«نوبل للسلام» مفاجأة ساّرة للّتونسيين!

بقلم: آمال موسى*

استفاق الّتونسيون يوم الخميس الماضي على خبر محاولة اغتيال الّسيد رضا شرف الدين٬ رئيس إحدى الجمعيات الرياضية الكبيرة في تونس. محاولة اغتيال نجا منها المستهدف من القتل بأعجوبة٬ حيث تّم إطلاق ما يقارب 29 رصاصة٬ دون أن تنال منه رصاصة واحدة.

قضى الّتونسيون ذلك اليوم في التخمينات والقراءات والخوف وبّث الهواجس٬ فتعاظمت الحيرة بين مرّوجي فرضية أن الجناة هم الجماعات التكفيرية وآخرين انحازوا إلى اتهام من وصفوهم بمافيا المال والّسياسة.

على كٍل٬ ليس موضوع هذه الورقة محاولة الاغتيال المذكورة٬ وما حّف بها من ظروفُ مسترابة وغير مفهومة٬ بل إن ما يعنينا أكثر هو الخبر الذيُزَّف للتونسيين الجمعة الماضي: فوز الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس بجائزة نوبل للسلام.

خبٌرَ بَّث الحيوية في المجتمع التونسي وجعل الكثيرين يخلعون نظارة التشاؤم ويستبدلون بها أخرى متفائلة وفخورة٬ بفضل ما تعنيه هذه الجائزة النوعية من تقدير عالمي مخصوص جًدا.

المزيد: فوز اللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس بجائزة نوبل للسلام

وفي الحقيقة٬ هيمن على تلّقي التونسيين خبر الفوز بجائزة نوبل للسلام٬ طابع المفاجأة والذهول٬ وذلك لأسباب عّدة؛ أولها المحمول الرمزي لجائزة نوبل بشكل عام٬ كأرقى الجوائز العالمية٬ والثاني أن الخبر أُعلن عنه وتونس تتخّبط في الحيرة ومشرئّبة الأعناق لتعرف من يقف وراء محاولة جريمة الاغتيال الُمشار إليها٬ وأيًضا ما حقيقة ماُيرّوج من تصريحات٬ مفادها أن قتلة الذين تعّرضوا للاغتيال السياسي في السنوات الأخيرة ليسوا مجهولي الهوية٬ أي أن التونسيين ناموا على أخبار الإرهاب وفرضيات المحللين للأحداث٬ واستفاقوا على خبر فوز الرباعي الّراعي للحوار الوطني بجائزة نوبل للسلام.

وكما قد يتذّكر الكثير من المتابعين للشأن التونسي٬ فإن الرباعي المقصود هو الاتحاد العام التونسي للشغل٬ ومنظمة الأعراف٬ وعمادة المحامين٬ والرابطة التونسية لحقوق الإنسان.

ولقد تشّكل هذا الرباعي على أثر ما بلغته تونس سنة 2013 من انسداد للأفق ومن تعطل للغة الحوار بين الترويكا الحاكمة والمعارضة٬ حيث عرفت تونس اغتيال الناشطين شكري بلعيد٬ ومحمد البراهمي٬ وأيًضا تعّرض عناصر من الجيش التونسي للذبح في منتصف شهر رمضان 2013 بجبال الشعانبي على يد الجماعات الإرهابية التكفيرية. وهو ما جعل المعارضة تنخرط في آليات احتجاج عالية السقف٬ وصلت إلى حّد المطالبة بتنّحي الحكومة واستقالتها.

ورّدت الحكومة آنذاك برئاسة السّيد علي العريض بالرفض٬ متمسكة بالشرعّية. فكان الحل هو مبادرة الرباعي الراعي للحوار الوطني الذي عمل بجهد في التنسيق بين المواقف والتقريب بين وجهات النظر. ونتج عن تلك المفاوضات الماراثونية والصعبة٬ خروج تونس ونجاتها من عنق الزجاجة ومن النفق المظلم٬ وتّم الفراغ من كتابة الدستور٬ وأجريت فيما بعد الانتخابات.

وموضوعًيا٬ قام الرباعي المشار إليه آنذاك بدور مهم٬ يتمّثل في تهدئة الأوضاع وفي وضع القطار السياسي على السكة من جديد. الأمر الذي أكسبه – أي الرباعي ­ مصداقية إضافية وضاعف من رمزيته الوطنية ودوره التوفيقي٬ الذي أسهم في تركيز ثقافة التوافق السياسي٬ بوصفه قدًرا تونسًيا لا ترًفا قابلاً للرفض تماًما كما القبول.

ففي هذا الإطار نفهم استحقاق هذا الرباعي لجائزة نوبل للسلام باعتبار أن العمل على الحوار والتوافق وضب التوترات إلى أقصى حّد ممكن كلّه يصب في عمق فكرة الّسلام٬ ناهيك بأن السيناريو البديل لسيناريو التوافق هو بلا شك سيناريو الحرب الأهلية والصراع الدامي٬ دون أن يفوتنا في هذا الصدد الإشارة إلى أن أفكار الحوار والتوافق٬ لا يمكن أن تنجح وتنمو إلا في بيئة اجتماعية ثقافية مّيالة بشخصيتها القاعدية (Personnalité de base) إلى الاعتدال والسلم.

هذا من ناحية الاستحقاق.

أما ما يمكن أن تكسبه تونس من هذه الجائزة٬ فهو نوعي جًدا.. وأولى هذه الفوائد الدعاية الدولية لتونس مع خلق صورة متجّددة تربط بينها – أي تونس ­ وبين فكرة السلام٬ خصوًصا أنها قبيل ثلاثة أشهر فقط٬ كانت تتصّدر الصفحات الأولى لكبرى الجرائد العالمية ولأكثرها انتشاًرا٬ بأخبار الإرهاب وقتل السياح بطريقة بشعة على الشواطئ. أي أن جائزة نوبل بمثابة تلميع صورة ورأسمال يبحث عن عقل تونسي يجيد استثماره.

أيًضا من خلال متابعة ردود فعل الدول الكبرى في العالم٬ نلحظ أن هذه الجائزة ستدعم تونس اقتصادًيا وستقّوي من حظوظها وتساعد صوتها على إعلاء نبرة طلب الدعم والمساعدة. أما وطنًيا٬ فإن هذه الجائزة النوعّية٬ ستفرض ­ على حّد السواء ­ على الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف٬ تجاوز ما عرفته العلاقة بينهما في الأسابيع الأخيرة من توتر وتراشق للتهم. ذلك أن طبيعة الخطاب بينهما قبل جائزة نوبل للسلام يجب أن تصبح في عداد الماضي٬ ولا بّد من التأسيس لعلاقة تليق بشركاء جائزة نوبل للسلام. إنها بكل المقاييس مفاجأة ساّرة وبوابة خير تونسية ورأسمال رمزي قابل للصرف مالّيا.

*كاتبة وشاعرة تونسية/”الشرق الأوسط”

اقرأ أيضا

تونس بعد “نوبل للسلام”

بقلم: المهدي مبروك* لم تسلم جوائز نوبل، حال الإعلان عنها أواخر كل سنة، من النقد …

هل يتصالح التونسيون بعد نوبل للسلام؟

بقلم: حسّونة المصباحي* يمكن اعتبار يوم الجمعة الموافق للتاسع من أكتوبر (تشرين الأول)2015 يوما تاريخيّا …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *