يجتمع اليوم الثلاثاء بالعاصمة الاسبانية مدريد، الفريقان المتفاوضان باسم الحزبين :الاشتراكي العمالي وپوديموس ، بعد ان عرض الثاني امس الاثنين الخطوط العريضة للبرنامج الحكومي الذي يطمح الحزب الوافد الى تطبيقه .
ولم يشكل مضمون البرنامج مفاجأة للطبقة السياسية وخاصة الحزب الاشتراكي ،فقد أصر زعيم “پوديموس ” بقوة اكثر من ذي قبل على الاشتراطات التي عبر عنها في مناسبات سابقة لكي يكون شريكا للحزب الاشتراكي العمالي ،في حكم اسبانيا خلال الولاية المقبلة والتي يفترض ان تدوم اربع سنوات ،على غرار التي سبقتها .
وفي هذا الصدد طالب زعيم پوديموس، بحصة اكبر في السلطة لا تتناسب مع عدد نواب مكونات حزبه في مجلس النواب ( 69 مقعدا )وفي مقدمة المطالب ان يسند اليه منصب نائب رئيس الوزراء، ليس بصفة المساعد وانما كشريك كامل في السلطة التنفيذية مع الرئيس ذي الصلاحيات الواسعة المخولة له بمقتضى الدستور طبقا لنظام الملكية البرلمانية.
للمزيد:اتهام “پوديموس” بالانقلابي! والناخبون يحبذون الاشتراكيين مع ثيودادانوس
وحدد ،پابلو ايغليسياس،المسؤوليات التي يريدها مقترنة بمنصبه ؛إذ بالاضافة الى الحقائب السيادية في التشكيلة الحكومية كالداخلية والدفاع والعدل والمالية وتوزيع متساو للحقائب ، فان الزعيم يطمح ان تكون له اليد الطولى والعين الساهرة على جهاز الاستخبارات الاسبانية . ليس هذا فقط وانما ان تمتد سلطته كذلك الى الاشراف على الجريدة الرسمية ، في اشارة واضحة الى نيته في الاعتراض على نشر القرارات التي يمكن ان يصدرها مجلس الوزراء بخصوص قضايا قد يتعذر الاتفاق بصددها بين مكونات الحكومة المحتملة .
وبينما جدد منسق الحزب الاشتراكي ، انطونيو هرناندو ، الامل في امكان حصول اتفاق بين الحزبين لتشكيل حكومة تقدمية اصلاحية ؛ فان اصواتا اشتراكية ارتفعت في عدة مناطق من البلاد ،محذرة من خطورة تحالف ضد الطبيعة مع ” پوديموس” بعد ان ظهر التباعد جليا بين الحزبين على مستوى البرنامج المشترك وتوزيع الحقائب الوزارية وهيكلة الحكومة ،ما جعل “هرناندو” يرفض باسم الاشتراكيين ، الموافقة على تنظيم استفتاء تقرير المصير في اقليم كاتالونيا ، باعتباره خطا احمر بين حزبه وپوديموس ، بعد ما تبين ان الاخير يريد ان يشرعن الاستفتاء في الجهات الاسبانية الاخرى ،اذا ما رغبت في فك ارتباطها بالدولة المركزية .
وطالب پوديموس، باستحداث وزارة لتلك الغاية تتولى شؤون القوميات والاتصات لرغباتها بالاستمرار في ظل التاج الاسباني او الخروج منه ؛ الامر الذي يعتبره كثيرون تهديدا صريحا لكيان الدولة ووحدة الشعب الاسباني .
وباستثناء مبادئ التخليق ومحاربة الفساد والرشوة وانعاش الشغل والتي يبلورها كل حزب بما يقترحه من اجراءات وتدابير قابلة للتنفيذ ؛ فانه لا يو جد تقارب كبير بين الحزبين بخصوص التوجهات الجوهرية .وعلى سبيل المثال فان، پوديموس ،يسعى لسن ضرائب تصاعدية على الثروات الى جانب رفع الانفاق الحكومي الى ارقام فلكية ،دون التفكير في مصادر التمويل والعواقب الاقتصادية لسياسة لا يتردد كثيرون في وصفها بالشعبوية والرومانسية الفوضوية او الحالمة باحسن الاوصاف؛ كما لا يكترث قادة پوديموس، بتبعات مقترحاتهم على المجموعة الاوروبية التي تحذر بالواضح والمرموز من قيام تحالف حكومي مرشح للتصدع في الاسابيع الاولى ،بل الاخطر من كل ذلك ان پوديموس ،يتجاهل ثقل قوة الحزب الشعبي في البرلمان بمجلسيه ،بحيث يستحيل تمرير تعديل الدستور دون موافقة نوابه .
وحاول ،پيدرو سانشيث ، منذ تكليفه من قبل الملك اجراء مشاورات مع اغلب الاحزاب لضمان اغلبية حكومية ، اقناع حزب “ثيودادانوس” بالانضمام الى التحالف علما ان ،پوديموس، يحرم الجلوس في اية حكومة يكون شريكا فيها حزب ،البرت ريفيرا، لانه يعتبره امتدادا للحزب الشعبي المحافظ .
وفي هذا السياق لا يستبعد محللون احتمالين : أولهما ضعيف يتمثل في ان يبدي پوديموس ،قدرا اكبر من المرونة ،تجعله يؤجل او يتراجع عن اشتراطاته التعجيزية ويقبل برنامجا توافقيا مع الاشتراكيين .
وهذا ما يبدو متعذرا ،على اعتبار ان تصلب پوديموس،لا يشرحه سوى خلافات عميقة داخل صفوفه بين الاجنحة المتنافرة المكونة للحزب ،وبالتالي فان مطالبه التعجيزية تعد هروبا الى الامام ، بل ربما تصعيدا يتوخى منه الحزب الفتي إعادة إجراء الانتخابات التشريعية، طمعا في حصوله على مكاسب اضافية تجعله اكثر تشددا في مواقفه ، ما ينذر بتفاقم الازمة السياسية في إسبانيا.
وهناك احتمال آخر ان يتحالف الاشتراكيون وثيودادانوس ، الى جانب احزاب صغيرة، على الرغم من ان كافة السيناريوهات لن تمكن الرئيس المكلف من جمع اغلبية وبالتالي لا يبقى امامه سوى محاولة اقناع الكتلتين المؤثرتين في مجلس النواب بالامتناع عن التصويت في الجولة الثانية،يقينا ان پيدرو سانشيث، سيصطدم بمعارضتين على السواء من الحزب الشعبي وپوديموس . الاول يعتبر نفسه الاحق دستوريا برئاسة الحكومة ، والثاني يستند الى رغبة الشعب في التغيير والقطع مع حكومة اليمين التي اغرقت اسبانيا في الفساد .
وليس غريبا ان يؤول التكليف في نهاية المسلسل الى زعيم الحزب الشعبي ،ليواجه بدوره تشكيل تحالف تاريخي قد يكون الفشل من نصيبه ، فلا يبقى أمامه والحالة تلك الا الرجوع للشعب .
وعاد الحل البديل للطهور بعد ان تردد على الالسنة منذ ايام دون الجهر به عاليا، يقضي باخلاء ،ماريانو راخوي ،ساحة المنافسة والبحث عن بديل له ،من حزبه وان اقتضى الامر من المجتمع المدني ،حيث يوجد احتياطي كبير من الكفاءات المؤهلة لتدبير مرحلة انتقالية صعبة ، حتى لا تنزلق البلاد نحو هاوية أزمة مستعصية لا احد يدري كيف سيكون الخروج منها وبأي ثمن .
الى ذلك يبدو، ملك اسبانيا ، فيليپي السادس ، عاجزا عن النزول بثقله لإحداث انفراج ، فلا الدستور يخوله ذلك الدور ولا الاحزاب السياسية متفقة على تحكيمه .
تجدر الاشارة الى ان الذكرى الثمانين لانتصار الجبهة الشعبية في انتخابات 16 فبراير 1936 حيث ظهرت خلافات انذاك بين مكوناتها وخاصة مع الفوضويين ساهمت في اضعاف المعسكر الجمهوري ، فتفتحت شهية المحافظين المتشددين الى الحكم ، فاندلعت حرب اهلية دامت ثلاث سنوات انتهت بانتصار الفاشية .
ليس المشهد السياسي هو نفسه بعد ثمانية عقود ولكن بعض التماثلاث قائمة وبعضها اخطر، خاصة وان الاتحاد الاوروبي يواجه امتحانا صعبا لتوفير الاستقرار السياسي والاقتصادي .
روابط ذات صلة:ملك إسبانيا يجري مشاورات.. ولغز علاقة “پوديموس” بايران مستمر !!!