أزمة صحية
مع ازدياد أنباء تدهور صحة رئيس الجزائر، بدأت الصراعات السياسية، التي كانت خفية في الظهور على العلن، في إشارة قوية لأزمة سياسية مرتقبة.
ويعاني بوتفليقة منذ إعادة انتخابه رئيسا للبلاد في ولاية رابعة من أزمة صحية بالغة؛ جعلته يذهب للانتخابات في الجزائر على كرسي متحرك، علاوة على قضائه أشهر عديدة للعلاج في فرنسا، وانتشرت أنباء عن وفاته حينها.
وتعد حالة بوتفليقة الصحية متدهورة، وهو لا يظهر علنا إلا في ما ندر، فيما تثير رحلاته المفترضة والحقيقية إلى أوروبا لغرض العلاج، وكانت آخرها رحلة الى مدينة جرنوبل الفرنسية في مطلع ديسمبر الجاري، والتي دارت حولها كثير من الشائعات أيضا، خاصة وأن تصريحات السلطة وبياناتها المطمئنة حول صحة الرئيس باتت لا تقنع الشعب الجزائري، بل باتت مثار سخرية من تأكيد السلطة على قيام الرئيس مهامه بشكل طبيعي.
وبدأت الصراعات السياسية في الظهور خلال الحملة الانتخابية في 2014، أي داخل المؤسسة الحاكمة للبلاد، وبين الجماعات المتحالفة معها؛ خاصة وأن كل مجموعة تسعى لأن يكون لها مكانا في رأس السلطة في الجزائر بعد رحيل بوتفليقة.
صراع في العلن
ظهرت تلك الصراعات في العلن بصورة جلية، بعد اعتقال عدد من العسكريين وإصدار أحكام بحقهم، علاوة على إقرار تعديلات في الأجهزة الأمنية والمخابرات.
ومست تلك الصراعات المؤسسة العسكرية، التي تقع في قلب الحياة السياسية في الجزائر منذ 1962، حيث أحيل خلال الاشهر الماضية عشرات الضباط من جهاز المخابرات والأمن الى التقاعد، أو جردوا من مهامهم، كما أحيل في سبتمبر الماضي إلى التقاعد الجنرال “محمد مدين”، المسمى “الجنرال توفيق”، رئيس جهاز المخابرات لمدة خمسة وعشرين عاما.
ووصفت صحف جزائرية إعفاء الجنرال توفيق من مناصبه بأنه ظاهرة سياسية مهمة ينبغي الوقوف أمامها كثيرا؛ لتجسيد طبيعة الصراع الدائر في الجزائر حاليا.
ويعد الجنرال توفيق أكثر الشخصيات غموضا في الجزائر، فهو لم يشاهد له أحد غير صور قليلة على مدى سنوات عمله، ولكنه خرج عن صمته قبل أيام ماضية، مدافعا عن مساعده الجنرال حسن، المسؤول السابق عن مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات، والذي صدر بحقه حكم بالسجن لخمس سنوات بتهمة التمرد وإتلاف وثائق هامة، وهو دليل آخر على طبيعة الصراع الدائر في الجزائر.
كما أنه ظهرت أيضا تلك الصراعات في تبادل التصريحات السياسية النارية بين تلك النخب، فيما يخص الاتفاق على مشروع الميزانية؛ حتى أن تلك الصراعات انتقلت إلى صفحات الجرائد ووسائل الإعلام الجزائرية.
بلد بلا رئيس
وقالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن “الجزائر حاليا بلد بلا رئيس، وهذا يفتح المجال على وسعه للصراع السياسي بين النخب، التي ترغب في حكم الجزائر، خاصة وأن عدد منهم يحاولون كسر قوانين اللعبة التقليدية التي سارت عليها الجزائر طوال العقود الماضية”.
وقالت الصحيفة الفرنسية إن “عدم وجود الرئيس وقيامه بمهامه، يفتح الباب أمام الصراعات السياسية، ولكن دور الجيش ومن سيقف معه سيحسم الأمر بطبيعة الحال”.
طبيعة الصراع
وترجع طبيعة الصراع الدائر، إلى أن هناك جناحين رئيسين يسعيان للسيطرة على حكم الجزائر، أولهما جناح الرئيس وأقاربه، وخاصة شقيقه “سعيد”، خاصة وأن الرئيس بوتفليقة ليس له أي أبناء.
أما الجناح الثاني، الذي يرغب في السيطرة على حكم الجزائر يقوده رئيس أركان الجيش، الجنرال “أحمد قايد صالح”، والذي تحالف مع عدد من رجال الأعمال وقادة جهاز المخابرات.
ويبدأ من هنا صراع تكسير العظام بين الجهازين، الذي يسعى كل منهما للسيطرة على مفاصل الدولة، قبل إعلان وفاة بوتفليقة.
تقليم أظافر
ويبدو أن الجناح الأول يسعى بكل قوة إلى السيطرة سريعا على مفاصل الدولة، حيث وقعت 9 شخصيات معروفة بقربها من رئيس الجزائر، رسالة في نوفمبر الماضي أدانت فيها “تدهور الجو العام”، متهمة جهات متعددة بمحاولة نزع سيطرة صنع القرار من يد الرئيس.
ورد رئيس الوزراء “عبد المالك سلال” على تلك الرسالة في تصريحات لصحيفة “لوموند” الفرنسية: “هذا ليس حدثا ليتم الرد عليه، من هؤلاء أصلا لنرد عليهم”، وهو ما يظهر كيف أن أركان الدولة منفصلة من بعضها البعض، وكل يسير في اتجاه متقاطع مع الآخر.
نخبة جديدة
ولكن ظهرت أيضا نخبة جديدة على السطح في الجزائر خلال الفترة الأخيرة، وتسعى لفرض سيطرتها وكلمتها في مستقبل البلاد، ألا وهي “رجال الأعمال”.
وتتهم وسائل إعلامية عديدة تلك النخبة بأنها منقسمة ما بين مؤيد لجناح شقيق الرئيس أو جناح رئيس الأركان، وتجري لتحقيق مصالحها الشخصية مع أي منهما؛ ما يجعل تأثيرها قويا، خاصة وأنها تسيطر على وسائل إعلام عديدة قادرة على حشد التأييد لمن يحصل على دعمها.
إقرأ أيضا: مقري: أجنحة السلطة تتصارع حول فترة ما بعد بوتفليقة