كعادته دائما في مخاطبة شعبه بلغة الصراحة والوضوح والمكاشفة، انطلاقا من منصة البرلمان، اختار الملك محمد السادس لدى افتتاحه أمس الجمعة الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، إلقاء كلمة حول انشغالات المواطنين في علاقتهم بالمرفق العمومي، تعتبر بمثابة خطة طريق لإصلاح أعطاب الإدارة.
لقد جاء هذا الخطاب الملكي المتسم بشموليته في التطرق إلى مختلف جوانب إشكالية التعامل مع الإدارة، ليثير قضية من الأهمية بمكان، طالما كانت موضع شكايات من طرف المواطنين، الذين تتضرر مصالحهم بسبب ما يعتري المنظومة الإدارية في المغرب من أمراض تنخر هيكلها منذ سنوات، دون أن تلوح في الأفق أية بادرة لإصلاح جذري لأدائها، رغم كل توصيات المناظرات والتعليمات التي أعطيت لتقويم مسارها، والدفع به في الاتجاه الصحيح، الذي يضع المرفق العمومي في خدمة المترددين عليه يوميا من أبناء الشعب.
وكم كان خطابا الملك أمام ممثلي الأمة، بليغا وفي الصميم، وهو يعبر عن اعتزازه بالتعامل المباشر مع أبناء شعبه، وقضاء حاجاتهم البسيطة، مؤكدا أنه سيظل دائما في خدمتهم، حيث استدرك قائلا: “ولكن هل سيطلب مني المواطنون التدخل لو قامت الإدارة بواجبها؟”.
هذا هو بيت القصيد، كما يقال، ذلك أن المواطنين، وبعد أن ينتابهم اليأس من الإدارة التي تستهلك أعصابهم وأوقاتهم، دون التجاوب العملي معهم، ومعالجة ملفاتهم، بالفعالية اللازمة، يلجأوون إلى الملك “لأن الأبواب اُغلقت في وجوههم”.
ولا شك أن الكثيرين يتذكرون أن هذه ليست هي أول مرة، يتحدث فيها عاهل البلاد حول علاقة الإدارة المغربية مع المواطنين، وضرورة الارتقاء بها، إلى مستوى الطموح المنشود، الذي يدفع بالبلاد قدما في مدارج النمو الاقتصادي والاجتماعي.
ففي خطاب ألقاه يوم 12 أكتوبر 1999 دعا الملك إلى مفهوم جديد للسلطة، ينبني على أسس ومقاربات تعتمد أساسا على أسلوب القرب من المواطنين، يبدو جليا أنه يرتكز على تشخيص دقيق لمعطيات مستقاة من الواقع، يستوجب الأمر تغييرها لجعل الإدارة أداة حقيقية في خدمة الشعب، بعد تطهيرها من كل الشوائب التي تعرقل سيرها.
وقد كان الخطاب الملكي أمس أمام البرلمان، فرصة جديدة، ذكر فيها الملك، بأنه أكد أكثر من مرة ، على ضرورة حل المشاكل ، ومعالجة الملفات في عين المكان. كما أعطى تعليماته للحكومة، ووجهها لاتخاذ الإجراءات الإدارية بهذا الخصوص. ليتساءل :”فما جدوى الرسالة التي وجهتها إلى الوزير الأول منذ 2002 وما فائدة الجهوية واللامركزية واللاتمركز ، إذا استمر الوضع القديم واستمرت المشاكل السابقة؟” .
والخطاب الملكي لم يشخص النقائص والثغرات التي تعاني منها الإدارة، مثل التضخم، والضعف في الأداء، و”قلة الكفاءة”، و”غياب روح المسؤولية”، فقط بل طرح تصورات ومقاربات عملية قصد إصلاح الإدارة و”تغيير السلوكات والعقليات ، وجودة التشريعات ، من أجل مرفق إداري عمومي فعال ، في خدمة المواطن”.
والأمل، كل الأمل، وبما أن المغرب في مرحلة دقيقة من تاريخه السياسي وبنائه الديمقراطي، هو أن يكون ورش إصلاح الإدارة في مقدمة اهتمامات وانشغالات الحكومة المقبلة، لتحويل خطة الطريق الواردة بين ثنايا سطور الخطاب الملكي إلى واقع ملموس، يقطف المواطنون ثماره المرغوبة ونتائجة المطلوبة.