متى تنهض هذه الأمَّة المستباحة؟!

أيّة صفةٍ يمكن إطلاقها على واقع الحال الراهن في المنطقة العربية؟ تقسيم.. تدويل.. صراعات .. أم تخاذل؟ ربّما تصحّ كلّ واحدة من هذه الصفات، لكن الأكثر تعبيراً الآن منها عن واقع حال أمّة العرب هي أنَّها أمَّة مستباحة، فما يحدث في قلبها وعلى أطرافها هو حالة الاستباحة بكلّ معانيها وصورِها.
أيّ منطقٍ دولي اعتمدته واشنطن عندما أرسلت مئات الألوف من الجنود الأميركيين لتغيير نظامٍ في العراق، ثمّ أباحت لحلف »الناتو« التدخّل العسكري في ليبيا، ولا يعطي هذا المنطق نفسه الحقَّ للفلسطينيين باستعادة خمس مساحة وطنهم الذي جرى اغتصابه بموافقة دولية، ولا طبعاً حقهم بالمقاومة من أجل تحرير أرضهم المحتلّة؟
يبدو أنَّ أمَّة العرب تعيش مزيجاً من حالتين: حالة المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، حيث خطَّت مساطر سايكس (الإنجليزي) وبيكو (الفرنسي) ما نحن عليه من حدودٍ جغرافية للدول العربية، كما مهَّدت لهجرة اليهود إلى فلسطين وبدء المشروع الصهيوني على الأرض العربية.. والحالة الثانية، هي وضع المنطقة العربية ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد ولادة دولة إسرائيل في ظلِّ متغيّراتٍ دولية أفرزتها نتائج هذه الحرب وانتصار أميركا وحلفائها في العالم.
لكنْ لا الحالة الأولى بعد الحرب العالمية الأولى، ولا الحالة الثانية بعد الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي منعتا من حدوت ثوراتٍ وانتفاضاتٍ شعبيةٍ عربية ضدَّ الاحتلال والتسلّط الأجنبي والسلطات المتعاونة معه، رغم ما أصاب بعض هذه الثورات والانتفاضات من انتكاساتٍ وتعثّر وأخطاء حيناً ووأدٍ خارجيٍّ في حينٍ آخر.
إنّ القوى الكبرى تتعامل مع المنطقة العربية كوحدةٍ متكاملة مستهدفة، وفي إطار خطّة استراتيجية واحدة لكلّ أجزاء المنطقة، بينما الأمَّة العربية موزّعة على أكثر من عشرين دولة وفق الترتيبات الدولية التي حدثت في مطلع القرن العشرين..
ولقد أدّى هذا الواقع الانقسامي، ولا يزال، إلى بعثرة الطاقات العربية (المادية والبشرية) وإلى صعوبة تأمين قوّة فاعلة واحدة لمواجهة التحدّيات الخارجية أو للقيام بدورٍ إقليمي مؤثّر تجاه الأزمات المحلية، بل أدّى أيضاً إلى وجود عجزٍ أمني ذاتي لا يستطيع التعامل مع ما يطرأ من أزماتٍ وصراعات داخل المنطقة ويبرّر الاستعانة بقوًى أمنية خارجية قادرة على حلّ هذه الصراعات..
وأنَّ الأمّة العربية الآن هي أمام الخيار بين تكامل الوطنيات العربية القائمة أو الانحدار أكثر في تفتيت البلاد العربية إلى دويلات طائفية ومذهبية وإثنية، متصارعة فيما بينها ومتفّق كلّ منها مع قوى أجنبية ومع مشاريع إسرائيلية لمستقبل المنطقة!!
اليوم، تعيش الأمّة العربية أنماطاً مشابهة لما كانت عليه منذ مئة عام، وهي تدخل مرحلة شبيهة بما حصل عقب الحرب العالمية الأولى من دخول عدّة بلدان عربية في مرحلة »الانتداب« الدولي، ومن تفتيت وتقسيم للأوطان والمجتمعات.
أيضاً، تتكرّر اليوم أخطاء القرن الماضي، من حيث الاشتراك العربي في وصف الواقع الحاضر لكن مع عدم الاتفاق على مشروع عربي مشترك للمستقبل، والعمل المنظّم من أجل تحقيقه. ولن يشهد هذا »المشروع المستقبلي العربي« النور ما لم يحصل إصلاح ونهضة في واقع حال جماعات الفكر ومؤسسات المجتمع المدني العربي.
وفي المنظمات السياسية التي تطرح نفسها كأدوات للتغيير أو كبدائل لما هو قائم في الواقع العربي الراهن. المفكّرون والمثقفون والإعلاميون العرب معنيّون الآن بالتفكير في كيفيّة وضع »مشروع نهضوي عربي مشترك« وليس في التحليل السياسي للواقع الراهن فقط.

* مدير “مركز الحوار العربي” في واشنطن/”البيان” الاماراتية

اقرأ أيضا

غزة

غزة.. غارات وقصف مدفعي وعائلات الأسرى الإسرائيليين تتظاهر في تل أبيب

في اليوم الـ209 من الحرب الإسرائيلية على غزة، واصل جيش الاحتلال قصفه مناطق في القطاع، في حين خرجت عائلات الأسرى الإسرائيليين في مظاهرة بتل أبيب وأغلقت محور أيالون الرابط بين مدن تل أبيب الكبرى، للمطالبة بإبرام صفقة لإعادة المحتجزين في غزة.

غزة

غزة.. ارتفاع حصيلة الشهداء ووفد حماس يغادر القاهرة لبحث مقترح وقف إطلاق النار

في اليوم الـ207 من الحرب الإسرائيلية على غزة، واصل جيش الاحتلال قصف مناطق القطاع المختلفة لا سيما مدينتي رفح وخان يونس، مما تسبب في سقوط مزيد من الشهداء والمصابين، مما رفع الحصيلة إلى 34 ألفا و535 شهيدا

غزة

غزة.. مجزرة برفح وبلينكن يبدأ جولة بالمنطقة ومحادثات لوقف إطلاق النار

في اليوم الـ206 من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ، كثف جيش الاحتلال استهدافه مدينتي رفح وخان يونس جنوبا بالقصف الجوي، مرتكبا مجزرة راح ضحيتها 20 فلسطينيا، بينهم 5 أطفال في رفح.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *