بقلم: هيثم شلبي
حادث مؤسف شهده الملعب الأكبر في الجزائر “5 جويلية” بسبب انهيار حاجز حديدي في الطابق الثاني، مما أدى لسقوط قرابة 85 من مشجعي نادي مولودية الجزائر العاصمة إلى المدرجات السفلية، مما أسفر عن 3 ضحايا وأزيد من 81 جريحا متفاوتي الإصابات.
وبعيدا عن الخوض في الأسباب المادية لهذا الحادث المأساوي، والجدل الدائر في الجزائر حول المسؤولية عنه، وما يجب ان يترتب على ذلك من جزاءات ومحاسبة، لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من قراءة مقارنة، على المستوى الرمزي، بين واقع الحال -وليس فقط البنية التحتية-، بين الجارين المغاربيين: الجزائر والمغرب، لاسيما مع إصرار النظام الجزائري وإعلامه على عقد مقارنات دائمة بين البلدين، حتى في المجالات التي لا تستقيم فيها المقارنة.
فلو بدأنا من رمزية اسم الملعب “5 جويلية 1962″، والتي تحيل على تاريخ الاستقلال “المفترض” للجزائر عن مستعمرها الفرنسي، فإن أول ما يلفت الانتباه في الحادث، هو حاجة هذا الاستقلال “المفترض” إلى الترميم، ماديا ورمزيا. ورغم أن الملعب الذي بني نهاية القرن الماضي (1999)، والعمليات الترميمية الأربع التي شهدها أعوام 2003، 2008، 2015، و2017، فقد بين الحادث أنها كانت مجرد عمليات “ترقيع”، دون أن يطال الترميم عمق المشاكل التي يعاني منها الملعب، ورمزيا، البلد المستقل! فقد أوضحت الصور المتداولة أن الحاجز الحديدي لم يشهد أي ترميم، وأنه عبارة عن قضبان حديدية هشة، متآكلة بفعل الصدأ، من المنطقي توقع تهاويها عند أدنى عملية تدافع.
ولو وسعنا الرؤية ونظرنا إلى البنية التحتية المشابهة التي تعتبرها الدعاية الجزائرية “درة التاج”، فهي تكاد تقتصر على أربعة ملاعب مغطاة، حديثة البناء، بسعة تكاد تكون متشابهة في حدود 40 ألف مقعد. الحديث هنا عن ملعبين في العاصمة الجزائرية: نلسون مانديلا وعلي عمار؛ وملعب في وهران: ميلود هدفي؛ وملعب في تيزي وزو: الحسين أيت أحمد.
البحث الدقيق في هذه المرافق، بعيدا عن دعاية النظام، تفضحها تصريحات طرفين مختلفين، الأول هو المدرب السابق للمنتخب الجزائري جمال بلماضي، الذي صرح بشكل لا لبس فيه أنه لا يوجد ملعب واحد في الجزائر بمواصفات دولية، يمكنه احتضان التدريبات الإعدادية للمنتخب، الأمر الذي دفعه لإجراء تربص إعدادي لمنتخبه في.. تونس!! أما التصريح الآخر، فكان للشركة الألمانية التي كلفها الاتحاد الأفريقي لكرة القدم بفحص ملاعب الدول المرشحة لاحتضان كأس أفريقيا 2025، عندما قررت بشكل مهني محترف ومستقل، بأنه لا يوجد في الجزائر ملعب واحد يخلو من النقائص، بالمواصفات الدولية.
كلا التصريحين أثارا ضجة لم تهدأ، كلفت الأول منصبه في المنتخب، وجعلت الثانية في قفص الاتهام بمحاباة الجامعة الملكية لكرة القدم ورئيسها فوزي لقجع. لكن النتيجة الصارخة التي لا يزال النظام الجزائري وإعلامه يكابرون في قبولها: لا يكفي القول بأن ملعب ما موافق للمواصفات الدولية لمجرد أن “شكل” عشبه يبدو جيدا، وإغفال أهمية جودة المرافق (غرف الملابس، دورات المياه، البوابات التي تضمن سلاسة الدخول والخروج، الخ)؛ بكلام أوضح: لا يكفي أن يروج النظام لجودة بنيته التحتية ماديا، في الرياضة وغيرها، واعتبار كل حديث عن النقائص “مؤامرة مغربية”، مثلما لا يكفي أن يستمر الإعلام الجزائري في الحديث “رمزيا” عن “الجزائر الجديدة” و”قوتها الضاربة”، في الوقت الذي يؤكد “الواقع” أن هذه الصورة مليئة بالنواقص والاختلالات!
هذه المفارقة الصارخة بين الواقع الدعائي للاقتصاد الجزائري، للجيش الجزائري، للدور الدبلوماسي، للتماسك الاجتماعي، وبين الحقائق على الأرض في جميع هذه المجالات وغيرها، والتي هي على نقيض هذه الصورة الوردية، ستجعل الجزائر مرشحة لمزيد من التدهور المتسارع في جميع المجالات، والفضائح المتوالية التي تكشف زيف هذه الادعاءات بين الحين والآخر.
بالانتقال إلى الجانب المقابل، أي في المملكة المغربية، فماذا نجد؟ أن السلطات المغربية، واعترافا منها بوجود اختلالات ونقائص في هذا القطاع أو ذاك، فإنها قررت أن تواجهه بشجاعة، وتعمل بنفس طويل، وبطريقة علمية مدروسة، على تغيير هذا الواقع بغية “تحسينه” جذريا، وليس مجرد “تجميله” مؤقتا، كما هو حاصل عند جيران الشرق.
وعلى سبيل المثال، فلو نظرنا إلى البنية التحتية الرياضية، ميز المغرب بين تحديث بعض الملاعب: محمد الخامس، فاس، مراكش، أكادير، طنجة، بطريقة جذرية متدرجة، وهدم وإعادة بناء ملاعب أخرى من الصفر كما هو حاصل في ملاعب العاصمة الرباط: مولاي عبد الله، الملعب الأولمبي، ملعب مولاي الحسن، وملعب البريد. بل وبناء أكبر ملعب في العالم بسعة تتجاوز 115 ألف مقعد في بنسليمان.
هذا التنوع في الاستراتيجيات، والسعات، أهل المغرب لنيل الإجماع على أحقيته في احتضان كأس أمم أفريقيا في 2025، بل وحتى شرف تنظيم كأس العالم 2030، بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال. وهنا، وإن صدقنا الدعاية الجزائرية بأن احتضان كأس أفريقيا كان بسبب “كولسات فوزي لقجع”، فماذا نقول عن احتضان الكأس العالمية بتزكية غالبية دول العالم؟ هل قدم المغرب رشاوى لكل هذه الدول؟ وهل يملك المغرب موارد مالية أكثر من الجزائر لنيل التزكية بهذه الطريقة؟!
نفس الأمر ينطبق على “تحسين” وليس مجرد “تجميل” الواقع الاقتصادي، والذي أهل المملكة لاحتلال الصدارة أفريقيا وإقليميا، عبر الطفرة التصنيعية في ميادين السيارات والطائرات والبنية التحتية المينائية والطرقية والسككية، واقتحام مجالات تصنيع الرقائق، بطاريات السيارات، الأدوية واللقاحات، الأسمدة، تحلية المياه، الهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة، وغيرها، وهو ما تكرس بالانتشار غير المسبوق للقطاع الخاص المغربي في أكثر من ثلثي دول القارة الأفريقية، حيث تتحول المغرب لتصبح “الرقم الصعب” في المعادلة الدولية الأفريقية!
إن الفرق الجوهري بين مقاربات سلطات البلدين الجارين تكمن في العمق في فلسفة العمل فيهما. فالجزائر التي تدرك عجزها عن تحقيق اختراقات واقعية داخليا وخارجيا، تلجأ إلى التجميل الدعائي للواقع، والتركيز على الدعاية الكاذبة والتلاعب بالأرقام والإحصائيات، بينما اختار المغرب أن يواجه الواقع ومشاكله المعقدة، في ظل محدودية الموارد المالية، والعمل بشكل تراكمي متدرج لاحتلال المكانة التي تحتلها حاليا، وهي مكانة “الرائد”، دون صخب الحديث عن “قوتها الضاربة” الإقليمية والقارية!
كخلاصة، فحادثة ملعب 5 جويلية، وفي الوقت الذي تكشف حاجة “استقلال” الجزائر إلى عملية تحديث، بل إعادة بناء جذرية، تطال مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية، قبل التفكير في التمدد خارج حدودها؛ فإنها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، صوابية الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المغربية، والتي تقطف الآن ثمار البذور التي زرعتها خلال القرن الحالي، وفي بعض المجالات، ما زرعته منذ الاستقلال.
لذا، فللمغرب وشعبها كل الحق في النظر إلى المستقبل بثقة وثبات، بينما يوجد لدى النظام الجزائري كل المبررات للنظر إلى هذا المستقبل بشك وتشاؤم، مهما بالغ إعلامه الدعائي في إظهار العكس!!
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير