بالرغم من التدخل الذي قام به الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي من خلال خلق لجنة لاحتواء المشاكل الداخلية لحزب “نداء تونس”، إلا أن الأزمة التي ألمت بهذا الأخير كانت كبيرة كفاية لتتسبب في نزيف من الاستقالات والاحتجاجات، والتي لا تزال مستمرة إل حدود كتابة هذه الأسطر.
ومن الواضح أن المؤتمر التوافقي الذي نظمه الحزب خلال نهاية الأسبوع المنصرم لم يأت أكله، كما لم يحل الأزمة العميقة التي أرخت بظلالها على مقاعد الحزب داخل قبة البرلمان، حيث أعلن عدد من النواب استقالتهم من الحزب، لتميل الكفة داخل البرلمان لصالح حزب “النهضة” الإسلامي.
ورغم خطاب التطمين الذي نهجه المؤسس الشرفي لحزب “نداء تونس”، الباجي قايد السبسي، ووصفه لأزمة الحزب بـ “سحابة صيف عابرة” إلا أن السحابة تحولت إلى إعصار حقيقي أتى على عضوية 22 نائبا خلال الأسبوعين المنصرمين، لينضاف إليهم صباح اليوم الأربعاء وزير الصحة في الحكومة الحالية سعيد العايدي، الذي جمد عضويته هو الآخر.
مؤتمر دنس المعايير المتعامل بها
وجاءت موجة الاستقالات التي عرفها الحزب الحاكم، والتي ابتدأت مع تقديم الأمين العام السابق محسن مرزوق استقالته، بسبب تراكم المشاكل الداخلية التي عرفها الحزب، والتي يرى عدد من النواب أنها ناتجة عن “محاولة توريث الحزب لنجل الرئيس التونسي، حافظ قايد السبسي.
هذا وشكل قرار العايدي بتجميد عضويته داخل المكتب السياسي للحزب، ضربة موجعة إلى هذا الأخير، حيث أشار العايدي إلى أن قراره جاء بناء على مؤتمر سوسة الأخير الذي “انعدمت فيه كل المقومات المميزة للمؤتمر السياسي، كما ودنست فيه كلّ المعايير والمقاييس المتعامل بها”.
وعلى صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، عبر وزير الصحة التونسي عن استيائه الشديد من المؤتمر، مشيرا إلى “إنه سينضم إلى صفوف المناضلين التونس، ليعتذر عما حدث وشوّه صورة “النخلة” في إشارة إلى شعار “نداء تونس”.
وإلى ذلك، دعا العايدي إلى ضرورة “تصحيح مسار الحزب، وفق رزنامة واضحة وجليّة، مع إعادة الاعتبار لحزب أريدَ تهميشه” مؤكدا أنه وباقي مناضلي الحزب لن يسمحوا بذلك.
إقرأ أيضا: انقسام في «حزب نداء تونس»
وفي ذات الإطار، قامت النائبة عن “نداء تونس” ليلى الشتاوي بتجميد عضويتها على غرار العايدي، وتعود على صفوف مناضلي الحزب من أجل المطالبة بإنقاذ الأخير وتصحيح مساره السياسي.
ووفق ما نقله موقع “بوابة أفريقيا الإخبارية”، قدم وزير النقل السابق والشؤون الاجتماعية الحالي، محمود بن رمضان المنتمي إلى تيار محسن مرزوق، استقالته من الحزب بشكل تام.
مؤتمر سوسة..انقلاب على توافقات لجنة ال13
العديد من الانتقادات وجهت إلى مؤتمر سوسة الأخير، ومن بين هذه الانتقادات ما قاله رجل الأعمال والقيادي البارز في الحزب، فوزي اللومي، الذي وصف مخرجات المؤتمر التوافقي الذي نظمه الحزب في المدينة الساحلية بأنها “عملية انقلاب وسطو لا علاقة له لا بالديمقراطية ولا بالتوافق”.
وأعلن اللومي، الذي يعد أحد أبرز قيادات الحزب ومموليه، عن انسحابه من المهمة التي أسندت إليه داخل مكتب “نداء تونس” السياسي وتأسيسه لحزب آخر تحت اسم “تيار الأمل”.
وقال اللومي، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، أن الأمور لم تجري على النحو الطبيعي، حيث تم تغيير كل شيء في اللحظة الأخيرة وذلك من خلال “فرض سياسة الأمر الواقع وتعيين أشخاص محسوبين على طرف واحد داخل الحزب، فكانت النتيجة مهزلة سياسية، بما للكلمة من معنى، تسببت في زعزعة صورة الحزب لدى الرأي العام”.
واسترسل اللومي، الذي عين مديرا تنفيذيا داخل المكتب السياسي، قائلا ” يعلم جميع مناضلي نداء تونس أننا نبهنا منذ عدة أشهر الى أن الحزب يسير في الطريق الخطأ بعد ان شعرنا أن هنالك مساع للسطو على هذا الحزب، الذي بناه عشرات الآلاف من المناضلين، من قبل مجموعة من الأشخاص بطرق لا ديمقراطية”.
وأكد رجل الأعمال التونسي أنه، وعلى غرار عدد من الأعضاء، عمل على محاولة إصلاح الأمور من أجل تماسك الحزب ووحدته كي لا يخيب أمل أكثر من مليون و300 ألف تونسي وضعوا ثقتهم فيه وصوتوا له، إلا أن الأمور خرجت عن نصابها في الدقائق الأخيرة، حسب قوله.
وأوضح اللومي ” أن التوافقات التي توصلت إليها “لجنة 13″ كانت مرضية في مجملها، ولكن داخل المؤتمر وفي الدقائق الأخيرة تم الانقلاب عليها”.
واعتبر اللومي أن الهدف الأساسي من إعلانه تأسيس حزب جديد هو ” محاولة إنقاذ نداء تونس، وإعادة الأمل إلى مناضلي الحركة وقواعدها وأنصارها، والدفاع عن الديمقراطية” مطالبا كل “الندائيين الرافضين لما وقع داخل الحزب، إلى الالتحاق بهذا التيار”.
هذا ويتوقع عدد من مراقبي الشأن التونسي أن يتواصل نزيف “نداء تونس” مما سيقود إلى المزيد من التفكك الداخلي في صفوفه.