بدأ الخبر صغيرا، ثم كبر تدريجيا،مثل كرة الثلج، ليصبح حاليا هو الشغل الشاغل لمختلف الفئات الاجتماعية، خاصة وأن الموضوع يتعلق بمستقبل أبنائها، يتعلق الأمر هنا تحديدا بمقترح لعبد الإله بنكيران، كان قد تقدم به في عهد الحكومة المنتهية ولايتها، إلى المجلس الأعلى للتربية والتعليم والتكوين، بهدف إلغاء مجانية التعليم العمومي.
والواقع أن تفاعل الناس في المغرب مع هذا الخبر اتسم بالغضب من تفكير المجلس الأعلى للتربية والتعليم والتكوين، خلال دورته الأخيرة في الرباط، في فرض رسومات مالية على الآباء وأولياء الأمور، عند كل موسم دراسي جديد، إذا أرادوا لأبنائهم مواصلة تعليمهم في القطاع العمومي.
الآن، لاحديث في كل مجلس عائلي، أو لقاء بين الأصدقاء، إلا عن هذا المقترح، الذي يمكن أن يشكل مستقبلا، في حالة تطبيقه،عائقا أمام أبناء الطبقات الشعبية المعوزة، في الاستمرار في الجلوس على مقاعد الدراسة، رغم أن المجلس المذكور تحدث عن إمكانية إعفائها من دفع الرسوم المالية.
للمزيد من التفاصيل:هل يسير التعليم العمومي في المغرب نحو إلغاء المجانية؟
لكن الخوف يسكن النفوس، نظرا لعدم وجود معايير واضحة، تتسم بالنزاهة والشفافية، في تحديد المستوى الاقتصادي والاجتماعي للعائلة المعوزة والفقيرة، التي تلوذ بقطاع التعليم العمومي لهشاشة وضعها،ومحدودية إمكانياتها المادية.
ولذلك، كان من الطبيعي أن يثير التوجه نحو إلغاء مجانية التعليم في القطاع العمومي، جدلا متصاعدا في مختلف الأوساط،خاصة منها مكونات المجتمع المدني، التي رأت فيه ضربا لحق من الحقوق المكتسبة،التي ينص عليها الدستور، وبالضبط في الفصل 31 منه.
المكتب الوطني للجمعية المغربية لحقوق التلميذ، مثلا، سارع أمس الأحد، إلى التنديد بالقرار، مبينا انعكاساته السلبية على واقع التمدرس في المغرب، لكونه قد يؤدي إلى مزيد من الهدر،ويمس ب”مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم”.
وبأسلوب لايخلو من استنكار،نددت الجمعية المذكورة بما وصفته ب”النهب وغياب المراقبة والمحاسبة والحكامة الجيدة،وسوء التدبير المالي العمومي والرواتب والامتيازات والتعويضات الضخمة لكبار المسؤولين”.
وفي رأي أعضاء مكتب الجمعية المغربية لحقوق التلميذ، فإن “تمويل التعليم، كحق ورهان مجتمعي، لو توفرت الإرادة السياسية الحقيقة للإصلاح، يقتضي الرفع من ميزانيته في المالية العامة عوض تمويله من جيوب أسر التلاميذ الفقيرة والمتوسطة..”
ولم يعد التنديد بمقترح إلغاء مجانية التعليم العمومي، منحصرا فقط في مكاتب الجمعيات ،وأوساط الفئات المستهدفة بهذا القرار، بل إنه قد يصبح قضية مجتمع ورأي عام، ولعل من بين تجلياته ماتنشره الصحافة بمختلف منابرها على أعمدتها، وما يقوم به رواد مواقع التواصل الاجتماعي من حملة، تحت شعار:”#متقيسش_مجانية_التعليم”.
ومن بين المفارقات المسجلة في هذا السياق، ان تكون نقابة مقربة من عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، هي الجامعة الوطنية لموظفي التعليم، المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، قد اعتبرت تفعيل مقترح “مجانية التعليم خطا أحمر لا يمكن التنازل عنه أو التفاوض بصدده”، رغم أنها تدرك أن بنكيران نفسه هو الذي يقف وراء القرار، ألا يشكل ذلك في نظرها قمة في التناقض؟
في كل الأحوال،فإن المسألة مرشحة لمزيد من التفاعل في القادم من الأيام، ما لم يتم تدارك الأمر بصيغة تضمن استمرارية مبدأ المجانية في التمدرس في التعليم العمومي، الذي لايقصده في الغالب سوى أبناء الطبقات المعوزة.
إقرأ ايضا:مجلس عزيمان يؤشر على إلغاء مجانية التعليم في السلكين الثانوي والعالي