كان الاجتماع الذي انعقد نهاية الأسبوع الماضي وبداية الأسبوع الحالي بالحمامات مفصليّا في علاقة عدد من كوادر وقيادات حركة«نداء» بحزبهم، خاصة بعد أن أصدر شق محسن مرزوق الأمين العام السابق للحزب بياناً ينص على ما يلي :«نحن إطارات نداء تونس على المستوى الجهوي والمحلي، والإطارات الشبابية والنسائية وممثلي الخارج، المجتمعين يومي 19 و20 ديسمبر الجاري بالحمامات..إيمانا منا بضرورة مواصلة المشروع الوطني الإصلاحي العصري الذي تأسست عليه حركة نداء تونس، وضرورة التصدي للمسار غير الديمقراطي القائم على التعيينات بالولاءات والمساومات والمماطلة والإقصاء، والذي يستهدف تصفية المبادئ والأهداف التي انبنى عليها المشروع الوطني العصري لحركة نداء تونس، نعلن ما يلي:
1-الانفصال التام عن كل المكونات والهياكل المسؤولة عن الأزمة الحالية وعن إعادة إنتاجها والتنكر لشرعية المسار غير الديمقراطي، وعدم الاعتراف بكل القرارات الصادرة عنها.
2-إطلاق مسار إعادة تأسيس المسار المشروع الوطني الأصلي المتواصل مع الفكر البورقيبي وذلك بمشاركة مباشرة من القواعد والإطارات الملتزمة في الحوار حول مبادئ وأهداف المشروع.
3- تشكيل لجنة وطنية للمتابعة والاتصال وتشكيل لجان جهوية ومحلية مماثلة مفتوحة لكل الطاقات والقدرات الوطنية.
4-تكوين لجان : لجنة قانونية، لجنة سياسية، ولجنة تنظيمية.
5-تنظيم ندوة إطارات يوم 9 يناير2016 للنظر في نتائج أشغال اللجان والمصادقة عليها.
6-عقد اجتماع وطني شعبي للإعلان عن النتائج النهائية لأعمال اللجان يوم 10 يناير2016
7-دعوة كل المعنيين بالمشروع الوطني العصر الإصلاحي في البلاد للانضمام لهذا المسار».
المتابع الدقيق لمسيرة هذا الحزب منذ تأسيسه في سنة 2012، كرهان حقيقي لمؤسسيه من أجل تحقيق التوازن المطلوب في المشهد السياسي التونسي آنذاك عبر تكوين حزب جماهيري قادر أن يخوض الصراع ضد الترويكا الحاكمة بقيادة حركة النهضة الإسلامية التي تسلمت السلطة عقب انتخابات 23أكتوبر 2011، يلمس بوضوح أن هذا الحزب يعاني من غياب المرجعية الفكرية .وبعد نجاح الحزب في الانتخابات التشريعية في 26 أكتوبر 2014، وفوز زعيمه التاريخي في الانتخابات الرئاسية، تفجرت مسألة المرجعية الفكرية و السياسية لحزب «نداء تونس» بين قياداته من الهيئة التأسيسية التي كانت تضم 14 عضواً، فمنهم من أصبح ينادي بأن المدرسة البورقيبية التي تنادي بالحداثة هي المرجعية الفكرية و السياسية للحزب، و منهم من يقول بأن الإسلامي الإصلاحي عبد العزيز الثعالبي مؤسس الحزب الحر الدستوري التونسي في عام 1920 هو المرجعية، في حين أن الكراس الذي يحدد مرجعية الحزب كان قد أشار إلى أن مرجعية الحزب هي الحركة الإصلاحية التونسية منذ الشيخ عبد العزيز الثعالبي.ولعل ذلك يؤكد أن من انخرطوا في التجربة في البدء لم يفكروا يومًا أنهم سيتصارعون على إعادة تحديد مرجعيات الحزب لكن أصبح ذلك من أبرز محاور الصراع اليوم.
إقرأ أيضا: سياسي تونسي: حزب “نداء تونس” انتهى منذ فترة
ما من شك أن محسن مرزوق لعب دوراً محوريًا ضمن النخبة الضيقة في تأسيس «حزب نداء تونس»، وكان أيضاً المدير التنفيذي للحملة الانتخابية للرئيس الباجي قائد السبسي ، فلكل هذه الاعتبارات ، يشكل انفصاله عن «حزب نداء تونس»ضربة كبيرة للحزب الحاكم، الذي التفت حوله التونسيات والتونسيون بمئات الآلاف وتطلعوا بالملايين إلى حزب «نداء تونس» كحزب إنقاذ وطني.. وكحزب حامل لمشروع إصلاحي حداثي في مجابهة مشروع حركة النهضة.
لقد كشفت الأزمة السياسية الأخيرة في «حزب نداء تونس»، أنها ليست أزمة ناجمة عن خلافات أيديولوجية و سياسية أو خلافات في البرامج و الخيارات الاقتصادية ، بقدر ما هي صراعات وحرب مواقع حول «التموقع» المستقبلي سواء للأفراد أو للتيارات التي تشكل هذا الحزب. فالمشكلة الكبرى في أن «حزب نداء تونس»حقق أهدافه المشتركة في الفوزبالانتخابات التشريعية والرئاسية فكان لا بد من التفرغ إلى الأهداف الضيقة والشخصية، والأخطر أنه تخلى عن ثوابته و«روحه» وجانب من حقوقه بالتخلي عن تشكيل حكومة حزبية أو على الأقل ائتلافية والقبول بحكومة تشاركية مع غريم الأمس حركة النهضة.ومع هذه المآسي لم يجد الحزب وقتا ولا شجاعة ولا توافقا لعقد مؤتمره التأسيسي الذي يحل الشرعية الانتخابية محل الشرعية التأسيسية وشرعية الإنجاح فظلت كرة الخلافات تكبر يوما بعد آخر وظلت الوصفات والمسكنات والقرارات أحادية الجانب تزيد في تعميق الجروح والشقوق وتضاعف في حدة الألم حتى كان أفضل الحلول في الانقسام درءا لمزيد من التعفن وإنهاء للتدمير الذاتي بإعلان شق محسن مرزوق « الانفصال التام عن كل المكونات والهياكل المسؤولة عن الأزمة الحالية وعن إعادة إنتاجها» .
ستكون هناك تداعيات كبيرة لهذا الانفجار في رأس «حزب نداء تونس»، لا سيما أن الموجات الارتدادية ستصيب هياكله الجهوية و المناطقية ، خصوصاً إذا شكل شق محسن مرزوق حزباً جديداً، أو في حال انشقت مجموعات أخرى و شكلت حزباً ثالثًا. كما أن شظايا هذا الانفجار الذي حصل ستكون له تداعيات على صعيد عمل مؤسسات الدولة في ظل تجربة ديمقراطية هشة، وعلى اختلال التوازن بين الحزبين الكبيرين في تونس ،وعلى الاستحقاقات الانتخابية البلدية القادمة ، التي من دون شك ستكون سلبية، لجهة زيادة عزوف الناس وخاصة الشباب عن النشاط الحزبي و السياسي بشكل عام ، و الذهاب إلى صناديق الاقتراع، بسبب انعدام الثقة بينهم وبين الأحزاب السياسية. فمن تداعيات هذا الانفجار ،سيناريو حدوث الانقسام في كتلته البرلمانية (86نائباً). فإذا ما انقسم الحزب إلى قسمين ، أصبحت الكتلة الممثلة له أقل عددا من الكتلة الثانية (حركة النهضة 69 نائبا ) ، وسيشهد المشهد البرلماني آنذاك انقلابًا جذريًا.
*كاتب وباحث تونسي/”بوابة الشروق”