بورقيبة

ردّ الاعتبار إلى الذين خدموا تونس

أعاد رئيس الجمهورية، في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال، الاعتبار فيمن أعاد إلى المناضل صالح بن يوسف، الذي لا يمكن أن ينسى المرء أنّ بورقيبة افتخر يوما علنا بأنه إن لم يكن وراء اغتياله (؟) فإنه قام بتوسيم الذين قاموا بتصفيته. وإذ تتزاحم الذكريات الوطنية تباعا من عيد ثورة 14 جانفي 2011 إلى عيد ثورة 18 جانفي 1952 إلى عيد الاستقلال إلى يوم الشهداء في 9 أفريل إلى غرة جوان 1955،يوم عودة الرئيس الأسبق بورقيبة ثم إعلان دستور سنة 1959 إلى عيد الجمهورية في 25 جويلية في 25 جويلية إلى إعلان دستور 2014، إذ تتزاحم تلك الذكريات وغيرها فإنّ الأيام لم تكن دائما مشرقة.
ولقد أخذت الألسن تنحل عقدتها، فقد صدر للشاذلي بن عمار كتاب، عن المظلمة التي تعرض لها والده الطاهر بن عمار الموقع على الاستقلال التام والاستقلال الداخلي، إذ وضع في السجن بتهمة كيدية لمدة أشهر هو وزوجته، ويقال إنّ بورقيبة لم يغفر له أن يكون الحصول على الاستقلال قد نسب له، ثم إنّ المختار باي الأستاذ الجامعي أرخ للمرة كذلك ـ في فضاء مؤسسة التميمي ـ للمظلمة التي تعرض لها محمد الأمين باي آخر ملوك تونس، لا فقط بعزله عن عرشه بصورة لا قانونية ولكن بمشروعية فعلية، وقد سامه الذين أنزلوه عن عرش أجداده سوء العقاب، رغم أنّ مسيرته كانت تتخللها فترات مشرقة وأخرى أقل إشراقا، بين تحدي المستعمر والخضوع له، فتمت معاملته على أسوء حال، ولم يتمتع بالرمزية التي كان جديرا أن يتمتع بها بوصفه كان لفترة 14 سنة رمزا للبلاد باعتباره ملكها وممثل سيادتها.

إقرأ أيضا: لماذا ما يزال الحنين يشد تونس إلى زمن بورقيبة؟

وكما نال محمد الأمين باي معاملة سيئة على علو قدره باعتبار ما كان عليه من رتبة سامية، فإنّ بورقيبة لم يسلم من نفس المصير، حيث بقي في “سجنه الأخير” كما أسماه رجاء فرحات في مسرحيته الشهيرة 13 سنة، لا حق له في مغادرة البيت الذي خصص له في المنستير، إلا لماما، وبترخيص من خلفه، بل لم يكن يحق لأحد زيارته، حتى ابنه إلا بعد الاسترخاص يتطلب أياما وقد يأتي أو لا يأتي، وإذ لم تخصص للباي السابق جنازة تليق به بل دفن في كنف السرية وبعد عيشة ضنكة وفي محل متواضع، فإن جنازة بورقيبة على ما قدمه للبلاد على اختلاف التقييمات لمسيرته، كان مثالا لانتقام غير مبرر، لما شابها من حصار فعلي وإعلامي غير لائق بقيمة الرجل، ومن هنا للمرء أن يتوقف قليلا، للقول بأنّ بلدا يحترم نفسه ويحترم رموزه، لا بد له وبعد ثورة مشرقة أن يعيد الاعتبار إلى الرجال الذين قادوا مسيرته، أو اختطوا له خطى كفاحه الذي توجه استقلال لا شائبة فيه على عكس ما يريد أن يوحي به البعض.
جميل أن يستعيد الفارس ركوب صهوة جواده في مدخل المدينة التي اقتلع منها، بعد أن ساد في ذلك المكان على مدى 75 سنة جول فيري رئيس الحكومة الفرنسية ومهندس دخول الاستعمار الفرنسي لتونس، رد الله غربته إلى موقعه الطبيعي، ولكن أليس حفاظا لذاكرة الأجيال، أن تقام تماثيل في مختلف ساحات العاصمة والبلاد لصالح بن يوسف ومحمد المنصف باي ومحمد الأمين باي وفرحات حشاد والهادي شاكر والمنجي سليم والطاهر بن عمار وحنبعل وسان أوغيستان ويوغورطا وعقبة بن نافع، وغيرهم كثيرون ممن طبعوا مسيرة البلاد وينبغي لهم أن يكونوا أحياء في ذاكرتها، كل ذلك على غرار ما نشهده في الساحات الباريسية أو ساحات القاهرة أو ساحات روما.
ذلك دين في أعناق الأجيال اللاحقة واعتراف بالجميل ورد اعتبار للذين قدموا خدمات لا تنسى لهذه البلاد، والواجب أن تحفظ ذكراهم، ويعرف الصغار والكبار مدى تضحياتهم، ومدى ما قدموه للبلاد ولتاريخها الممتد على آلاف السنين.

محلل سياسي وإعلامي تونسي/”العربية ليدرز”

اقرأ أيضا

قانون الأحوال الشخصية في تونس

بقلم: أحمد القديدي* منذ عقود لم أتعب من القول بأن كل قانون هو كائن اجتماعي …

العملية السياسية في تونس: بين هشاشة المشهد السياسي وصلابة الحلم الديمقراطي

*مقدّمة: لا يختلف اثنان في تونس حول هشاشة المشهد الحزبي في البلاد بعد ثورة 14 …

لا أحد.. كـ ”أويحيى”!

لولا ثورات الربيع العربي.. والانقلابات العسكرية المتواترة.. لُحكم العرب من القبور وغرف الإنعاش المركز.. ولتسنى …