبي بين الفرقاء السياسيين لاسيما حكومة طرابلس المنتهية صلاحياتها وحكومة طبرق المنتخبة ومن والاهما. ومصر احتضنت في مايو 2015 مؤتمر القبائل الليبية. وإيطاليا والقاهرة احتضنتا جولات من النقاش السياسي بين إيطاليا ومصر والجزائر حول الشأن الليبي.
والقبائل الليبية أيضا تفكر في وطنها إذ انعقد يوم 7 أكتوبر 2015 الجاري مؤتمر القبائل الليبية بمدينة سلوق شرق ليبيا جمع الشيوخ والأعيان من المناطق والقبائل والمدن في جنوب ليبيا وشرقها وغربها. وانتهى المؤتمر إلى صياغة بيان جامع يشدد على وحدة ليبيا، وعلى دعم الجيش الليبي في مواجهة الإرهاب، وعلى سيادة الشعب الليبي على ثرواته ورفض التدخل الأجنبي، والتأكيد على أن الحل الليبي لا يكون إلا داخل ليبيا بين الليبيين أنفسهم.
لم تقدم تونس المساعدة اللازمة لليبيا لتبني مؤسساتها وتعصرن إدارتها. ولذلك تخسر تونس كثيرا بسبب غياب أي رؤية إستراتيجية للتعامل مع الشأن الليبي. وتخطئ الدبلوماسية التونسية حين تختار مناقشة قضايا الشعب الليبي مع غير الليبيين. ولذلك فإن السلطات التونسية مدعوة إلى مراجعة سياساتها وإلى دعوة باحثيها الإستراتيجيين إلى إعداد ما يلزم من الأبحاث لقلب المعادلة واستعادة الدور الفعال في ليبيا واحترام إرادة الشعب الليبي وحسن استثمار ما يوفره الجوار من إمكانيات لتنمية كل أوجه التبادل بين البلدين والشعبين.
واليوم، ورغم الظروف الأمنية الصعبة في ليبيا، ورغم دولة الخارجين عن القانون على الحدود، تنشط حركة المسافرين بين البلدين في الاتجاهين ولكن مع كل هذا توجد أعمال تخرب مصالح البلدين والشعبين مثل التجارة الموازية والتهريب والإرهاب.
* كاتب وباحث سياسي تونسي/”العرب”