أحيانا يقف المرء حائرا إزاء بعض الظواهر السلبية المستشرية في العديد من القطاعات العمومية في المغرب، مثل ظاهرة الموظفين الأشباح التي تعتبر من بين التجليات التي تعكس أبشع صور التسيب وعدم تطبيق ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ورغم أن الظاهرة قديمة، ويجري الحديث عنها في المملكة منذ سنوات بالكثير من الاستهجان والاستنكار من طرف كل فئات الجمعيات المدنية والأطياف السياسية والحزبية، فإنها لا تزداد مع مرور الأعوام إلا تكريسا وانتشارا، دون أن تلوح في الأفق أية بادرة توحي بالقضاء عليها، واستئصال جذورها من الإدارة المغربية.
وحسب بعض الإحصائيات الأولية، فإن عدد الموظفين الأشباح في القطاعات العمومية والجماعات الترابية المحلية يقدر بالألاف، والبعض يرى أن الواقع يفوق تلك الأرقام، وكلهم يتقاضون اجورهم عن طريق التحويلات في حساباتهم البنكية، دون أن يحضروا إلى مكاتبهم أو مقرات أعمالهم.
وفي إطار محاولات المغرب للحد من الظاهرة، كان عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، قد أصدر منشورا يدعو فيه إلى التعامل بصرامة مع المتغيبين عن اعمالهم، باتخاذ الإجراءات المناسبة في حقهم، حسب مقتضيات القانون.
ومن بين تلك الإجراءات والمقترحات الواردة في منشور رئيس الحكومة، وضع لائحتين في نهاية كل عام:لائحة تتضمن الموظفين الذين يواظبون على الحضور إلى مكاتبهم، ولائحة تشمل أسماء الموظفين الأشباح الذين لايظهرون إلا في آخر الشهر أمام البنوك لاستلام رواتبهم الشهرية، دون رادع من ضمير، علما أنهم لم يقدموا مقابل تلك الأجور أي عمل أو إنتاج أو جهد..
القانون واضح، في هذا الباب، ولكن المشكل يكمن في عدم تطبيقه، ولو جرى تفعيله حقا، وفق المقتضيات التي ينص عليها، لما كبرت هذه الظاهرة، وأصبحت تشكل عبئا ثقيلا على كتلة الأجور، وتعرقل السير العادي لأداء الإدارات.
هناك من يتهم المسؤولين، وخاصة منهم رؤساء المصالح، والآمرين بالصرف، بالتغاضي عن الموظفين الأشباح، بطريقة يبدو فيها التواطؤ واضحا، في تغييب تام للضمير المهني الذي يجب أن يتحلى به كل واحد في موقع المسؤولية.
وكان محمد مبدع، وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، قد وعد خلال ولاية الحكومة المنتهية ولايتها بإعداد مشروع مرسوم يحمل المسؤولية للآمرين بالصرف، ولكنه ظل وعدا مثل سائر الوعود التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ أبدا.
مناسبة هذا الكلام، بلاغ صدر مؤخرا عن وزارة التربية الوطنية يشوبه الكثير من الالتباس، إزاء محاربة ظاهرة الموظفين الأشباح، ومفاده أن الموظفين الذين لم يتوصلوا برواتبهم الشهرية، عن أكتوبر الأخير، عبر حساباتهم البنكية، يمكنهم تسوية وضعيتهم الإدارية عبر بوابة الوزارة، للتوصل بحوالة فردية.
للمزيد من التفاصيل: وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني تسجل 99 موظفا شبحا في القطاع
ولم يتضمن البلاغ أية إشارة إلى أي إجراء صارم، يفرضه الموقف، مثل مطالبة الموظفين الأشباح بإعادة الأجور إلى خزينة المملكة، وفصلهم عن العمل بعد إخضاعهم للمحاسبة والمساءلة عن استهتارهم .
فكيف يمكن، والحالة هذه، القضاء على ظاهرة الموظفين الأشباح؟ إن المطلوب إيجاد مقاربة عملية، ذات فعالية ونجاعة، تستند إلى القانون، وتنص أصلا على عدم الإفلات من العقاب في حق كل من تبث تورطه في هذه القضية.