بقلم: هيثم شلبي
بشكل منسق لا يخلو من دلالة، تناقل طيف واسع من “الإسلامويين” و”القومجيين” تدوينات منسوبة للدكتورة آلاء النجار، التي فقدت زوجها وتسعة من أبنائها في هجوم إسرائيلي على منزلهم في قطاع غزة.
تدوينات نسبت للدكتورة الفلسطينية إدانة لتكريم مفترض للقوات المسلحة الملكية المغربية لقائد سلاح الجو الإسرائيلي الذي اعتبرته الدكتورة مسؤولا مباشرا عن قصف منزل عائلتها في قطاع غزة؛ لتتناسل سلسلة من إعادة النشر والتعليقات على التدوينة المذكورة، حاملة الإدانة لما تسميه “تطبيعا” مغربيا مع الكيان الصهيوني.
ولأن المواقف “مسبقة التعليب” كانت جاهزة للإطلاق بعد تدوينة الدكتورة آلاء، فلم تمر دقائق على التدوينة المذكورة حتى بدأت التعليقات عليها، بشكل يوحي بأن المعلقين هم من جمهور الدكتورة الفلسطينية ومتابعي حسابها المفترض على الفيس بوك!! تدوينات مغرضة لم يكلف أي من أصحابها نفسه في البحث لدقائق في صحة نسبة الحساب للدكتورة آلاء النجار أولا، وفي صحة ما كتب في التدوينة ثانيا، وفي صحة الخبر نفسه حول التكريم المغربي المزعوم للجنرال الإسرائيلي قبل هذا كله. عدم البحث ومحاولة التحقق من الموضوع، لمعرفة الإجابة على الأسئلة السابقة، يثبت بما لا يدع مجالا للشك في أن النية كانت مبيتة سلفا لهذا الهجوم المنسق، دون الحاجة للتثبت من الموضوع برمته.
وكعينة من هذا الهجوم المنسق، يمكن الاكتفاء بثلاثة نماذج من أصحاب هذه التعليقات، والتي يفترض أنها تجمع طيفا واسعا لا علاقة له ببعضه البعض، وإن كانت هذه الفرضية تحتاج بدورها لمزيد من البحث، لن يكون هدف هذا المقال، حاليا على الأقل. الردود المقصودة ستتطرق إلى تعليقات كل من المدعو عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم الجزائرية، ومحمد العربي زيتوت، “المعارض” الجزائري، رئيس حركة “رشاد” المقيم في المملكة المتحدة، والصحفي الفلسطيني العامل في قناة الجزيرة القطرية جمال ريان؛ دون التطرق لأصوات أخرى اتخذت من التهجم على المغرب بحجة التطبيع، “سبوبة” (على رأي إخواننا المصريين) تتيح لهم الاسترزاق من أموال النظام الجزائري “المناضل”!!
والبداية مع مقري، أحد “أزلام” الجنرال توفيق، الذي ينتسب للإسلام السياسي، ومعارضة النظام الجزائري زورا وبهتانا! فتاريخ الرجل وحركته منذ تأسيسها على يد الشيخ محفوظ نحناح، لم يعترف جزائري حر بأنها تمثل الإسلام أو تنتمي للمعارضة يوما.
مقري بدأ تعليقه بالتباكي على “الأخوة الدينية” والجوار والتاريخ المشترك مع المغاربة، مطالبا إياهم “بمقاومة الخيانة العظمى التي يقوم بها نظامهم”، معتبرا أن مسيراتهم الشعبية المناهضة للتطبيع، التي لم يسمح نظامهم “المناضل” حتى لعشرة جزائريين بالقيام بمثلها نصرة لفلسطين وأهلها، لم تعد كافية. وردد مقري التساؤل المنسوب للدكتورة آلاء النجار في تدوينتها المذكورة “كيف لبلد عربي مسلم أن يكرم من قتل أطفالها وأكثر من 65 ألف فلسطيني”، وهي اللازمة التي تكررت في تعليقات الجوقة التي ركبت على تدوينة الدكتورة المكلومة، دون تحقق من أي من أسئلتنا السابقة.
بعده بساعات تبعه المدعو العربي زيتوت بترديد نفس الادعاء، وتكرار نفس التهجم، دون أن تستوقفه حتى ركاكة اللغة التي كتبت بها التدوينة المنسوبة للدكتورة الفلسطينية، وهو ما بدا واضحا عند ارتباكه في قراءة عبارة “واحسافة” الواردة في التدوينة المنسوبة للدكتورة آلاء، معتبرا أنها إما أن تكون “خطأ مطبعيا” أو أن كلمة “حسافة” هي عبارة باللهجة الفلسطينية!! ولو فكر لثوان لاكتشف دون كبير عناء، بأن الكلمة هي مفردة خليجية لا يستخدمها أي من بلاد الشام، ناهيك عن الفلسطينيين!!
نفس الأمر تكرر مع الصحفي جمال ريان، الذي اعتاد على الخرجات التي يهاجم فيها المغرب، مثله مثل المدعو عبد الباري عطوان، دون أن يملك أي منهما ما يدقع به ارتباطه بالجوقة الإعلامية للنظام الجزائري وذبابه الإلكتروني! وقد كان ممكنا لريان، ولو من باب ذر الرماد في العيون، أن يعلق بكلمة إدانة أو استنكار واحدة على مشاركة سلاح الجو القطري في مناورات عسكرية في اليونان، إلى جانب سلاح الجو الإسرائيلي قبل التدوينة المزعومة بأقل من شهر (منتصف أبريل)!!
ورغم عدم اهتمام مهاجمي المغرب بالتحقق، فهم لم يكلفوا نفسهم حتى قراءة التوضيحات التي نشرها بعض النشطاء المغاربة والعرب والأجانب في الفضاء الإلكتروني، الذين أكدوا أولا بأن لا حسابات للدكتور آلاء النجار على الفيس بوك، وأن ما نشر باسمها هو من صنع “جهات أخرى” صاغت الجملة الركيكة على لسانها، ومن ضمنها عبارة “يا حسافة” التي لا تمت بصلة للهجة الفلسطينية من قريب أو بعيد؛ وأن حادثة التكريم المزعومة، ما هي إلا “تبادل تذكارات” بين قائد سلاح الجو المغربي ونظيره الإسرائيلي خلال زيارة الأخير للمغرب في فبراير 2023، أي قبل فجيعة الدكتورة الفلسطينية بأزيد من عامين وثلاثة أشهر!! أما التهجم المرتبط بالحادثة، والمتعلق بمشاركة إسرائيل في مناورات “الأسد الأفريقي” 2025 التي تشرف عليها الولايات المتحدة، فلا يعني المهاجمين للمغرب توضيح أنها تقتصر على مشاركة 12 فردا من الجيش الإسرائيلي، منهم ثلاثة صحفيين، كما أوضح الصحفي مراسل صحيفة “إلباييس” الإسبانية الذي غطى الحدث، وذلك من أصل 10 آلاف شاركوا في المناورات!!
إن الانتساب للإسلام أو الإعلام يحتم على أصحابه التحقق من صدق أي نبأ يأتي من “فاسق” حتى لا يصيبوا قوما بجهالة، وإن عودونا على أنهم لا يشعرون بأدنى حرج أو ندامة جراء أفعالهم هذه!! وما تجاهلهم لهذا التحقق إلا نفيا لصحة انتسابهم للإسلام أو الصحافة الرصينة.
كخلاصة، مهما اجتهدت الأطراف المرتبطة بالنظام الجزائري في التهجم على المغرب بحجة التطبيع مع الكيان الصهيوني أو غيرها من الحجج، فلن تستطيع التأثير على ثقة المغاربة بصدق دفاع “نظامهم” عن القضية الفلسطينية، ونصرة أهلها بما يملكون من أدوات، ولن ينجحوا في التغطية على الهامش الواسع الذي لا يماثله وضع عربي آخر، في السماح لمختلف التعبيرات الشعبية عن نصرتهم ومساندتهم لنضال إخوانهم الفلسطينيين، وإدانة أفعال المجرمين الصهاينة في قطاع غزة وباقي مناطق فلسطين.
وعليه، لا تنجح هذه المحاولات اليائسة والبائسة معا، سوى في زيادة تمسك المغاربة حكومة وشعبا بصواب مواقفهم الوطنية تجاه فلسطين وأهلها، بما فيها المواقف التي تعبر عن اختلاف بعضهم مع قرار حكومتهم بإقامة علاقة دبلوماسية مع إسرائيل.
أما استمرار هذا الذباب في التهجم على المغرب، فلا يعدو كونه تأكيدا على إفلاس هذه الأصوات “الإسلاموية” و”القومجية”!!