ربما كان الملك محمد السادس على صواب عندما قال في خطاب عيد العرش الأخير إنه “بمجرد اقتراب موعد الانتخابات وكأنها القيامة، لا أحد يعرف الآخر. حكومة وأحزابا، مرشحين وناخبين يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار التي يمثلها الانتخاب”. كيف لا وفي ظرف وجيز اندلعت حرب البلاغات بين بعض الأحزاب يكيل فيه كل طرف رزمة من الاتهامات للطرف الآخر.
خلال الأسبوع المنصرم، عرف المشهد السياسي المغربي تطاحنا منقطع النظير بين حزب العدالة والتنمية وبعض الأحزاب المشكلة للمعارضة وهي الأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري، حيث خرج هذا الأخير ليدين في بلاغ شديد اللهجة ما أسماه بـ”المخطط الهيمني الخطير الذي ينهجه البيجيدي، من خلال عملية الاستقطاب الانتخابي التي يقودها”، وذلك في إشارة إلى ورود اسم أحد مناضليه وهو عبد الرحمان الحرفي، ضمن لوائح المترشحين باسم حزب العدالة والتنمية في الدائرة الانتخابية لسيدي قاسم.
لم تمر سوى ساعات قليلة ليخرج من ورد اسمه في البلاغ لينفي جملة وتفصيلا ما أدرجه حزب ساجد في بلاغه والذي اتهم فيه العدالة والتنمية بعقد “صفقة ذات طابع لا أخلاقي، قادها رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية لترشيحه”.
وأكد حرفي النائب البرلماني السابق عن حزب الاتحاد الدستوري، أن ترشيحه وكيلا للائحة حزب العدالة والتنمية بسيدي قاسم “جاء عن اقتناع، وبناء على طلب شخصي تقدم به إلى الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية منذ مدة طويلة، مستغربا الاتهامات المجانية التي ضمنها بيان الاتحاد الدستوري”.
يرى محمد الفتوحي الأستاذ الباحث في الشؤون السياسية، أن حرب البلاغات بين الأحزاب في هذا التوقيت بالذات تكرس “القيامة” التي تحدث عنها العاهل المغربي في خطاب عيد العرش الأخير، لكن ما يعيبها (القيامة) “أنها تحمل بين طياتها اتهامات تطرح تساؤلات عن مدى مصداقية صورة أي حزب لدى المواطن المغرب، فكيف يصدرُ اتهامات يتضح فيما بعد أنها ملفقة أو كاذبة ولا أساس لها من الصحة”.
واستطرد المتحدث ذاته في تصريح لـ مشاهد24، أن “مثل هذه التصرفات التي تصدر من الأحزاب السياسية والتي تحمل على عاتقها تأطير المجتمع يجب أن تتغير، لأن إقناع المواطن المغربي من أصعب الأشياء، وبالتالي كيف سيستطيع أن يثق بالبرنامج الانتخابي الخاص بحزب أو بآخر وهو يسمع ويقرأ الاتهامات تتوزع يمينا وشمالا قبل أن يدلي بصوته”.
في ذات الليلة أي نهاية الأسبوع المنصرم، خرج الخصم التقليدي لحزب العدالة والتنمية وهو حزب الأصالة والمعاصرة ليؤكد عبر موقعه الرسمي أنه بعث رسالة شديدة اللهجة إلى وزارة الداخلية، يؤكد فيها تعرض أعضاء من حزبه لضغوطات من طرف حزب العدالة والتنمية، للترشح باسمه خلال الاستحقاقات التشريعية المقبلة.
وقال خالد أدنون، عضو المكتب السياسي والناطق الرسمي باسم حزب “الجرار”، آنذاك إن حزبه راسل مطلع شتنبر الجاري، وزارة الداخلية بشأن هذه الضغوطات المذكورة، والتي تهدف “الدفع بمناضلات ومناضلي حزب الأصالة والمعاصرة للترشح باسم حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر المقبل، بل وصل الأمر إلى حد إدراج أسماء بعض المترشحات والمترشحين المنتمين لحزب الأصالة والمعاصرة في لوائح نشرت لحزب العدالة والتنمية بمناسبة انتخابات أكتوبر القادم، ودون احترام المساطر والضوابط والقوانين الجاري بها العمل، كما هو الحال مع بوشتى بوصوف عضو غرفة الفلاحة لجهة الدار البيضاء باسم حزب الأصالة والمعاصرة”.
“العملية الانتخابية يجب أن تتسم بالشفافية والنزاهية منذ بدايتها لأن استمالة نواب الأمة بطرق غير أخلاقية أمر غير مقبول ويضع الممارسة السياسية في مقتل”. يقول محمد الفتوحي الأستاذ الباحث في الشؤون السياسية في تصريح لـ مشاهد24، ثم يستطرد قائلا: “الأحزاب السياسية في يومنا هذا نلاحظ أنها تبتكر ممارسات جديد لغرض واحد وهو الحصول على أكبر عدد من المقاعد، فالطريق إلى الأصوات وكأنما أعمى البصيرة لديهم”.
الترحال السياسي أو “خطف السياسيين” الذي نشاهده في الأونة الأخيرة ربما قد أنعش بورصة “الانتقالات الصيفية” لدى الأحزاب، فالطمع في الاكتساح والحصول على مقعد تحت قبة البرلمان، بات يمارس دون أي اعتبار لمباديء تخليق الحياة السياسية، ويسيء إلى قواعد هذه اللعبة، التي تقتضي الالتزام بالصدق والنزاهة.