لولا ثورات الربيع العربي.. والانقلابات العسكرية المتواترة.. لُحكم العرب من القبور وغرف الإنعاش المركز.. ولتسنى للموتى أن يظلوا أحياء إلى الأبد.. فأحكام الموت لا تسري على الحاكم العربي.. الذي يستمر حيا.. عبر جيناته السياسية.. وعند الضرورة من خلال سلالته الشريفة.
حكم القذافي أربعين عاما.. وربما كان سيحكم مثل ذلك.. لولا أن الناتو قرر قطع دابره.. وإرساله إلى العالم الآخر.. بترخيص من مجلس الأمن.. وحكم بورقيبة مدى الحياة.. حتى أضحى مومياء حية.. إلى أن انقلب عليه الجنرال بن علي.. الذي جثم بدوره على صدر الشعب التونسي.. ولم يتخل عنه.. لولا نار ”البوعزيزي“ التي التهمت كرسيه.. ففر هاربا إلى أي وجهة.. فهل تحررت تونس؟ كلا.. لقد عاد يحكمها ”السبسي“.. وهو رجل قديم جدا.. من زمن بورقيبة.. ومن الذين لا يؤمنون بالرحيل إلا على ظهر نقالة.
فبَم يختلف أويحيى عن هؤلاء؟ إنه قديم بدوره.. ولا يكاد ينتمي إلى هذا الجيل.. فمنذ خمس وعشرين سنة وهو يدير عجلة ”الروليت“ بطريقته المعتادة.. لتستقر على رقمه الشخصي في كل مرة .. ويخرج فائزا.
المزيد: المآل البائس لثالوث التوريث
يختفي حينا في غرفة رسكلة السياسيين.. ليطلع علينا مبتسما.. باعتباره رجل المهمات غير النظيفة ـ التي يعتز بها كثيرا ـ .. والذي يجيد أداء الأدوار الخاصة جدا.. ولا تتوفر مواصفاته الاستثنائية في أي جزائري آخر.. إنه ممن لا تنجبهم الأوطان إلا نادرا.. إنه ثمين كالماس.
لو سألت أي طفل جزائري عن أويحيى.. لقال لك.. إنه الرجل الذي حكم جدي.. ومن بعد جدي أبي.. ومن بعد أبي أنا.. وهو الذي يأمل في حكم سلالتنا القادمة.. ويأبى أن يريح أو يستريح.
ظني الآن.. أن إعفاء أويحيى من إحدى مهامه في رئاسة الجمهورية.. ليس أكثر من تأكيد الثقة في رجل.. يذكره الجزائريون بامتعاض.. كلما أرادوا التعبير عن الأشياء التي لا يحبونها.. وتحتضنه السلطة.. باعتباره الابن البار.. الذي لا يوجد مثله في الجزائر.
المزيد: السلطة.. في “سن اليأس”!!
*صحفي جزائري/”البلاد”