عرت الأزمة الاقتصادية بالجزائر جوانب عدة في كيفية تدبير النظام الحاكم للاقتصاد الوطني طيلة عقود ما بعد الاستقلال.
وجاء تراجع أسعار النفط بصورة كبيرة واستمرار حالة الجمود هذه ليضع الجزائر أمام حقيقة صادمة مفادها أن عائداتها المالية تراجعت، وأن الإنفاق العمومي أكبر من المداخل وأن النزيف طال الاحتياطات النقدية وأنه مرشح للاستمرار ما يجعل البلاد أمام خيار مر يفرض عليها اللجوء إلى الاستدانة.
بالإضافة إلى ذلك، تزيد المخاوف من تأثير الأزمة على السلم الاجتماعي الذي عمل النظام على شرائه طيلة سنوات لكي لا يضطر إلى القيام بإصلاحات ضرورية تغير بنية الحكم وتمهد لدخول البلاد إلى نادي الدول الساعية إلى الديمقراطية.
إقرأ أيضا: شباب تونس ..بين فكي كماشة المشاكل الاجتماعية والتطرف
الأزمة الاقتصادية بالجزائر لا تبدو آخر الأحزان بالجارة الشرقية، حيث يبدو أن البلاد تعيش معضلة سياسية عنوانها الأبرز من يحكم، على الرئيس المريض والجالس على كرسي متحرك حيث تكثر الشائعات بخصوص صحته البدنية والعقلية، أما شقيقه المستشار الذي يحرك الأحجار فوق رقعة الشطرنج من موقعه الذي يجعله خارج المساءلة، أم هو رئيس الأركان الذي يؤكد عدد من الجزائريين أنه كان أقل الجنرالات كفاءة لولا أن بوتفليقة وفر له الظروف ليلعب دورا أكبر منه في دواليب السلطة الجزائرية.
في ظل هذا المشهد الكاريكاتوري، يطرح التساؤل إن كان على المرء أن يوجه اللوم إلى البترول الذي يصر على أن يراوح سعره مكانه، ويرهن الاقتصاد الجزائري لسنوات مقبلة على ما يبدو، أو يوجه اللوم للاختيارات الاستراتيجية لنظام كان قصير النظر بحيث لم يعمد إلى جعل اقتصادها متحررا من إسار تقلبات أسعار الذهب الأسود وبدد ما راكمته خلال سنوات كان فيها ثمن البرميل يتجاوز 100 دولار أمريكي.
اليوم، تتحدث الحكومة الجزائرية عن خلق نموذج اقتصادي جديد لم تتضح معالمه ولا يبدو أنه يثير تفاؤل الكثير، بحسب ما تقوله بعض المنابر الإعلامية الجزائر، خصوصا بالنظر إلى تجارب الحكومات السابقة.
الأزمة الاقتصادية بالجزائر اليوم وضعت البلاد أمام حقيقة تفويتها لفرصة تنويع اقتصادها الوطني في الوقت الذي كان لديها يتوفر لها الوقت والمال، وهو ما يبدو أنها لا تتوفر عليه اليوم.
كما أن مشكلة التدبير ما تزال مطروحة بالنسبة للبعض في الجزائر، حيث يسود التساؤل حول قدرة نظام فشل في تطوير قطاعات اقتصادية بديلة في وقت الرخاء أن يحدث المعجزة في وقت الشدة.