استحضر سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، مسار رفيقه المرحوم عبد الله بها، في الذكرى الأولى لوفاته،بعد أن دهسه القطار، في مثل هذا اليوم من العام الماضي، على مقربة من مدينة بوزنيقة، حين كان بصدد تفقد المكان الذي لقي فيه أحمد الزايدي، القيادي الاتحادي، حتفه غرقا بسيارته.
“مهندس زراعي وسياسي إسلامي مغربي من مواليد جماعة الأخصاص في قبيلة تسمى ”إيد شاعود” وتبعد ببضع كيلومترات عن بلدية الأخصاص، بإفران الأطلس الصغير (إقليم كلميم) سنة 1954”.
بهذه الكلمات استهل العثماني مقاله المطول المنشور في موقع حزبه، قبل أن يسرد بقية تفاصيل المسار الدراسي والمهني والسياسي لرفيقه عبد الله بها، الذي تخرج فيما بعد من معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، حيث حصل على دبلوم مهندس تطبيق التكنولوجيا الغذائية، وشغل منصب مهندس باحث بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بالرباط سنة 1979.
المصدر ذاته، أضاف أن عبد الله بها عرف بجهوده في الدفاع عن الثقافة الإسلامية منذ المرحلة الثانوية صحبة الدكتور سعد الدين العثماني، “وقد استفاد من والد هذا الأخير الفقيه امحمد العثماني ومن مكتبته طيلة تلك الفترة، كما صرح بذلك في عدد من حواراته”.
تعرف على أعضاء جماعة الدعوة والتبليغ صحبة سعد الدين العثماني وحضر دروسهم ومجالسهم، وشارك في خرجاتهم الدعوية. ولما انتقل إلى الرباط التقى عبد الإله بنكيران ليلتحق بحركة الشبيبة الإسلامية سنة 1978.
وانطلاقا من هذا التاريخ، تواصلت علاقة عبد الله بها بعبد الإله بنكيران، إلى حين دخول الحزب الحكومة، لدرجة أن الصحافة كانت تطلق عليه لقب ” العلبة السوداء”، نظرا لقربه الشديد منه، إضافة إلى لقب آخر، هو ” الحكيم”، نظرا لما كان يتصف به من رزانة وهدوء وبعد نظر.
العثماني كشف أيضا عن الوجه الإعلامي لعبد الله بها، الذي كان له نشاط في المجال الإعلامي، فشغل مهمة رئيس التحرير بكل من جريدتي “الإصلاح” و”الراية” المغربيتين، ونائب مدير النشر ليومية “التجديد” المغربية، وكلها جرائد صدرت عن حركة “الإصلاح والتجديد” ثم عن حركة “التوحيد والإصلاح”.
عرف عن عبد الله بها، وفق مقال العثماني، “حضوره في مختلف المحطات المفصلية في تاريخ الحركة الإسلامية المغربية. فقد أسهم الراحل في مراحل التجديد والتطوير الذين قامت بهما الحركة الإسلامية، ومنها حركة التوحيد والإصلاح. وبدأت بالمراجعات في بداية العقد الثامن من القرن العشرين، حيث شملت أولا النظرة إلى وظيفة الحركة الإسلامية ككل، ثانيا علاقة الحركة الإسلامية بالمجتمع، ثالثا علاقة الحركة الإسلامية بالنظام السياسي، رابعا وسائل وطرق اشتغال الحركة الإسلامية.”
وكان لعبد الله بها إسهامات في كل واحد من هذه المحاور، يضيف العثماني، قبل أن يستدرك قائلا، إن الجانب الذي أسهم فيه أكثر هو علاقة الحركة الإسلامية بالمجتمع من حيث الخروج من العزلة وربط الجسور وإعلاء القواسم المشتركة مع مختلف التيارات السياسية والمجتمعية والحساسيات الفكرية، مما يعني التركيز على المشترك والعمل على التخفيف من الخصوصي والمختلف فيه. ولذلك كان عبد الله بها حاضرا في مختلف المحطات والوفود واللجان التي كانت تعمل على ربط الجسور وفتح قنوات الحوار وتبادل الرأي مع الفصائل الأخرى للحركة الإسلامية والحركة الأمازيغية و الحركة اليسارية وغيرها.
المستوى الثاني الذي أسهم فيه عبد الله بها، يوضح العثماني، “هو في تطوير وظيفة الحركة الإسلامية نفسها. فقد أسهم مع إخوانه في الإقناع بالتخلي عن كل أشكال السرية والعنف والتطرف والاصطدام مع الآخر، وتبني الخيار السلمي الحضاري. والتركيز على العمل الثقافي والإعلامي والاجتماعي. وكان ينشر مقالات في جريدة الإصلاح ما بين 1987 و1989 بعنوان “سبيل الإصلاح”، ركز فيها على المفاهيم التي تبني عليها حركة الإصلاح والتجديد عملها من مثل “أولوية إصلاح المجتمع قبل الدولة”، وكون الجماعة الدعوية “جماعة من المسلمين وليست جماعة المسلمين” وغيرهما. وجمع تلك الحلقات في مؤلفه “سبيل الإصلاح”.
المستوى الثالث من المراجعات الذي أسهم فيه عبد الله بها “يرتبط بمستوى العلاقة مع النظام السياسي، من حيث الخروج من فكر المحنة والصراع الدي كانت تعاني منه مختلف الحركات السياسية المغربية آنذاك بما فيها اليسار، تأثرا بما يسمى سنوات الرصاص، التي لم تؤثر فقط على اليسار بل حتى على الإسلاميين. كما كان لفكر المحنة لدى الحركة الإسلامية المشرقية دور في هذا المجال.”
ونظرا لما كان يتصف به من جنوح للسلم والحوار والتفاهم، فقد سعى عبد الله بها رفقة زملائه في قيادة “حركة الإصلاح والتجديد” إلى القطع مع الفكر الصدامي والانقلابي، وهو ما تم مبكرا في مرحلة الشباب بالنسبة لكلا الفصيلين الذين اندمجا من بعد في حركة التوحيد والإصلاح، والإصرار على العمل في ظل المشروعية القانونية والدستورية للبلاد، وتطوير نظرات سياسية تمتاح من جهة من مبادئ وتوجهات الفكر السياسي الإسلامي، ومن جهة أخرى تمتاح من المفاهيم الحديثة.
أما نشاطه السياسي، فقد بدأ منذ انخرط قيادات وأعضاء من حركة التوحيد والإصلاح في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية برئاسة الدكتور عبد الكريم الخطيب، وهو الحزب الذي سيصبح بعد ذلك حزب العدالة والتنمية. فكان عضوا في الأمانة العامة (قيادة الحزب) منذ 1996 إلى تاريخ وفاته، وشغل في مسيرته السياسية عددا من المهام والمسؤوليات. فتحمل مسؤولية نائب رئيس المجلس الوطني للحزب (الأستاذ بن عبد الله الوكوتي) منذ سنة 1999 إلى غاية سنة 2004، والدكتور عبد الكريم الخطيب أمين عام للحزب آنذاك. ثم تولى مسؤولية نائب الأمين العام للحزب منذ سنة 2004 إلى ما بعد 2012 في ولاية كل من الدكتور سعد الدين العثماني (ولاية واحدة لأربع سنوات) و عبد الإله بنكيران (ولايتين). كما اصبح نائبا برلمانيا عن دائرة الرباط شالة لولايتين تشريعيتين بين سنتي 2002 و2011. تولى خلالها رئاسة فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب بين 2003 و2006، و رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب ما بين2002 و2003، ونائب رئيس مجلس النواب سنة 2007. ثم عين وزير دولة في الحكومة المغربية التي تم تنصيبها برآسة عبد الاله بنكيران، وهو المنصب الذي شغله عبد الله باها إلى غاية يوم الأحد 7 دجنبر 2014، حيث حملت الأخبار نبأ مصرعه المفجع على سكة الحديد، في مساء بارد.
ولقد تركت وفاته حزنا بليغا في نفوس الجميع. وتبعا لما انتهت إليه نتائج التشريح الطبي والخبرة الجينية، وكشف المكالمات الهاتفية، فإن الوفاة كانت ناتجة عن حادث قطار، ولهذه الأسباب تقرر حفظ المسطرة.
وارتباطا بذكرى وفاة ” الحكيم”، تردد في بعض الصحف الصادرة اليوم الاثنين، أن حزبه سوف يكتفي بزيارة قبره، انسجاما مع رأي صديقه عبد الإله بنكيران، الأمين العام ل” العدالة والتنمية”، الذي نسب إليه سابقا تصريح قال فيه، إنه لا يجب إضفاء صفة القدسية على شخص بها، فيما راجت أخبار مفادها أن الدولة تركت راتب بها كوزير لأسرته.
للمزيد:خوفا من التأويلات.. العدالة والتنمية يمتنع عن إحياء ذكرى رحيل بها