مع توالي الأنباء عن تدهور صحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وجدل التفسيرات المتعلقة بالحملة التي يتبناها الجيش الوطني من أجل “تطهيره” من النفوذ الفرنسي، مدخلا لاستقلال الجزائر “الحقيقي” عن الوصاية الفرنسية المستمرة منذ قرابة القرنين؛ ومع الحراك المتسارع الذي تشهده الساحة السياسة الجزائرية، منذ الإطاحة برجل المخابرات القوي الفريق محمد مدين (توفيق)، وتفكيك جهازه الرهيب، والهزات الارتدادية التي تبعت الحدث التاريخي، وحرب المعسكرات التي انخرط فيها الجميع، تقف الجزائر حاليا على أعتاب مرحلة غير مسبوقة، عبر تكاثف الدعوات لانخراط المواطنين في جبهة شعبية مستقلة عن تأثير الأحزاب السياسية التي عبثت بمعظمها، إن لم يكن كلها، أصابع الفريق توفيق ومحيط الرئيس الحالي من رجال أمن وأعمال، وذلك من أجل وضع قواعد جديدة للاصطفاف الوطني، والعمل السياسي برمته.
للمزيد: هل دخل الصراع على السلطة في الجزائر منعطف الحسم: الجيش في مواجهة الرئاسة؟!!
هذا التيار عبر عن نفسه بداية عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تشهد انخراط آلاف الجزائريين في نقاش حر حول مستقبل بلادهم، وتكرس مؤخرا عبر إعلان “أحمد شوشان” النقيب السابق في الجيش الوطني، وأحد أشهر المعارضين الجزائريين وأكثرهم مصداقية، عن تأسيس ” الجبهة الشعبية المناهضة للوصاية الفرنسية”، التي ستضع هدفا لها، كما هو وارد في عنوانها، تعضيد جهود الجيش الوطني التي تصب في نفس الاتجاه، والاتفاق على مرشح رئاسي لفترة انتقالية واحدة، يرعى وضع قواعد جديدة للعمل الحزبي والسياسي في الجزائر، وذلك من بين الشخصيات الوطنية التي تحظى بالمصداقية، تاريخا وفكرا وممارسة، بعيدا عن الاستقطاب الطائفي والمذهبي، وتكون قادرة على كسب تعاطف وأصوات الجزائريين في أية انتخابات رئاسية مقبلة، لتستطيع الوقوف في وجه “مرشحي الجناح الرئاسي وفلول فرنسا” على حد تعبير أدبيات الجبهة.
ومن شأن الإعلان المبكر عن هذه الجبهة ومرشحها للرئاسة، وتكثيف وتسارع وتيرة الدعوة لمبادئها ومرشحها داخل الجزائر، أن يقطع الطريق أمام طابور من الأسماء الطامعة أو الطامحة لخلافة الرئيس العاجز، لاسيما إذا استطاعت أن توصل مرشحها التوافقي إلى القطاعات العريضة من الشعب الجزائري التي لا تتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالاعتماد على التواصل المباشر لأعضائها في القرى والبلدات والمدن في طول البلاد وعرضها.
أما “ضربة المعلم” فتمثلت في القنبلة التي فجرتها الجبهة بالإعلان عن اسم مرشحها لخلافة بوتفليقة، ألا وهو المجاهد المؤرخ “أحمد بن نعمان”، ابن تاورقة القبايلي، الذي يعد أبرز وجوه “الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية”. ومن شأن اختيار المجاهد بن نعمان كمرشح لخلافة بوتفليقة، وهو المعروف بمناهضته للوصاية الفرنسية على “لغة وتاريخ ومقدرات الجزائر”، أن يشكل ضالة ما يبحث عنه مختلف الفرقاء في الجزائر، بعرقه الأمازيغي، وهويته الإسلامية الواضحة، ودفاعه المستميت عن الانتماء الحضاري العربي للجزائر، بمقدار هجومه الشرس على كل من يقفون في الصف المقابل. أما النقطة الوحيدة التي يؤاخذها عليه الشباب، والمتمثلة في كونه من مواليد عام 1944، فيرد عليها الطرف المقابل بأن انتداب الرجل هو لولاية واحدة غير قابلة للتجديد، يتم فيها صياغة دستور حقيقي يضمن للجزائر “استقلالها عن التبعية لفرنسا”، ويتم فيها إتاحة الفرصة للجميع للانخراط في حياة حزبية وسياسية على أسس تحقق المصلحة الوطنية، وفق قواعد تنافس شفاف.
إقرأ أيضا: بعد ضم جهاز المخابرات للرئاسة.. هل اقتربت ساعة عزل بوتفليقة؟!!
من جهة أخرى، يطالب البعض من داخل الجبهة الجديدة، بتعضيد مرشحهم بن نعمان بمرشح شاب لمنصب نائب الرئيس، هو الخبير الاقتصادي بشير مصيطفى، الخبير الاستشرافي، ابن متليلي الشعانبة جنوب غرداية، لاسيما أنه من مواليد عام 1961، ويعد أحد أبرز الخبراء الاقتصاديين في وقت الجزائر أحوج ما تكون لمثل خبراته، كما أن كونه من محور الصحراء المكمل لمحور القبايل، سيخرج الجزائر من ثنائية الشرق- الغرب التي تدور فيها منذ الاستقلال، ناهيك طبعا عن كونه أحد أشد المدافعين عن ضرورة فصل الاقتصاد الجزائري عن التبعية لفرنسا.
وردا على هذه التحركات، يبدو أن الارتباك قد بدأ يدب في مختلف المعسكرات المقابلة، لاسيما وأن الجبهة الجديدة غير حزبية، ويتوقع قادتها أن تجد مقاومة من مختلف أطياف المشهد الحزبي الجزائري، قبل أن تنضم إليها معظم الأحزاب الصغيرة، بل وحتى الكبيرة، في ظل مراهنة البعض على تجاوب جبهة التحرير الوطني برئاسة عمار سعداني، بل وحتى جناح عبد القادر صالح في التجمع الوطني الديمقراطي، مع أهداف الجبهة المعلنة، مما سيتمخض عن قطبين كبيرين، من شأن حسم التنافس بينهما لمصلحة تيار الاستقلال الحقيقي أن يدخل الجزائر مرحلة غير مسبوقة، يمتلك فيها أبناؤها مقدرات بلادهم ويكونون سادة مصيرهم.