أحمد عطاف

“لا حدث” عرض الوساطة الجزائري بين المغرب والبوليساريو!

بقلم: هيثم شلبي

في إطار تخبط الدبلوماسية الجزائرية تجاه التعامل مع القرار الأممي الأخير رقم 2797، في ظل وقوعها بين ناري إغضاب الولايات المتحدة، وإغضاب رأس النظام الجنرال شنقريحة، خرج الوزير أحمد عطاف خلال الساعات الماضية بعرض يجمع ما بين “الطرافة والسخافة” في آن، يعبر فيه عن “كرم” النظام الجزائري الذي “لن يبخل في تقديم الدعم لأي مبادرة وساطة بين المغرب والبوليساريو”، متجاوزا حقيقة أن من يستمعون خطابه لا يقتصر على موظفيه الجالسين أمامه في قاعة وزارة الخارجية، الذين لا يجرؤ أي منهم على إيقافه وتصحيح عشرات المغالطات التي تفوه بها؛ وليسوا وكلاءه في النزاع من أفراد عصابة البوليساريو الذين لا يملكون سوى ترديد عبارة “سمعا وطاعة”، بل إن خطابه يفترض أنه موجه لطرف آخر هو السلطات المغربية التي تملك حق الرد على “عرض الجزائر السخي” بالطريقة التي تراها مناسبة. فهل كان العرض الجزائري سخيا فعلا؟ وما الذي دعانا لوصفه بالمزيج بين الطرافة والسخافة؟!

بداية، وفي نظرة سريعة للسياق، فإن عرض الوساطة الجزائرية أتى بعد أن أكد عطاف قبل ذلك مباشرة بأن المغرب لم يحقق أيا من مطالبه في القرار 2797، وأنه ليس هناك ما يمكن أن يسبب اعتراض البوليساريو على القرار، لأنه -أي القرار- قد حافظ على الحل الأممي في صيغته المألوفة في الجمعية العامة ولجنة تصفية الاستعمار (لجنة 24) ناهيك عن قرارات مجلس الأمن، وأن جميع الخيارات المتعلقة بحل هذه القضية لا تزال متاحة ومطروحة، بما فيها “خيار الاستفتاء والاستقلال عن المغرب”، وهو ما يفهم ضمنا من إصراره على كلمة “جميع” لوصف الخيارات التي تؤطر الاجتماعات المقبلة تحت رعاية دي مستورا، وكذا قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالقضية، والتي تبلغ العشرات، وهي مغالطات وتدليس لا يستحق حتى الرد عليه بجملة واحدة. وهكذا، وفي إطار “الفهم الجزائري” للقرار 2797، والتطورات الأخيرة التي لا يعلمها سوى الوزير عطاف، أتى العرض الجزائري بدعم الوساطة (وليس القيام بوساطة، من الناحية اللغوية على الأقل) التي لا ندري من سيقوم بها، باستثناء الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي مستورا، إن كان يصح أصلا وصف ما يقوم به “بالوساطة”!

إن إطار الحل الوحيد، والواضح، والمحدد في جميع القرارات الأممية التي يحتفي بها عطاف، هو المفاوضات المباشرة التي ترعاها الأمم المتحدة عبر الممثل الشخصي للأمين العام، بين أطراف النزاع: المغرب، البوليساريو، الجزائر، وموريتانيا؛ وكل محاولة لطرح بديل لهذا الإطار محكومة بالفشل مسبقا، وقد سبق إثبات فشلها عبر عجز الجزائر عن منح أي دور للاتحاد الأفريقي في جهود حل هذا النزاع المفتعل. وعليه، فأي حديث عن وساطة من أي جهة، ترفضه الأمم المتحدة قبل المملكة المغربية، لأن الحل النهائي يجب أن يحمل “ختم وطابع” الأمم المتحدة لاعتماده نهائيا. فما هي إذا الوساطة التي يبشرنا عطاف بأن بلاده مستعدة لدعمها؟!

أما إذا كان ما يقصده عطاف دون أن يعبر عن ذلك صراحة، هي المحادثات التي يفترض أن يرعاها دي مستورا، فهي من جهة لا تعتبر وساطة بين طرفين، بل مفاوضات تأتي تنفيذا لقرارات أعلى هيئة في الأمم المتحدة، مجلس الأمن؛ ومن جهة أخرى، لا يمكن اعتبار الجزائر وسيطا فيها، بعد أن كانت طرفا في النزاع منذ نصف قرن، بل إنها من افتعلته. لهذه الأسباب يمكن اعتبار العرض الجزائري “طريفا”!

أما ما يجعلنا نصفه “بالسخيف” فيرجع إلى كون عرض الدعم الجزائري للوساطة غير المطروحة “مشروطا” بأن تكون الوساطة في الإطار الأممي! وأن تحتكم إلى ثوابت الحل الدائم والعادل حسب الفهم الجزائري! بكلام أوضح، أن يلبي شرط تقرير المصير عبر استفتاء أممي يكون الاستقلال أحد خياراته، كما تعبر عن ذلك الجزائر في كل مناسبة وعبر مختلف مسؤوليها. وتأكيدا لسخف وتهافت العرض الدبلوماسي الجزائري، فقد بدا عطاف مثيرا للشفقة وهو يحاول “التذاكي” عبر استخدام عبارة “جميع قرارات مجلس الأمن” ضمن شروط المبادرة التي يمكن لبلاده أن تدعمها، جاهلا أو متجاهلا أنه يستحيل من النواحي المنطقية والإجرائية والسياسية والقانونية أن ينسجم حل النزاع المفتعل مع جميع القرارات الأممية، التي تصدر بخصوص النزاع منذ 1975، أو على الأقل منذ مخطط التسوية عام 1991؛ فالاستفتاء الذي تحدث عنه المخطط في ذلك العام، وأسس لتشكيل بعثة المينورسو، انتهى الحديث عنه أمميا في 2003، ولم يذكر بكلمة واحدة بعد تقديم المقترح المغربي للحكم الذاتي عام 2007، بعد أن تم استبداله بعبارات “حل واقعي وتوافقي متفاوض عليه”، إلى حين صدور القرار 2797 الذي تحدث صراحة عن مفاوضات حول مقترح الحكم الذاتي برعاية الأمم المتحدة. إن الطبيعة التراكمية والتطورية للقرارات الأممية، تجعل كل قرار يجبّ ما قبله، مع التأكيد على بعض العناصر والعبارات الواردة في القرارات التي سبقته، الأمر الذي يعني بوضوح، أنه لا مجال للحديث بعد اليوم عن “جميع” قرارات مجلس الأمن، بل فقط عن القرار 2797 وما يليه -لا ما سبقه- من قرارات!

إذا ما الذي يدعو الدبلوماسية الجزائرية ورئيسها عطاف إلى تقديم هذه المبادرة “الميتة” الخالية من المعنى والجدوى؟! ربما هي جملة أسباب نكتفي بالإشارة إلى أهمها. أول هذه الأسباب هي التأكيد لصاحب الشأن (الجنرال شنقريحة) أن الجزائر لم تهزم في مجلس الأمن، وأن النزاع المفتعل لم ينته ولا هو في طور الانتهاء، وأنه لا شيء تغير على صعيد النزاع دوليا، وهي مغالطات تعتمد على حجم الفهم والإدراك المحدود للجنرال الثمانيني، الذي لا يسمع سوى ما يريد سماعه. ثاني هذه الأسباب محاولة إيجاد “قصة” تنشغل بها وسائل الإعلام المحلية والدولية، وتحرف الأنظار عن الورطة التي يجد النظام الجزائري نفسه فيها، ما بين القبول والرفض “المستحيلين” للجلوس إلى طاولة المفاوضات حول الحكم الذاتي مع المغرب والبوليساريو وموريتانيا. ثالث الأسباب هي محاولة إعطاء انطباع “مخادع” حول ترحيب النظام الجزائري بالجهود الدبلوماسية، بعد أن حشرت الأيادي الممدودة للعاهل المغربي الملك محمد السادس نظام الجنرالات في الزاوية، وأسهمت بشكل كبير في إحداث تحول مدهش على صعيد الرأي العام الدولي والمواقف الدولية من مغربية الصحراء.

ختاما، لا يمكن ل “لا حدث” الدعم الجزائري المفترض لجهود وساطة غير مطروحة بين المغرب والبوليساريو أن تخرج النظام من مآزقه الحالية، وإن كان العرض الجزائري هو طريقة “ملتوية” لعرض النظام الجزائري “بيع” ورقة البوليساريو للمغرب مقابل ثمن يتفقان عليه، فقد كان أولى أن يقال ذلك بطريقة أوضح، بدل محاولة التذاكي اللفظي المكشوفة. وأيا كان الدافع للعرض الجزائري “الافتراضي”، فقد جاء -كما يقول المثل الإنجليزي-: صغير جدا، ومتأخر جدا Too little, Too late!!

اقرأ أيضا

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

محكوم عليه في الجزائر بـ7 سننوات سجنا.. الصحافي الفرنسي غليز أمام محكمة الاستئناف

من المقرر أن يمثل الصحافي الفرنسي كريستوف غليز، اليوم الأربعاء، أمام محكمة الاستئناف بمدينة تيزي وزو، الواقعة نحو 100 كلم إلى شرق العاصمة الجزائرية،

الجزائر وإسبانيا

رغم تشبتها بموقفها من مغربية الصحراء.. زيارة محتملة لتبون لإسبانيا

يكثف النظام العسكري الحاكم في الجارة الشرقية، الذي يعيش عزلة في جواره ومحيطه الأفريقي وأزمة دبلوماسية مع فرنسا، خلال الآونة الأخيرة، جهوده للمصالحة مع إسبانيا،

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

مسجون ظلما في الجزائر.. دفاع الصحافي الفرنسي غليز يأمل بـ”نتيجة إيجابية” في الاستئناف

ينظر قضاء عصابة قصر المرادية، يوم غد الأربعاء، استئنافيا في ملف الصحافي الرياضي كريستوف غليز المحكوم عليه بسبع سنوات سجنا في الجزائر، في قرار مجحف بحق مراسل مهني ومتمرس في السجن بالجزائر،