لم يعد لدي شك في أن المفاجآت دائما تأتي من ليبيا، ومن الليبيين. أكرر هذه المقولة بعد الإعلان المفاجئ في السادس من هذا الشهر حول “إعلان اتفاق مبادئ” بين الليبيين والمقصود هنا الفريقان السياسيان الأكثر بروزاً وتميزاً على الساحة الليبية فريق المؤتمر الوطني الليبي العام الذي يدير الشأن في المنطقة الغربية ويسيطر على العاصمة طرابلس. والفريق الثاني نواب البرلمان المنعقد في طبرق “المجلس الوطني” والذي تنبثق عنه الحكومة الليبية المعترف بها شرعيا، إلى الآن.
في البدء يجب الإقرار بأن العاصمة التونسية رغم ما تمر به من حالة توتر أمني عالية، ورغم إغلاق الحدود البرية من قبل الجانبين الليبي والتونسي، ورغم إيقاف استقبال المطارات التونسية للطيران القادم من ليبيا، رغم كل ذلك انتزعت تونس الأضواء من الجزائر ومن غدامس ومن الصخيرات المغربية. حيث توافق فيها الليبيون على التوقيع على إعلان المبادئ. الأمر الذي يبقى إلى الآن بدون إجابة هل كان هناك دور للدولة وللسياسة التونسية في هذه الخطوة؟ سواء بالتأثير المباشر، أو بتهيئة المناخ لتأثيرات دولية وإقليمية أخرى؟ هذا ربما ما سنعرفه في القادم من الأيام.
من المفيد تسليط الضوء على فحوى هذا الإعلان الذي جاء مختصراً ومركزاً خلافاً للمشاريع التي تم تداولها في المراحل السابقة، وهذه قد تكون ميزة. ونقطة تحجم مساحة الخلاف بين الليبيين مستقبلا. وعلى العموم تتمحور الفكرة العامة حول تكوين “لجنة برلمانية” مكونة من عشرة أعضاء خمسة من المؤتمر وخمسة آخرون من المجلس. مهمة هذه اللجنة تسمية “رئيس حكومة” توافق وطني، وكذا تسمية اثنين من النواب للرئيس على أن يكون ذلك خلال أسبوعين. بمعنى أنه قبل نهاية ديسمبر الحالي سيكون لدى الليبيين حكومة وفاق جاهزة مباشرة أعمالها، برئيس ونائبين، هذه الدرجة العالية في تركيز المناصب واختصارها تعيد للأذهان شيء من تقاسم البلاد الليبية، قد يدعو أطراف أخرى للمطالبة بنصيب في الرئاسة وفي نيابة الرئيس، وهذه المعضلة كانت المسمار الذي افشل خطة المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا السيد برناردينو ليون برمتها.
إقرأ أيضا: ليبيا و«داعش».. والناتو الحائر
السؤال الذي قد يبحث كثير من الناس عن إجابة له هو ما هي انعكاسات هذه الخطوة على خطط العمل التي بذلت من اجل الخروج بحل سياسي بين الليبيين على مدى الفترة الماضية؟ وهنا يمكن للمراقب أن يتلمس أكثر من إجابة وأكثر من علاقة بين الموضوعات السابقة وبين ما يُروج له اليوم، وأبرز هذه الانعكاسات:
أولا: أن كل الخطط المطروحة على طاولة الحل بين الليبيين للفترة الماضية وأشهرها الخطة التي تعرف بخطة ليون مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة والتي بذل فيها كثير من الوقت والجهد قد أصبحت من الماضي، وهنا يمكن تلمس خسارة غير مباشرة لممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا الحالي، السيد مارتن كوبلر حيث كان يأمل بحسب عدد من المصادر في جني ثمار عمل سلفه الاسباني التي استمرت لما يزيد على العام من اللقاءات والحوارات والمناقشات. وكل ذلك يعني ضمنا وهو أمر لم يتم الإشارة إليه في هذه المرحلة إلغاء حكومة فايز السراج، ومجلس الدولة الأعلى وصلاحياته التي كثيرا ما أثارت الجدل.
ثانيا: تحديد اختيار رئيس الحكومة ونائبيه من قبل اللجنة المكونة من عشرة أشخاص الممثلين للجسمين التشريعيين المتنافسين، هذا سيكون مفيدا في جانب الوقت والتوافق، نظرا لتعادل انتماء المقترعين، وربما يعني أن يكون الرئيس هو الشخصية التي يفترض أن يدور حولها مفهوم التوافق في الاختيار،لا أكثر.
ثالثا: العودة إلى الشرعية الدستورية المتمثلة في الدستور الليبي السابق، وتنشيط عمل ما يعرف بلجنة الستين المكلفة منذ 2013م بانجاز دستور لليبيا الجديدة.
رابعا: وهذه نقطة فيها كثير من الرمزية للإيحاء للإنسان الليبي أن هناك توجها للتخلص من الوساطة الخارجية المباشرة، ومحاولة بث مزيد من الثقة لدى الناس بأن السياسيين الليبيين قادرون على الخروج بأنفسهم وببلادهم من نفق الصراع.
خامسا: تقديم أمل للناس باختفاء أو تقلص حالة الانقسام بين الليبيين في غضون عامين على الأكثر حيث سيكون هناك جسم تشريعي واحد ينبثق عن انتخابات تشريعية قادمة.
الناس في ليبيا وفي المنطقة العربية والعالم مؤيدون وداعمون للخطوات التي يمكن أن تجنب الإنسان في ليبيا مزيدا من النزيف والمعاناة، ومع ذلك تبقى هناك مخاوف من أن الأمور التي تقود إلى حل نهائي وعادل مرتبط برغبات واعتبارات ومصالح قوى داخلية وخارجية ذات مصالح متضاربة. كما أن هناك من يرى أن كل ما أعلن عنه ليس إلاَّ تحركاً مدفوعاً بفهم يرتكز على أن القوى الدولية نفذ صبرها ولم يعد لها وقت، وأنها ربما تكون بصدد خلق الجسم السياسي الليبي الذي يجب أن يكون طرفا في التعامل معها لحل كثير من المعضلات التي تهدد هذه الدول. وهناك من يشير في هذا الصدد إلى قرب انعقاد مؤتمر روما لبحث الأزمة الليبية المزمع عقده في منتصف هذا الشهر والذي يقال إنه قد يتمخض عنه قرارات حاسمة ومصيرية في مستقبل البلاد الليبية.
رغم كل ما يقال، يجب أن يكون هناك حل سياسي في ليبيا، ويفضل أن يكون هذا الحل بأقل الخسائر التي كثرت على الناس.
* مستشار وباحث في الشأن الدولي/”اليوم”