بقلم: هيثم شلبي
لو تجاوزنا حالة الصخب التي أحيطت بانتخابات الاتحاد الأفريقي، وتحديدا في وسائل الإعلام الجزائرية، للتعمق أكثر في الدروس الأساسية التي برزت خلال الحدث، ستطالعنا عدة استنتاجات وخلاصات تحمل تناقضات ظاهرية متعددة. فالمغرب الذي انتصر في معركة اختيار حليفه محمد علي يوسف لرئاسة المفوضية، لم يتجاوز الجزائر التي خسرت معركة رايلا أودينغا كمفوض، وربحت منصب نائبة المفوض أمام خصمها المغرب. فأي البلدين، والحالة هذه، أكبر تأثيرا داخل الاتحاد الأفريقي؟ ويقودنا هذا التساؤل إلى آخر أهم: ما هي حظوظ المغرب في جمع الأصوات اللازمة لتعديل ميثاق الاتحاد الأفريقي، وبالتالي طرد “جمهورية تندوف”، ومدى قدرة الجزائر على توفير الأصوات اللازمة لإفشال هذه المحاولة؟ وذلك من واقع أنماط التصويت التي ظهرت أخيرا!
بداية، من المفيد الإشارة إلى تعليق عضوية 6 دول أفريقية بسبب أنها شهدت انقلابات عسكرية هي: السودان، وغينيا، والغابون، ومالي، والنيجر، وبوركينافاسو، وكلها دول مقربة من المغرب، على الرغم من عدم سحب مالي لاعترافها بالبوليساريو.
هذا الأمر، جعل أغلبية الثلثين التي من شأنها إقرار أي قضية داخل الاتحاد محددة في 33 صوتا من أصل 49 صوتا؛ بينما لو رفع الحظر عن هذه الدول المؤيدة للمغرب سيصبح النصاب 37 صوتا من أصل 55 صوتا. هذه الأغلبية هي التي أهلت محمد علي يوسف ومليكة حدادي لتبوؤ منصبيهما في مفوضية الاتحاد الأفريقي. فهل هناك فرصة قوية للمغرب في جمع هذه الأصوات اللازمة لطرد البوليساريو؟ وكيف سيتعامل جنرالات الجزائر مع هذا الحدث عندما يحين أوانه؟
ولأن التصويت داخل الاتحاد هو بطبيعته سري، فإننا نلجأ إلى وسائل استقراء وترجيح من أجل استشراف عملية تأمين الأصوات اللازمة لطرد البوليساريو. وهنا، نسترجع عدد الدول التي أيدت عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، والذي بلغ 39 دولة (مقابل معارضة عشرة فقط، وامتناع أربع دول عن التصويت)، بينما لم يؤيد طرد البوليساريو ساعتها سوى 28 دولة من هذه الدول! وعليه، سننطلق من الرقم الأخير للبناء عليه، مع مراعاة أن 4 دول من هذه الـ28 عضويتها مجمدة حاليا (السودان، غينيا، الغابون، بوركينافاسو)، أي أن لدينا 24 دولة لا تزال قابلة للتصويت بطرد البوليساريو.
وهنا، نضيف دولتين قامتا بافتتاح قنصليات في الأقاليم الصحراوية، مع كونهما لم تؤيدا طرد البوليساريو ساعتها، ونقصد: تشاد ومالاوي. فيصبح لدينا 26 دولة، وبالتالي نحتاج إلى 7 أصوات إضافية.
وبالنسبة لأنصار الجزائر، فخريطتهم مكونة من الدول التي عارضت انضمام المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، وفي نفس الآن، تعترف بالبوليساريو، وهي ثمانية: الجزائر، جنوب أفريقيا، زيمبابوي، ناميبيا، موزمبيق، ليسوتو، أوغندا، كينيا، مع ملاحظة أن آخر دولتين تحاولان اتخاذ موقف محايد من النزاع مؤخرا؛ فيصبح العدد الإجمالي هو 34 دولة (26 مع المغرب و8 ضده)، دون احتساب المغرب والبوليساريو (تصبح 36 بهما)، ويتبقى 13 دولة تحمل عضوية نشطة (غير مجمدة)، لم تؤيد طرد البوليساريو ولم تعارض عودة المغرب، وهي بدورها يمكن أن تقسم إلى قسمين: 7 دول تعترف (على الورق) بالبوليساريو: نيجيريا، أثيوبيا، موريتانيا، رواندا، أنغولا، تنزانيا، بوتسوانا؛ و6 دول لا تعترف بالبوليساريو: الكاميرون، مصر، تونس، مدغشقر، موريشيوس، جنوب السودان. دول، يحتفظ معظمها بعلاقات اقتصادية وثيقة مع المغرب، لاسيما نيجيريا وموريتانيا واثيوبيا، ورواندا، وبالتالي فلن يشكل حصول المغرب على سبعة أصوات منها، وبالتالي، تحقيق النصاب الكافي لطرد البوليساريو من المنظمة القارية مفاجأة تذكر. وهنا، نمر إلى النقطة الأهم: كيف سيكون رد فعل جنرالات الجزائر؟
نقول، سواء تقدم المغرب بطلب طرد البوليساريو في يونيو المقبل أو في القمة العادية في فبراير 2026، يبدو لكل بصر وبصيرة أن هذا الواقع لم يعد بالإمكان تجنبه أو تعطيله أكثر، وسيتلوه طلب تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على سحب الملف من اللجنة الرابعة، وبالتالي إقفال الملف أمميا، لاسيما أن من بقي معترفا بجمهورية الوهم حاليا لا يتجاوز 27 دولة (أكثر من نصفها تحتفظ بعلاقات ممتازة مع المغرب)، أو ما نسبته 14% من دول الجمعية العامة. ساعتها، سيجد جنرالات الجزائر أنفسهم محاطين بعدد من الأسئلة الحارقة، تحديدا من طرف الرأي العام الجزائري، نكتفي بطرح أهمها:
أول هذه الأسئلة هو ما الذي استفاده النظام الجزائري من هذا العداء المفتوح منذ نصف قرن؟! وثانيا كيف سيبررون المليارات التي أهدرت في هذا النزاع المفتعل؟ وبعدها من يتحمل مسؤولية هذا الهدر وكيف سيحاسب؟ ثم كيف سيتعاملون مع مشكلة اللاجئين في مخيمات تندوف؟ وأخيرا، كيف سيخترعون وسيلة أخرى لمعاداة المغرب والتأثير سلبا عليه؟ أم أن هناك فرصة لاعترافهم بالخطأ وتصحيح مسار العلاقات مع الجار المغربي؟ أسئلة لن نحتاج لجهد كبير في محاولة الإجابة عليها، وتصور الورطة الكبيرة التي يجد جنرالات الجزائر أنفسهم فيها.
جريمة الجنرالات خلفت عدة ضحايا، أقلهم تضررا هو المغرب!! فالمواطنون الجزائريون يأتون على رأس القائمة بعد هدر مقدراتهم ومواردهم على مرتزقة البوليساريو؛ واستمرار هذا الأمر احتاج إلى تحصين النظام العسكري ومنع تطوير مجتمع ديمقراطي يخضع لمصالح ورغبات الجزائريين؛ كما أن شعوب المغرب العربي قاطبة كانت من ضمن الضحايا بعد أن قطّع هذا النظام أواصر التواصل والتبادل التجاري والإنساني بين هذه الشعوب، وبالتالي فوت عليها فرصا عظيمة للتكامل والتنمية.
أما المغرب، ورغم تأثره بهذا النزاع، واضطراره لتخصيص جزء من موارده لخدمة هدف استكمال وحدته الترابية، فإنه نجح في تحويل هذا التحدي إلى فرصة، وبالتالي صقلت هذه الأزمة المعدن المغربي الأصيل، وأبرزت أفضل ما فيه من مواهب وقدرات، الأمر الذي أهله إلى تبوؤ المكانة التي هو فيها اليوم، عربيا وقاريا ودوليا. ومهما حاول الجنرالات، زورا وبهتانا أن يسوقوا المبررات لهذه الجريمة، فلا يمكن لضحاياها أن يغفروا بسبب عظم الخسائر التي تحملوها، ولن يكون ممكنا منح هذا النظام العسكري أي فرصة أخرى، وهو ما يعلمه الجنرالات جيدا.
أما مشكلة اللاجئين الصحراويين في تندوف، والتي بدأت تطل برأسها منذ زمن، فإن المغرب يمكنه أن يستقبل مواطنيه المغاربة المحتجزين هناك، بينما يترك للجنرالات التعامل مع اللاجئين الأفارقة (والذين يشكلون غالبية السكان) الذين حشرهم في هذه المخيمات لأغراض دعائية، وبهدف نفخ المساعدات المقدمة لهم، وسيلجأ غالبا إلى رميهم في الصحراء عرضة لمصيرهم المجهول، كدأبه مع باقي مهاجري القارة السمراء. أما اختراع وسيلة جديدة لعداء المغرب فهو أمر يعلم الجنرالات أكثر من غيرهم استحالته، وقد جربوا إحياء خرافة “جمهورية الريف”، دون أدنى استفادة من دروس “جمهورية الصحراء”، وحولوا أنفسهم إلى أضحوكة في نظر مواطنيهم وباقي شعوب المنطقة.
ختاما، فمن الصعب تصور أن يقبل المغاربة أو الجزائريون أي محاولة من الجنرالات لإصلاح أخطاء الماضي، بسبب عظمها أولا، وبسبب تأخرهم في الإقرار بالخطأ ثانيا؛ كما أن مسألة إنهاء المسألة برمتها قد اقتربت دون حاجة لمساعدة الجنرالات!
وعليه، فليس أمام جنرالات النظام العسكري إلا القبول بمحاكمتهم شعبيا على كل الجرائم التي ارتكبوها منذ تسلطهم على رقاب الجزائريين بعد استقلالهم المزعوم عن فرنسا؛ مما يفتح الباب أمام محاولة تدارك ما فاتهم من وقت وما أهدر من ثروات، بمساعدة جارهم المغربي وباقي شعوب المغرب الكبير. أمر مهد له الطريق حراك الجزائريين الشرفاء في 2019، وما عليهم سوى محاولة استكماله قبل أن يصبح الوقت متأخرا كثيرا، وتصبح مصائب الجنرالات صعبة على التدارك!