تتوقع الأوساط السياسية في إسبانيا، تدخلا من ملك البلاد، يأملون أن يجد مخرجا للأزمة السياسية الحالية وغير المسبوقة الناتجة عن إصرار الأحزاب الكاتالانية، ذات التوجه الانفصالي على المضي في الخطوات المنافية للدستور، بإعلان استقلال الإقليم من جانب واحد.
وحرص ملك اسبانيا الذي يواجه أول معضلة سياسية منذ توليه العرش، على النأي بنفسه عن الجدل الحاصل بين الحكومة الوطنية في مدريد وحكومة إقليم كاتالونيا؛ ذلك ان الدستور الاسباني، لا يمنح عاهل البلاد حق التدخل في الشأن السياسي باعتباره فوق الأحزاب، لكنه في ذات الوقت يرمز الى سيادة البلاد والضامن لوحدتها.
ويرى بعض المحللين ان الملك، أمام خطورة الوضع، يمكنه ان يتدخل بصفته ضامن السيادة والوحدة على اعتبار انهما مهددتان بالخطوات الانفصالية. لكن الدستور يشترط موافقة مجلس الوزراء على تدخل الملك في صورة خطاب يوجهه للأمة الاسبانية، يدعو فيه الى الوئام الوطني وحل الخلافات بالتي هي أحسن وبالوسائل السلمية، ومن المحتمل ان تطلب الحكومة من الملك القيام بدور الاطفائي.
وكان رئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي، عقد بداية الأسبوع الجاري الاجتماع التقليدي مع الملك، حيث جرت العادة ان يطلع الملك خلاله على سير الأمور العامة في الدولة الاسبانية كما يعرضها رئيس السلطة التنفيذية.
اقرأ المزيد:“راخوي” يحشد الأنصار لإفشال انقلاب كاتالونيا؟
ولاحظ المراقبون بخصوص الاجتماع ان المصالح الصحافية للبلاط الملكي وزعت على وسائل الإعلام الوطنية الصورة التي جمعت فيليبي السادس مع ماريانو راخوي، في مكتب الملك بقصر “لا ثرثويلا” حيث بدت على ملامح الطرفين سمات الإحساس بالأزمة العميقة، ما يوحي للرأي العام ان العاهل الاسباني ليس راضيا عن المسار الذي قرره الانفصاليون بصورة أحادية وبإصرار متشنج على رفض كل المقترحات التي برزت في الساحة السياسية منذ شهور.
وفي هذا السياق، تلقى، ارتور ماص، رئيس الحكومة المستقلة المنتهية ولايته، صفعتين سياسيتين أمس الثلاثاء الأولى في الصباح حيث قرر مجلس الدولة حق الحكومة في اللجوء الى المحكمة الدستورية لاستصدار حكم منها يقضي برفض الاستقلال المعلن واعتباره لاغيا ومايترتب عنه، الى جانب التدابير الرادعة الأخرى التي ينص عليها القانون والتي يمكن ان تصل الى حد إلغاء وضع الحكم الذاتي وإخضاع الإقليم الى السلطة المركزية كما كان عليه الوضع في عهد الديكتاتور الراحل فرانكو.
وفي نفس الإطار تم إبلاغ 21 كبيرا في الإقليم بينهم رئيسة البرلمان ورئيس الحكومة وأعضائها وإخطارهم بانه يحضر عليهم عصيان الأوامر التي ستصدر عن المحكمة الدستورية وإلا فإنهم سيضعون أنفسهم تحت طائلة تجريدهم من مسؤولياتهم وتقديمهم الى العدالة في حالة الإمعان والتمادي في العصيان.
اما الصفعة الثانية التي أصابت ارتور ماص، فتمثلت في فشله مساء الثلاثاء، في الحصول على ثقة أغلبية البرلمان المحلي ليصبح للمرة الثالثة رئيسا لحكومة الإقليم وذلك بعد رفض حزب الوحدة الشعبية (11 عضوا) التصويت لصالحه، بالنظر لكونه أكثر تطرفا اذ يوصف انه حزب معادي للرأسمالية، وهو نفسه الذي دعا الى العصيان المدني ليلة الإعلان عن نتائج التشريعيات المحلية في الاقليم.
يذكر ان مجلس الوزراء الاسباني عقد اجتماعا استثنائيا صباح الاربعاء، اصدر بعده قرارات تصب جميعها في اتجاه رفض الاعتراف بالوضع المفروض في كاتالونيا، إذ جدد ماريانو راخوي تأكيده على إعمال القانون بصرامة ومسؤولية.
ويؤيد راخوي، في مسعاه اغلب الأحزاب الاسبانية وخاصة من أكبرها الحزب الاشتراكي العمالي الذي جدد وقوفه الى جانب الشرعية الدستورية ورفض الانفصال.
وأمام هذه التطورات، بات، ارتور ماص، محاصرا بالقانون وبرفض الطبقة السياسية ورجال الأعمال لخطواته.
وعلى الرغم من رفضه التراجع أو إبداء المرونة السياسية وفتح باب التشاور، فانه سيصطدم بالحائط لا محالة، وان كان المزاج الشعبي العام يستبعد ولا يحبذ اللجوء الى الإجراءات الاستثنائية من طرف الحكومة كأن تفرض حالة الطوارئ في الإقليم المتمرد.
يذكر ان رئيسة البرلمان المحلي، كارمي فوركاديل، وجهت رسائل الى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذا الحكومة المركزية، تبلغهم فيها قرار البرلمان إعلان الاستقلال وقيام جمهورية كاتالونيا .
يشار الى ان الجهات الثلاث التي تمت مخاطبتها ترفض انفصال الإقليم عن الدولة الاسبانية لما يمكن ان يسفر عنه من تطورات خطيرة تمس بالاستقرار في أوروبا على سبيل المثال.