الرئيسية / المغرب الكبير / مجلة “تايم” تكتب عن الأمل الضائع في تونس (2)
الأمل الضائع
شبان تونسيون يحتجون على البطالة خلال الاضطرابات الاجتماعية في يناير الماضي

مجلة “تايم” تكتب عن الأمل الضائع في تونس (2)

في الجزء الثاني من مقال مطول عن تونس، تابعت مجلة “تايم” الأمريكية سرد مظاهر الأمل الضائع في تونس خاصة بين صفوف الشباب الذي يجد نفسه، بسبب البطالة وانسداد الأفق، وهو يضحي بنفسه من خلال إضرام النار في الذات، ما يفضي إلى الموت أو التشوه، أو التحول إلى آلة قتل في يد الجماعات المتطرفة.

شباب في أحضان “داعش”

عرضت مجلة “تايم” الأمريكية لحالة أم سيف الدين الدين الرزقي، منفذ هجوم سوسة الإرهابي. على هاتف إبنتها المحمول، كانت الأم المكلومة تشاهد شريط فيديو لابنها وهو يرقص “البريك دانس” قبل سنتين بعرس بعض الأقارب، وحوله تحلق الحضور وهو يقوم بحركاته الراقصة.

سنة بعد ذلك، وبالضبط في 26 يونيو 2015، تعرف العالم كله على سيف الدين رزقي من خلال صوره وهو على شاطئ مدينة سوسة حاملا رشاشا بعد أن أزهق أرواح 38 شخصا في هجوم إرهابي أعلن تنظيم “داعش” عن مسؤوليته عنه.

في أعقاب الهجوم دعا الرئيس التونسي إلى الحرب على الإرهاب وأعلنت الدولة عن حالة الطوارئ في البلاد، والتي تجددت بعد الهجوم الذي طال حافلة للأمن الرئاسي وأودى بحياة 12 عنصرا من الحرس.

الهجمات الإرهابية تسببت في تراجع السياحة، التي تساهم بنسبة 8 بالمئة في الناتج الداخلي الإجمالي، بشكل كبير حيث نزل عدد السياح الوافدين إلى مستويات قياسية منذ عقود.

سيف الدين الرزقي، الذي قالت المجلة إنه كان طالب هندسة كهربائية لامع، تبنى الفكر المتشدد حسب ما يقوله أصدقاءه بعدما فشل في إيجاد الحب والعمل الذي يبحث عنه في “بلد الفقر فيه هو أشبه بحكم بالإعدام”.

ما يقال عن كون تجربة تونس أفضل من باقي دول “الربيع العربي” يتعارض مع حقيقة مفادها أن أزيد من 6 آلاف تونسي سافروا إلى العراق وسوريا للقتال، أي أكبر من الأعداد القادمة من أي بلد آخر في العالم.

محمد إقبال، وهو شاب تونسي يعمل في مجال الاتصالات أسس جمعية لمساعدة أهالي الشباب الذي رحلوا للقتال في سوريا، يؤكد أنه من الصعب وقف موجة التشدد هاته التي تدفع الشباب التونسي للرحيل خارج البلاد للالتحاق بالجماعات المسلحة.

إقبال عاش تجربة شخصية عام 2013 من خلال سفر شقيقه الأصغر إلى سوريا للانضمام إلى “داعش”، قبل أن يقرر العودة بعد بضعة أسابيع. الشاب التونسي يؤكد أنه لا يمر يوم دون أن يتلقى اتصالا من عائلة تريد لابنها أن يعود إليها، مضيفا أنه يتفهم دوافع اليأس التي تقود هؤلاء الشبان للرحيل، “لو كنت أصغر بعشر سنوات لربما كنت بدوري ذهبت إلى سوري”، يقول إقبال.

“تايم” ذكرت بكون التعليم الديني تم تهميشه في تونس في عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، واللذين حكما على مدى 54 عاما، في ممارسة علمانية مفروضة مصحوبة بنظام مراقبة أمنية مشددة للمساجد. بعد سقوط نظام بنعلي، كان من السهل على الخطباء المتشددين ملء الفراغ واستقطاب الشباب.

في ظل هذا المناخ تم استقطاب سيف الدين الرزقي الذي كان يدرس بكلية تقنية بالقيروان، المدينة ذات المكان الدينية في تونس والتي تحولت إلى معقل للتيار السلفي.

أبناء اليأس

بعد معرفته بخبر الهجوم على سوس، قال حسيني قلعية، بوعزيزي ولاية القصرين، إنه أحس نوعا ما بأنه “فتح الباب أمام أشخاص مثل سيف الدين..قبل خمس سنوات، كنا لنلتقي ربما في ساحة واحدة ونحن نحتج على بن علي. أنظر إلى حالنا الآن”.

ويستطرد قلعية إنه والرزقي انجرا إلى الموت وهما يصرخان بهدف أكبر منهما، وأن كلا منهما حاول بطريقته من بلد خيب أملهما إلى مكان آخر يجدان فيه السلام.

وفي حين تتردد والدة حسيني، زينة، في مقارنة ابنها بسيف الدين الرزقي، إلا أنها تقر أن كليهما “ضحايا الدولة”، قائلة، “كلاكما من أبناء اليأس”.

بمسقط رأس سيف الدين الرزقي، بقعفور بولاية سليانة، بأحد المقاهي يجلس العديد من الشباب يقتلون الوقت. “المقاهي تحولت إلى أشبه بغرف انتظار لعاطلي تونس”، تقول مجلة “تايم”، مضيفة أنه ببلدات مثل قعفور، تفتقد للبنيات التحية والفضاءات العامة، “هناك القليل مما يمكن القيام به”.

بالقصرين يمر حسيني قليعة بالمكان الذي أضرم فيه النار في جسده قبل خمس سنوات. عدد من الشبان كان يرسمون “الغرافيتي” فإذا به يضعون رذاذات الطلاء جانبا لإلقاء التحية على “الرجل الذي أخرج بن علي” من تونس كما يقول أحد الشبان.

حسيني يرى بالمقابل الأمور بمنظار مختلف، “لست متأكدا من أنني حقا هذا الشخص. سأترك التاريخ يحدد ما إذا كنت حقا ثوريا”، يقول قبل أن يكمل طريقه نحو منزل والدته مارا بالمكان الذي أضرم فيه شقيقه صابر النار في نفسه. في الطريق يثبت حسيني طاقيته لكي يخفي رأسه التي ما تزال آثار الحروق بادية عليه، قبل أن يغير الطريق بعد أن رفع أطفال صغار أنظارهم تجاهه.

للمزيد: مجلة “تايم” تكتب عن الأمل الضائع في تونس ما بعد الثورة (1)