إسقاط مسيرة مالي يقرب النظام الجزائري من العزلة التامة!!

بقلم: هيثم شلبي

تضاربت الروايات في الساعات الأخيرة حول أسباب توتر علاقات الجزائر الدبلوماسية بمحيطها الجنوبي (مالي والنيجر وبوركينا فاسو)، وذلك على إثر إسقاط الجيش الجزائري طائرة مسيرة مالية، تركية الصنع من طراز أكنجي، فوق الأراضي المالية قرب بلدة تين زواتين. عملية قامت على إثرها دول كونفدرالية الساحل الثلاث -التي تحد الجزائر من الجنوب- بسحب سفرائها من الجزائر العاصمة، وهو ما ردت عليه الجزائر بالمثل. وبعيدا عن اللغط الدائر حول “حزم” القوات المسلحة الجزائرية أو “رعونتها”، فالنتيجة النهائية أن الجزائر تتجه لإقفال قرابة 2300 كلم من حدودها الجنوبية بالكامل (أزيد من 1300 كلم مع مالي، وأقل من 1000 كلم مع النيجر)، وإذا ما أضيفت إلى الحدود المغلقة مع المغرب منذ 1994 (تبلغ أزيد من 1700 كلم)، فإن الجزائر تقفل على نفسها قرابة 4000 كلم من حدودها البالغة 6500 كلم (ليتبقى قرابة 1000 كلم مع كل من تونس وليبيا، وأقل من 500 كلم مع موريتانيا). ويعتقد المراقبون أن جنرالات الجزائر لن يتوقفوا عند هذا الحد، فالتوترات المتلاحقة في علاقتهم مع جنرال ليبيا القوي خليفة حفتر، الذي يسيطر على معظم حدود بلاده مع الجزائر، وكذا مع موريتانيا (على الرغم من التصريحات الوردية التي لا تطابق الواقع) بسبب تحسن علاقتها المضطرد مع المغرب، من شانه أن يرفع طول حدود الجزائر المقفلة إلى 5500، ويبقي لها -ولو مؤقتا- النافذة التونسية التي يكاد يكون وجود الرئيس قيس سعيد ضمانتها الوحيدة! فهل بهذه النافذة يستطيع النظام الجزائري الاستمرار في تكرار أسطوانة القوة الضاربة الأفريقية؟!!

وبالعودة إلى الحدود المقفلة مع المغرب، وقريبة الإغلاق مع مالي والنيجر، فإن النقطة المشتركة بين هذه القضايا الثلاث هي في سلوك السلطات العسكرية الجزائرية، الداعم للجماعات الإرهابية والانفصالية، في المغرب ومنطقة الساحل، سواء منها الانفصالي (جبهة البوليساريو وحركات تحرير الأزواد) أو الجهادي (الجماعات المرتبطة بالقاعدة وداعش والنصرة)، وهي تنظيمات مصنفة جميعها ضمن لوائح الإرهاب الدولية. وتكمن المفارقة أن الجزائر تعلن عن مواقفها الداعمة للجماعات الانفصالية تحت شعار دعم التحرر وتقرير المصير، بينما تراوغ فيما يخص علاقتها مع بعض التنظيمات الجهادية المسلحة، والتي كان بعضها من صنيعة الجنرال محمد مدين (توفيق) وجهاز مخابراته الرهيب خلال العشرية السوداء، واستخدموا هذه التنظيمات، بشكل موثق، في قتل الآلاف من أبناء الشعب الجزائري نفسه، وهو ما يقود منطقيا إلى ترجيح تكرار نفس السلوك مع شعوب جوار الجزائر.

التوتر الحالي لعلاقة الجزائر مع دول جوارها الجنوبي، يقود إلى نتيجة واحدة: إقفال حدود الجزائر مع محيطها القاري، وتضاؤل أملها في امتلاك أي تأثير داخل الفضاء الغرب أفريقي، مع اقتصاره شمالا على تونس قيس سعيد. وضع لا يمكن بحال أن يعد انتصارا “للجزائر الجديدة” التي طبل لها وهلل النظام الذي قام على أنقاض الحراك الشعبي عام 2019.

النقطة الأخيرة التي أفاضت كأس صبر دول الساحل الثلاث على سلوك جنرالات الجزائر، كانت حادثة الطائرة التي أتت في منطقة تعتبر معقلا للحركات الانفصالية الأزوادية، التي تفتح لها أبواب قصر المرادية علنا، بحجة دعمها لاتفاق السلم الذي رعته الجزائر عام 2015 بين الحركات الانفصالية والحكومة المالية. وتبدو الرواية الجزائرية حول إسقاط الطائرة مثيرة لكثير من السخرية، حيث أكدت اختراق الطائرة لأجواء بلدة تين زواتين الجزائرية التي لا يفصلها عن بلدة تين زواتين المالية سوى 170 مترا!! فكيف أمكن للرادارات الجزائرية الادعاء بأن الطائرة توغلت لمسافة كيلومترين فوق أجواء البلدة الجزائرية، على الرغم من إسقاطها على مسافة تراوح العشرة كيلومترات.. داخل التراب المالي!! هل يحق للجزائر أن تعتبر انتهاكا مفترضا لطائرة مسيرة تقوم بمهمة استطلاعية، وعلى فرض أنها دخلت الحدود الجزائرية بضعة أمتار، مبررا لاستنفار قواتها لإسقاط الطائرة، ولا يحق لمالي أن تغضب لإسقاط طائرتها على بعد قرابة عشرة كيلومترات داخل أراضيها، بواسطة طائرات ميغ على الأغلب؟! هل شكلت طائرة الاستطلاع المالية خطرا داهما على المواطنين الجزائريين في تين زواتين، بينما لم يحمل القصف الحربي بالصواريخ الجزائرية خطرا يذكر على مواطني مالي القاطنين في نصف البلدة الآخر؟!  ولو علمنا أن أبعد نقطة من بلدة تين زواتين الجزائرية عن الحدود المالية (عرض البلدة) يتراوح بين 700 و 1000 متر، فهل يعتبر التشكيك المالي في رواية الجيش الجزائري حول توغل الطائرة المسيرة المالية مسافة كيلومترين داخل الأراضي الجزائرية مشروعا؟!

إن الاستمرار في لعبة الأسئلة يمكن أن يفتح بابا لا ينتهي للتشكيك في تفاصيل كل جملة تقولها السلطات الجزائرية، وكل رقم تقدمه، وما “أكاذيب” الرئيس تبون وإحصائياته التي تحولت إلى مادة للتندر من طرف المواطنين الجزائريين أنفسهم إلا خير دليل على انعدام مصداقية هذا النظام، ومعها انعدام فرصه في توسيع نفوذه غرب القارة السمراء، بعد أن عجز عن نفس المهمة شمال القارة وبين الدول العربية. أما أسطوانة دعم حركات التحرر المشروخة، والوقوف بجانب حق الشعوب في تقرير مصيرها، فلا يمكن لأي عاقل أن يقبلها عندما تقترن بإرسال قوات عسكرية لدعم طاغية كبشار الأسد، أو حركات إرهابية في الصحراء الكبرى، أو تقديم الدعم للحركات المسلحة شرق الكونغو الديمقراطية، فعن أي تحرر يتحدثون؟! ثم ما علاقة تجاوز مفترض لمسيرة استطلاعية أجواء بلدة حدودية نصفها في الجزائر ونصفها في مالي، بإغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطيران المدني المغادر من مالي والمتجه إليها؟! أليس هذا عقابا جماعيا لا يمكن وصف المسؤول عن إقراره سوى بـ “المجرم” أو “الأرعن”؟! أليس في مقدور المغرب وكونفدرالية الساحل اللتان تحيطان بالجزائر من جهة الغرب والجنوب اتخاذ قرارات مماثلة بإقفال مجالاتها الجوية في وجه الطيران القادم من أو المغادر إلى الجزائر، فكيف ستتصرف السلطات الجزائرية ساعتها؟! وكيف ستطير الطائرات الجزائرية إلى الوجهات الأفريقية جنوب الصحراء التي تجتهد السلطات الجزائرية يوميا في الترويج لها على أنها ستكون دليل القوة الجزائرية الضاربة؟! هل ستطير الطائرات الجزائرية باتجاه موريتانيا ثم تنحدر جنوبا إلى السنغال، قبل أن تتجه إلى وجهاتها الأفريقية؟ وهل إضافة هذه الآلاف من الأميال لتجنب أجواء دول الساحل، ستجعل أيا من هذه الخطوط مربحا؟!!

ختاما، فإن وصف سلوك سلطات الجزائر بالأرعن هو تعبير مخفف جدا عن الجرائم التي تمارسها في حق جوارها الغربي والجنوبي، والتي لن يترتب عليها سوى نتيجة يتيمة: العزلة التامة للنظام الجزائري، وانفضاض ما تبقى من تأثر على عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من الدول الأفريقية، وهو ما سيترجم أول ما سيترجم، عبر تكريس النفوذ الأفريقي للمغرب، وتدعيم وحدته الترابية، واندثار المرتزقة المرتبطين بالجزائر، وفي مرحلة تالية، استجلاب غضب قوى دولية معنية بالسيطرة على منطقة الساحل، وهو ما لا قبل للنظام الجزائري به، لأن أول تداعياته ستكون تصنيف الجزائر نفسها دولة راعية للإرهاب، وما ذلك بالاحتمال البعيد، رغم الدعاية الرسمية المتهافتة لنظام الجنرالات البائس، وهو ما سيقرب هذا النظام المارق من نهايته المحتومة!

اقرأ أيضا

0320

“خطير”.. أغنية قديمة تشعل أزمة جديدة بين حاتم عمور وعضو سابق في “أدرينالين”

اندلع خلاف جديد على الساحة الفنية، هذا الأسبوع، وذلك بعدما أدلى الفنان حاتم عمور بتصريحات …

000

بالفيديو.. أسامة رمزي يكشف سر نجاحه ويتحدث عن جديده الفني والكوميديا المغربية

يواصل الكوميدي المغربي أسامة رمزي حصد نجاحاته على خشبات المسارح، وقدم آخر عروضه بمراكش يوم …

وفد فرنسي يستكشف فرص الاستثمار بجهة الداخلة-وادي الذهب

حل وفد فرنسي بالداخلة، من أجل استكشاف فرص الأعمال بجهة الداخلة-وادي الذهب، وبحث سبل تعزيز …