نداء تونس

لماذا يريد نداء تونس ورئيسه تعديل الدستور

يدور هذه الأيّام حديث عن تعديل دستوري مزمع خرج من بين جدران مجلس نواب الشعب في تونس إلى منابر النقاش في وسائل الإعلام، يتعلق بنية رئيس الجمهورية وحزبه نداء تونس توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية.
ولئن يطرح من بقي من نواب حزب نداء تونس هذا الموضوع بتدرج من السرية إلى الاحتشام فيما بينهم، ثم في أروقة مجلس نواب الشعب، وصولا إلى منابر الإعلام، فإن الرأي العام في تونس سرعان ما بدأ في خوض النقاشات حول أسباب هذه النية في تعديل الدستور الجديد، وتبريراتها وغاياتها.
يقول حزب نداء تونس – صاحب المبادرة – إن التفكير في التعديل الدستوري كان نتيجة الإقرار بوجود أزمة حكم في تونس بسبب توزع السلطات وتفاوتها بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. فرئيس الحكومة هو رأس السلطة التنفيذية بينما هو غير منتخب، أما رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من الشعب فسلطاته محدودة.
لكن ما لم يقله حزب نداء تونس أن تعيين رئيس الحكومة هو اختيار منه، وليس التزاما بمنطوق الدستور. بمعنى أن دستور يناير 2014 ينص على كون الحزب الفائز في الانتخابات هو الذي يعيّن رئيس الحكومة ويدعى إلى تشكيل حكومة.
فقد كان بإمكان حزب نداء تونس اختيار رئيس حكومة من بين قياداته المنتخبة مباشرة من قبل الشعب مثل الطيب البكوش وزير الخارجية السابق، أو محمد الأزهر العكرمي الوزير السابق الذي كان مكلفا بالعلاقات مع مجلس نواب الشعب، أو محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب أو غيرهم.
وبهذا كان سيضمن أن يكون رئيس الحكومة منتخبا. ولكن اختياره وقع على شخصية غير متحزبة ولم تشارك في الانتخابات لا بالإعداد ولا بالنضال ولا بالترشح. والأمر نفسه حدث مع أعضاء الحكومة فبعضهم من المنتخبين في الانتخابات البرلمانية، وبعضهم من غير المترشحين لها ضمن قائمات الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم، وبعضهم الآخر من غير المتحزبين ولا من المشاركين في الانتخابات.
كما أن اختيار شكل الحكومة والأطراف المشاركة فيها كان بإرادة من حزب نداء تونس، ومن رئيسه رئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي الذي لم يتراجع عن اختياراته وظل مدافعا عنها بشدة حتى آخر حوار إعلامي معه الأسبوع قبل الماضي.
هذا يعني أنه إذا كانت هناك أزمة حكم في تونس فهي مسؤولية هذا الحزب ورئيسه.
إنها أزمة خيارات الحزب الفائز في الانتخابات وليست أزمة دستورية، فلماذا هذه الرغبة في تصديرها إلى الدولة والشعب التونسي؟
ثم إنه من الغريب الحديث عن تعديل دستوري، والحال أن الدستور التونسي ما زال خاما ولم يترجم، بعد، إلى قوانين تنفذه وتجريه في الدولة والمجتمع والمؤسسات والهياكل والإدارات. كما أن منظومة الحكم لم تكتمل، بعد، طبقا لمنطوق الدستور في انتظار أن تنظم الانتخابات المحلية والجهوية.

إقرأ أيضا: أزمة نداء تونس والوقت المهدور للبلاد..

فهذه الانتخابات ستغير طبيعة الحكم في اتجـاه تقليص سلطات الدولـة المـركزية، مقابل منح السلطـات الجهوية التي ستُنتخب صلاحيـات الحكم المحلي والجهوي. وهذا يعني أن منظومة الحكم التي صيغت في دستور يناير 2014 لم يتركز إلا نصفها، وهي بذلك تتجه إلى تمكين الجهات من حكم أنفسها ومن تسيير شأنها المحلي والجهوي.
الثابت أن الانتخابات المحلية والجهوية القادمة ستثير تنازعا بين مصطلحي اللامركزية واللامحورية اللذين يتجاذبان السلطة.
فاللامركزية تعني قطع الحبل السري للجهات عن السلطة المركزية، بينما اللامحورية تفيد طبيعة وجود الدولة وممثلي السلطة المركزية داخل الجهة. وهو ما يثير التباسا حول صلاحيات رئيس المجلس الجهوي الذي سيكون منتخبا، وحول صلاحيات المحافظ المعين قبل السلطة المركزية والذي يمثل الدولة.
فهل سيكون المحافظ منسقا بين المجلس الجهوي وبين السلطة المركزية، أم سيكون منفذا لسياسة المجلس الجهوي؟ وماذا لو كان المحافظ من غير الحزب أو الائتلاف الفائز في المحليات والجهويات؛ ألن يكون ذلك عائقا أمام التنمية الجهوية؟
لقد ترك حزب نداء تونس هذه المهام الكبرى المطالب بها من أجل استكمال تفعيل الدستور وتركيز السلطات ضمانا لاستقرار الحكم والدولة، وبدأ يثير مطلب التعديل الدستوري وهو مطلب خطير يهدد استقرار الدولة، ويمس من هيبة الانتخاب، ويثير شك الشعب في مؤسساته وفي من ائتمنهم على حكمه.
اللافت للنظر أن التعديل الدستوري يتعلق بتوسيع صـلاحيـات رئيس الجمهورية على حساب سلطات رئيـس الحكومة، بداعي أن رئيس الجمهـورية انتخبه المواطنون مباشـرة مـن أجل تحقيق آمالهم في التنمية والتقـدم والأمـن والتشغيل والحرية.
ولكن هذا اللبس ليس المواطنون هم المسؤولون عنه، وإنما الحملة الانتخابية للرئيس السبسي التي أوهمت الناس بذلك. فهو سوء فهم مقصود متعمد دفع إليه التونسيون، إذ خاض السبسي الانتخابات الرئاسية بشعارات وبرامج رئيس حزب مترشح لرئاسة الحكومة، وليس باعتباره شخصية وطنية مترشحة لرئاسة الجمهورية، بصلاحياتها المنصوص عليها في الدستور.
فالمطلوب إذن هو تطبيع رئيس الجمهورية وأهوائه مع منطوق الدستور ومقتضياته لا سيما أنه مؤتمن عليه، وليس تطويع الدستور وتعديله تلافيا لسوء الفهم المتعمد ذاك.
ولا يختلف هذا المطلب التعديلي الجديد عن التعديلات التي أجراها الزعيم الحبيب بورقيبة، والرئيس الأسبق زين العابدين بن علي على الدستور لتأبيد الحكم وإقصاء المنافسين.
وللشعب التونسي ذكريات حزينة مع التعديلات الدستورية، حيث لا ينسى التونسيون أن الزعيم بورقيبة نصب نفسه رئيسا مدى الحياة، وانتهى أمره إلى الانقلاب عليه في العام 1987، وأنّ بن علي عدل الدستور قبل انتخابات 2009، وبدأ في حملة الإعداد لتعديل 2014 التي انتهت بالإطاحة به شعبيا. وكان أولى بالرئيس السبسي، وحزبه، أن يتعظا من التاريخ القريب لتونس.
لا بد من الإشارة إلى أن نداء تونس يعي حجم التشظي والانشطار الذي حدث له. وهو مسؤول عن التفويت في الثقة التي منحها إياه الشعب التونسي. والخسارة السياسية التي طالته هو وحده سببها وليس للشعب التونسي دخل فيها.
ولمحاولة التقليل من خسائره يعمل نداء تونس على استثمار صورة السبسي من أجل استعادة ما فقده بفقدان الأغلبية في البرلمان والتأثير في الحكومة. ولكنه في هذه المحاولة يقوم بتصدير لأزمته إلى الشعب التونسي ودولته ومؤسساته.
والأخطر من كل هذا أن نداء تونس لا يعي أو يتجاهل أن الباجي قائد السبسي لن يكون الرابح من تعديل كهذا لو وقع تمريره فعلا.

كاتب وباحث سياسي من تونس/”العرب”

اقرأ أيضا

مهاجرون أفارقة في تونس

“لوفيغارو”.. أكثر من 50 ألف مهاجر إفريقي في “مخيمات العار” بتونس

كشفت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، أن أكثر من 50 ألف مهاجر من جنوب الصحراء الكبرى، يقيمون في مخيمات بشمال مدينة صفاقس التونسية في انتظار العبور إلى أوروبا، ويعيشون مثل الحيوانات في ظلال أشجار الزيتون،

تونس

تونس.. أحزاب المعارضة تتكثل لمواجهة نظام قيس سعيد

تسعى ائتلافات أحزاب المعارضة في تونس إلى توحيد مساراتها وخلق أرضية تحرك مشتركة في مواجهة نظام الرئيس قيس سعيد إثر نجاحه في تجديد عهدته الرئاسية لولاية جديدة في انتخابات الرئاسة في أكتوبر الماضي.

تونس

تونس.. المعارضة تنتقد “الإنجازات الوهمية” لقيس سعيد

تنتقد المعارضة التونسية ما سمته “الإنجازات الوهمية” للرئيس قيس سعيد، على اعتبار أن أغلب الوعود التي قدمها في فترته الرئاسية الأولى لم يتم تحقيقها. ويتواصل الجدل في تونس حول افتتاح “المسبح البلدي” الذي دشنه الرئيس قيس سعيد كأول مشروع في ولايته الرئاسية الجديدة.