علي بن حاج يدعو إلى إشراك النظام الجزائري في التغيير

فوجئ الوسط السياسي الجزائري والجمهور العريض في البلاد بالدعوة التي أعلن عنها الرجل القيادي الثاني المتشدد والأكثر شعبية وراديكالية في حزب جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة من العمل السياسي منذ شهر مارس عام 1992 علي بن حاج لإشراك النظام الجزائري في التغيير بقصد تفادي حرب جديدة، علما أن نمط التغيير الذي تدعو إليه المعارضة يرمي في الأساس إلى إخراج النظام الحاكم من المشهد السياسي أولا، وفتح أبواب التحول العميق ثانيا من أجل إحداث تحول راديكالي في المنظومة السياسية الجزائرية وإنهاء سنوات احتكار شلة معروفة لسدة السلطة.
لاحظ عدة ملاحظين سياسيين في الجزائر أن دعوة الرجل الذي يمثل رقما صعبا في المعادلة السياسية الجزائرية لهذا النوع من الأسلوب لتحقيق التغيير أمر غير معقول من الناحية العملية، ومستحيل حتى من الناحية النظرية، وأنه يتميز بكونه مجرد تكتيك مثير للضحك لأن المشكل الجوهري الكبير، الذي تعاني منه الحياة السياسية الجزائرية منذ عقود كثيرة لم ينزل من كوكب زحل وإنما هو من خلق هذا النظام المتشبث بالحكم بكل صلافة وتجبر، والذي يريد بن حاج إشراكه في التغيير في عرس رومانسي غريب وغير مسبوق.
هناك طبعا من يفسر دعوة بن حاج على أنها ليست موجهة إلى الصقور داخل الأجهزة السياسية للنظام الجزائري وإنما هي موجهة بشكل موارب إلى الإطارات المتنفذة في صفوف الجيش والأمن، أسوة بما دعا إليه، ولا يزال، رئيس وزراء الجزائر السابق مولود حمروش الذي ردَد مرارا بأنه لا يتصور حدوث أي تغيير حقيقي في البنية القاعدية للنظام الحاكم دون مشاركة الجيش والأمن. وهناك أيضا من يفسر هذه الدعوة بأن القيادي بن حاج الذي رفع في يوم من الأيام شعار “لابد من أكل دبابات النظام لكي يرحل” أصبح يدرك أن التغيير الحاسم بالقوة صعب في المدى المنظور، وأن المعارضة بكل أطيافها لا تملك قاعدة جماهيرية حقيقية يعول عليها أن تكون وقود ثورة شعبية عارمة لفرض الواقع على النظام الحاكم ثانيا.
ويبدو واضحا أن زعماء جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة وفي طليعتهم علي بن حاج يعوَلون على المبادرة التي يتزعمها حزب القوى الاشتراكية (الأفافاس) الذي أسسه الزعيم التاريخي آيت أحمد الحسين المتوقف عن ممارسة السياسة بعد تنازله عن قيادة حزبه وتسليم المشعل للوجوه السياسية الشابة. وفي هذا السياق أدلى علي بن حاج بتصريح للصحافة الجزائرية هذا الأسبوع وأبرز فيه “تبنيه مقترح إشراك السلطة في التغيير، لأن الحل السلس الذي نبحث عنه للأزمة السياسية، يستدعي مسايرة الواقع”.
في الواقع إن خطاب “إشراك السلطة” في الحوار من أجل إصلاح الوضع السياسي وإيجاد مخرج من الأزمة إثر إلغاء المرحلة الثانية ونتائج المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية التعددية التي فازت بها جبهة الإنقاذ الإسلامية في عام 1991 ليس جديدا، بل إن بدايات ظهوره إلى العلن تعود إلى لقاء روما الذي جمع بين قيادات جبهة الإنقاذ وحزب القوى الاشتراكية وشخص السياسي والدبلوماسي الجزائري الراحل عبدالحميد مهري وغيره من الشخصيات الجزائرية من أجل حقن الدماء وإطفاء نار الفتنة.
إن هذا النمط من الخطاب لم تقبله السلطة الحاكمة في ذلك العهد بل أصرت على أن جبهة الإنقاذ ملغاة وأنها “شيء من الماضي” ولن تعود إلى المسرح السياسي، والسلطة نفسها تواصل الآن رفضها المطلق لعودة هذا الحزب المحظور إلى الممارسة السياسية، وأكد هذا الموقف في هذا الأسبوع وزير يحمل حقيبة وزارة سيادية في الحكومة كما أكده قبله مرارا الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
من الواضح أن القيادي بن حاج يواجه أزمة اندلعت في حزبه بين أحد رموز الجناح العسكري لجبهة الإنقاذ الإسلامية وهو أمير الجيش الإسلامي مدني مرزاق، وبين قيادي في جبهة الإنقاذ الإسلامية وهو علي جدي الذي يعتبر أحد القادة الأساسيين داخل صفوف هذه الجبهة.
فالأمير السابق للجيش الإسلامي أعلن أنه كان الرجل الذي أبعد جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية عن الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، ويعني هذا أنه يتهم ضمنيا الجناح السياسي لجبهة الإنقاذ بأنه كانت له ميول إرهابية. التقرير الذي نشرته جريدة الشروق اليومي الأحد الماضي نقل التصريح الذي خص به جريدته أمير الجيش الإسلامي السابق في سياق هجومه على القيادي علي جدي، وأكد فيه أن جعبته لم تفرغ بعد وأنه يملك أسرارا خطرة يمكن له أن يكشف عنها في الوقت المناسب. هذا التصريح يمثل تحذيرا لقيادات جبهة الإنقاذ المعتدلين الذين يبحثون عن أسلوب جديد يمكنهم من العودة إلى المسرح السياسي عن طريق ركوب سفينة فصيل من المعارضة يتمسك بالحل السلمي للأزمة السياسية الجزائرية المتفاقمة، خاصة بعد مرض الرئيس بوتفليقة.
في ظل هذا الوضع أعلن محسن عباس رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، المحسوب على المنطقة الأمازيغية، رفض حزبه المشاركة في الندوة الوطنية التي يعمل حزب القوى الاشتراكية (الأفافاس) المرتبط بعدد معتبر من أقطاب المعارضة السياسية، والمتعاطف أيضا مع جبهة الإنقاذ الإسلامية التي يسعى إلى إقناع أطراف المعارضة والسلطة معا بضرورة حضور قياداتها الذين أعلنوا اعتدالهم في هذه الندوة المنتظر عقدها في شهر فيفري القادم، قصد إيجاد حل للأزمة الجزائرية، ومن أجل التوصل مع النظام الحاكم إلى حل توفيقي متمثل في تشكيل حكومة توافق وطني.
لاشك أن رفض حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المشاركة في هذه الندوة المنتظرة أساسه رفض مشاركة قيادات حزب جبهة الإنقاذ الإسلامية بشكل عام، وأمير الجيش الإسلامي سابقا مدني مرزاق، الذي يتهمه بأنه أصبح داعية للرئيس بوتفليقة وعرابه في الانتخابات الرئاسية بشكل خاص، في أي حل سياسي سلمي جامع. فهل تعني دعوة علي بن حاج، إلى إشراك الذين حظروا وفككوا حزبه، وأدخلوه في ظلمات السجن تلميحا إلى ميلاد غاندي جزائري لا يعبد البقرة ولا تنقصه إلاَ العنزة؟

*كاتب جزائري/”العرب”

اقرأ أيضا

الحكومة تتعهد بإخراج قانون الإضراب قبل نهاية الدورة الربيعية للبرلمان

توصلت الحكومة وشركاؤها الاجتماعيون والاقتصاديون، خلال جولة أبريل 2024 من الحوار الاجتماعي، إلى اتفاقات بشأن ممارسة حق الإضراب.

النقابات تشيد بالاتفاق الموقع مع الحكومة

أشادت المركزيات النقابية بالاتفاق الذي وقعته، اليوم الإثنين، مع الحكومة بشأن زيادة عامة في أجور العاملين في القطاع العام.

إصلاح التقاعد.. هذه تفاصيل اتفاق الحكومة والنقابات بجولة أبريل

تضمن اتفاق جولة أبريل 2024 من الحوار الاجتماعي بين الحكومة والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، عدة التزامات تخص إصلاح منظومة التقاعد.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *