الجزائر والصومال

على هامش استقبال الرئيس الصومالي.. هل يستطيع النظام الجزائري مواجهة المغرب أفريقيا؟

بقلم: هيثم شلبي

فرض السؤال الوارد في العنوان أعلاه نفسه على متابعي الشأن الجزائري، انسجاما مع “الاستغراب” الذي أحاط بزيارة الرئيس الصومالي للجزائر، مباشرة في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن 2797 الذي يعتمد مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية أساسا لحل النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء. هذا الاستقبال، وبدل أن يسهم في نفي معاناة النظام العسكري من العزلة الدبلوماسية عربيا وإسلاميا ودوليا، قدم دليلا ملموسا على هذه العزلة، حيث لا تربط الجزائر بالصومال أي علاقات تاريخية معروفة، ناهيك عن كون الميزان التجاري بين البلدين لا يتجاوز صفر دولار!!! الأمر الذي يدلل على ان النظام كان بحاجة إلى زيارة أي ضيف أجنبي للبلاد، ونقصد أي ضيف حرفيا. أما لماذا وقع الاختيار على الصومال، فجل ما في الأمر أن عضويتها في مجلس الأمن ستستمر عاما كاملا (2026) بعد مغادرة الجزائر. لكن ما يقلل من أهمية الخطوة الجزائرية، أن رهانها على تقديم الصومال لأي مساهمة تذكر للتشويش على مقترح الحكم الذاتي داخل مجلس الأمن، هو أمر محسوم باستحالته منذ اللحظة، فالصومال واحدة من الدول الأفريقية القليلة التي لم تعترف بالبوليساريو في أي يوم من الأيام، وعليه، فهي تحتفظ بعلاقات متينة مع المملكة المغربية، ويصعب تصور قدرة الجزائر على التأثير سلبا على هذه العلاقة، لاسيما إذا كان الثمن هو منح الطلبة الصوماليين 100 منحة دراسية، مع بضعة بروتوكولات تعاون في مجالات الفلاحة والمحروقات والصحة والصيد البحري، مع إعفاء حملة الجوازات الدبلوماسية في البلدين من التأشيرة عند تبادل الزيارات، وهي الحالة النادرة على كل حال.

لقد شهدت السنوات الست الماضية، منذ تسلم الثنائي شنقريحة/ تبون مقاليد الحكم في الجزائر، محاولات يائسة -وبائسة في آن- من أجل محاولة اللحاق بالمغرب على الصعيد الأفريقي، دون أن يمتلك النظام الجزائري الرؤية أو الأدوات التي تؤهله لمثل هذه المنافسة، ناهيك عن محاولة اللحاق. فالوجود والتأثير المغربي في الغرب الأفريقي هو وجود تاريخي يرجع إلى قرون عديدة، أما تواجده بمنطقة الساحل فمبني على رؤية ملكية تجسدت في مشروع ربط هذه الدول بالمحيط الأطلسي، في الوقت الذي توجد فيه الجزائر في موقع العداء المعلن لهذه الدول، بل ودعم الحركات الانفصالية والإرهابية فيها، كوسيلة ضغط مكشوف. وحتى إذا اتخذنا دعم البوليساريو، :وتفهم” الموقف الجزائري المعاند للوحدة الترابية المغربية كمعيار، فإن الدول التي لا تزال تجاهر بمواقف عدائية تجاه المغرب لا تتجاوز السبعة (تصبح خمسة إذا استثنينا موزمبيق وبوتسوانا التي يتسرب الدفء إلى علاقتهما بالمغرب) تتركز كلها في جنوب القارة الأفريقية، بتأثير مباشر من دولة جنوب أفريقيا، بعد أن اختارت باقي دول القارة إما دعم الموقف المغربي صراحة؛ أو التدعيم الهادئ للعلاقات الاقتصادية مع المغرب، مع تجميد عملي لاعترافها بالبوليساريو دون سحبه؛ أو اتخاذ موقف الحياد المعلن خلف الرؤية الأممية التي يقودها مجلس الأمن، وهو الموقف الذي لا ندري كيف سيتطور بعد صدور القرار 2797.

إن أكبر الأخطاء الاستراتيجية للنظام العسكري في الجزائر في منافسته للمغرب، كان في وضعه النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء معيارا للحسم في نتيجة هذا التنافس، وشرطا أساسيا لتحديد عمق علاقاتها مع دول القارة الأفريقية، وفق معادلة صفرية، وذلك استنادا إلى معطيات -غير محيّنة- تعود إلى منتصف الثمانينات التي كان عدد المعترفين بالبوليساريو يتجاوز 85 دولة. وهكذا أصبح كل نظام أفريقي يسحب اعترافه بالبوليساريو خصما أوتوماتيكيا للجزائر، بينما تدخل الدول التي افتتحت قنصليات في العيون أو الداخلة في خانة أعداء الجزائر، حتى لو احتفظت معها بعلاقات دبلوماسية. من هنا نفهم مأزق الجزائر الذي يضطرها يائسة للتغزل بالصومال، حيث أن العضوين الآخرين الممثلين للقارة، واللذان سينضمان إلى مجلس الأمن عن العامين 2026 و 2027 بدلا من الجزائر وسيراليون هما بوركينا فاسو  وغينيا الاستوائية، وكلاهما دولتان يمتلكان قنصليات في مدينة الداخلة!

لكن، بعيدا عن الموقف من البوليساريو ووحدة المغرب الترابية، والتي حسمت عبر قرار مجلس الامن الأخير، يبقى التساؤل قائما: هل توجد لدى النظام الجزائري أي أوهام حول قدرته على اللحاق بالمغرب، ناهيك عن منافسته، في ساحة الفعل والتأثير في القارة الأفريقية، وذلك بغية إضعاف حظوظه في نيل مقعد العضوية الدائمة لمجلس الأمن، عند أي إصلاح مرتقب للمنظومة الأممية؟! الجواب البسيط هو “لا” قاطعة. فلماذا إذا يتكبد النظام عناء خوض غمار منافسة يوقن أنها خاسرة منذ البداية؟!

أولى الإجابات البسيطة تقول بأن السبب يرجع إلى تحول العداء للمغرب في حقبة شنقريحة/ تبون إلى عقيدة، وليس مجرد مبدأ حاكم في الدبلوماسية الجزائرية. بمعنى أنه ومهما كانت الدواعي، لا يمكن التفكير في أي أمر يمكنه تخفيف الاحتقان في العلاقة مع المغرب ناهيك عن تحسينها، حتى لو كانت الهزائم التي يعرف النظام يقينا أنه سيتعرض إليها في خضم هذه المنافسة، سببا في تأزيم وضعية النظام أكثر!! بكلام أوضح: عداء النظام الجزائري الحالي للمغرب لا يخضع لا لمنطق عقلاني ولا دبلوماسي ولا مصلحي، ولا يحكمه أي منطق من أي نوع!

ثاني الإجابات تقول بأن النظام الجزائري يدرك يقينا بأن العد العكسي لنهايته قد بدأ، وبالتالي فإن حالة العداء المعلن مع المغرب تفيده جدا في تضخيم الحسابات البنكية لجنرالاته ومسؤوليه المتنفذين، والمتأتية عبر سمسرة صفقات السلاح، وكذا آليات الفساد التي تتيحها أموال الصناديق السوداء -البعيدة عن الرقابة- التي تقدم الرشاوى للدول والمسؤولين لشراء المواقف المعاكسة للمغرب؛ ناهيك عن المداخيل المالية الهامة المتأتية عبر الفساد التقليدي المرتبط بالدعم المقدم للبوليساريو. فالتهدئة في هذه الحالة، ستشكل عنصر تعطيل لهذه الموارد المالية، وهو آخر ما يحتاجه الممسكون بزمام الأمور في الجزائر.

كخلاصة، فإن الدولة الجزائرية الرسمية لا تملك فرصة للتأثير على أفريقيا نظرا لأن علاقاتها التجارية مع القارة لا تشكل سوى أقل من 5% على صعيد الصادرات (83% منها إلى تونس وجنوب أفريقيا وساحل العاج) وأقل من 4.5% من الواردات (88% منها من مصر وموريتانيا وتونس)؛ أما القطاع الخاص الجزائري، وبعيدا عن الدعاية الرسمية الغبية التي تركز على حجم صوناتراك، فهو معاق ومكبل بعشرات القيود المألوفة في الأنظمة الشمولية المركزية، ويصعب تصور قدرته على منافسات الاقتصادات الحرة المتطورة؛ أما وسيلة التأثير الوحيدة المتبقية، والمعتمدة على أدبيات “مكة الثوار” من قبيل مساندة حركات التحرر وحق الشعوب في تقرير المصير، فهي مادة لا تصلح إلا لقصص حكايات قبل النوم. وهكذا، فمع استمرار وجود هذا النظام، فإن فرص التأثير المتاحة للدولة الجزائرية أفريقيا تكاد تكون معدومة، ولعل الاختبار الحاسم سيكون لحظة طرد “جمهورية تندوف” من أروقة الاتحاد الأفريقي، وهي اللحظة التي ستأتي أقرب مما يعتقد النظام وأبواقه!

اقرأ أيضا

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

محكوم عليه في الجزائر بـ7 سننوات سجنا.. الصحافي الفرنسي غليز أمام محكمة الاستئناف

من المقرر أن يمثل الصحافي الفرنسي كريستوف غليز، اليوم الأربعاء، أمام محكمة الاستئناف بمدينة تيزي وزو، الواقعة نحو 100 كلم إلى شرق العاصمة الجزائرية،

الجزائر وإسبانيا

رغم تشبتها بموقفها من مغربية الصحراء.. زيارة محتملة لتبون لإسبانيا

يكثف النظام العسكري الحاكم في الجارة الشرقية، الذي يعيش عزلة في جواره ومحيطه الأفريقي وأزمة دبلوماسية مع فرنسا، خلال الآونة الأخيرة، جهوده للمصالحة مع إسبانيا،

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

مسجون ظلما في الجزائر.. دفاع الصحافي الفرنسي غليز يأمل بـ”نتيجة إيجابية” في الاستئناف

ينظر قضاء عصابة قصر المرادية، يوم غد الأربعاء، استئنافيا في ملف الصحافي الرياضي كريستوف غليز المحكوم عليه بسبع سنوات سجنا في الجزائر، في قرار مجحف بحق مراسل مهني ومتمرس في السجن بالجزائر،