بقلم: سمير صبح*
على رغم صعوبة التوصل إلى اتفاق نهائي بين الأطراف المتنازعة لتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد سلسلة الاجتماعات التي استضافتها الصخيرات في المغرب، لا يزال مستقبل ليبيا كبلدٍ وكاقتصادٍ يحمل في طياته كثيراً من الأمل. فالحديث عن تقسيم البلاد بين شرقها وغربها وشمالها وجنوبها وسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) والفصائل الإسلامية المتعددة الاتجاهات على العديد من المناطق، خصوصاً في سرت وطرابلس والزاوية ومصراتة، بعيد عن الواقع تماماً ومناقض لرغبة الليبيين بغالبيتهم.
الذي يزور ليبيا وتسمح له الظروف بالاطلاع على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد والاقتراب أكثر من مكوناتها الرئيسة، أي قبائلها، يستنتج في نهاية المطاف أن ما يجمع الليبيين أكثر مما يفرقهم، كما أن القاسم المشترك في نقاشاتهم يتركز على تدخل «الغرباء» في شأنهم طمعاً في وضع اليد على ثروات بلادهم بعد تدمير أعمدة الاقتصاد، وفي طليعتها الثروة النفطية، خصوصاً عندما نعلم بأن غالبية التقارير الصادرة عن المؤسسات النفطية العالمية المختصة تؤكد أن ليبيا تملك احتياطاً يساوي 48 بليون برميل، ما يشكل المخزون الأكبر في أفريقيا ويوازي أربعة أضعاف مخزون الجزائر.
للمزيد:ليبيا تطلب من الجزائر دعم اقتصادها
أما تراجع الاحتياطات الأجنبية إلى 109 بلايين دولار وفق الرقم الأخير الصادر عن المصرف المركزي الليبي نهاية حزيران (يونيو) مقابل 169 بليوناً عشية سقوط النظام السابق، فلا يعني بتاتاً أن البلاد تسير نحو شفير الهاوية أو الإفلاس كما تروج بعض الأوساط السياسية التي خسرت مواقعها بعد الثورة. فعلى رغم العجز المسجل على صعيد الموازنة الذي بلغ 4.5 بليون دينار (3.3 بليون دولار) في الأشهر السبعة الأولى من العام نتيجة الضغط الذي يتعرض له إنتاج النفط وتراجع أسعار الخام، وعلى رغم غياب موازنة منتظمة مع وجود حكومتين وبرلمانين يتصارعان على السلطة، لا ينتبه المهتمون بالشأن الاقتصادي الليبي كثيراً إلى أن الصادرات اليومية من النفط تصل إلى معدل وسطي يقدر بـ 350 ألف برميل يومياً. والمهم في كل ذلك أن العائدات من النفط تمر كلها عبر المصرف المركزي الليبي، ما يعني وجود توافق بين الجميع على أن الإنفاق يجب أن يحظى بموافقة مؤسسة النقد الليبية على رغم وجود فرعين لها الأول في طرابلس والثاني في بنغازي ووجود حاكمين لهذا المصرف.
ومن المؤشرات على بقاء الاقتصاد الليبي واعداً، أن العقود الموقعة سابقاً مع شركات نفط عالمية عملاقة مثل «إيني» الإيطالية، و «أو أم في» النمسوية و «إكسون موبيل» الأميركية و «ريبسول «الإسبانية و «توتال» الفرنسية وغيرها، مع المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، ستبقى سارية المفعول عند عودة الإنتاج بكامل طاقته في المرحلة الأولى أي 1.6 مليون برميل يومياً. وإذا كان ميناء الحريقة يصدر حالياً ما بين 250 و300 ألف برميل يومياً ومرفأ البريقة من 70 إلى 100 ألف برميل يومياً، إلا أن الرهان الذي بدأت تظهر بوادره مع مفاوضات الصخيرات، إزالة حالات الشلل التي تسود ميناء السدرة ورأس لانوف المهمين.
ومما يؤكد هذه الرؤية التفاؤلية اللقاء الذي عُقِد قبل أسابيع في لندن مع 26 شركة من شركات النفط وتجارته، من بينها «بريتيش بتروليوم» البريطانية و «إكسون موبيل» و «موتور أويل هيلاس» و «هيلينيك بتروليوم» اليونانيتين و «في بي إل» السويسرية، والاجتماع الذي عُقِد في دبي بين حكومة طبرق وعدد من مسؤولي الشركات النفطية العالمية. هذا الأمر اعتبره وزير نفط ليبي سابق طلب عدم ذكر اسمه، تبادل أدوار بين الحكومتين المعنيتين بإدارة شؤون النفط في البلاد، والدليل وجود ممثلين عن المؤسسة الوطنية الليبية للنفط في اجتماعات لندن ودبي.
ويجب عدم التقليل من أهمية الدور الذي تؤديه المؤسسة الليبية للاستثمارات التي ضمت بعد الثورة مؤسسات استثمارية مثل الشركة الليبية العربية للاستثمار الخارجي والصندوق الليبي للاستثمار، وتلاحق اليوم أصولاً بالغة 64 بليون دولار، نصفها على شكل سيولة نقدية غير موظفة والأخرى مستثمرة في محافظ مالية خارجية. ويدور الحديث اليوم في أوساط الحكومتين عن فتح حساب خاص بالصادرات النفطية في «البنك العربي» بعمان كمرحلة أولى إلى أن تستقر الأمور نهائياً على المستوى المصرفي في ليبيا.
ومن الرهانات المستقبلية التي يتجنب الجميع الحديث عنها هي كميات الغاز الكبيرة الموجودة في الصحراء الليبية وأمام السواحل الليبية، فهنالك اكتشافات مؤكدة في أحواض غدامس واكتشافات في خليج سرت وجنوب البريقة. وبدأت «إيني» اتصالات من أجل التنقيب في السواحل الليبية على غرار ما قامت به في مصر.
ومن الخطوات التي تجري بعيداً عن الأضواء تكليف الحكومتين الليبيتين بالتوافق بينهما مؤسسات مالية عالمية وقانونية للبدء بملاحقة الحصص الموجودة في شركات متعددة في القارة الإفريقية بدءاً بالتنقيب عن النفط والغاز مروراً باليورانيوم وانتهاء بالفوسفات في حال استعادة هذه الحقوق قبل المحاولات الجارية لتأميم هذه الشركات. ويمكن أن تزيد أصول ليبيا الخارجية عندئذ على 80 بليون دولار.
بناءً على ما تقدم ستكون ليبيا عملياً بلداً واعداً من الناحية الاقتصادية، خصوصاً أن القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصيد البحري والمناجم لم تُستغَل حتى الآن بتاتاً. هذا ما يعرفه الغرب ويعمل على أساسه منذ الآن، لكن الليبيين يخفون ورقتهم الأساسية المتمثلة بالشركات العملاقة الأميركية التي سبق وأسست تواجدها عند رفع الحظر عن ليبيا أيام القذافي.
*كاتب صحفي/”الحياة”