الجزائر

خريطة المخاطر التي تتهدد النظام الجزائري في 2025!

بقلم: هيثم شلبي

شهد العام 2024 الذي ودعناه منذ أيام، العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية التي تحتم على مختلف الدول والأنظمة التحسب لمواجهة المزيد من التهديدات والفرص خلال العام الحالي، إن أرادت أن تنجو وتؤمن أوطانها مما هو آت. تهديدات وفرص لا توجد دولة في العالم، كبيرة أو صغيرة، بمنأى عنها، الأمر الذي يجعل من العام الحالي عاما مفصليا بكل ما تعنيه الكلمة. ولعل أبرز هذه المتغيرات التي من المرجح أن تترك أثرا -سلبيا أو إيجابيا- على مختلف دول المنطقة، يمكن أن نورد، على سبيل المثال لا الحصر: سقوط الطاغية بشار الأسد؛ صمود المقاومة الفلسطينية ونجاحها في أن تفرض على إسرائيل القبول بالاتفاق الذي كانت ترفضه على مدى ثمانية أشهر؛ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؛ وضوح التبعات الكارثية للتغير المناخي عالميا وفي المنطقة؛ وأخيرا، تحسب العالم للدخول في مرحلة اضطرابات ومواجهات بين الإدارة الأمريكية الجديدة وباقي القوى العظمى، قد تصل إلى حرب تجارية قوامها التعريفات الجمركية المتبادلة، التي سيكون العالم بأجمعه مسرحا لها ومعنيا بها.

لكننا في هذا المقال، سنتطرق فقط إلى أبرز التحديات والفرص التي يواجهها النظام الجزائري -كمثال-، والتي يمكن أن تهدد وجوده نفسه. واختيار الجزائر دون غيرها، يرجع إلى طابع النظام “المتحجر” والمغلق بسبب هيمنة العسكر عليه، وافتقاره إلى المرونة التي تتيح له التعامل مع الأزمات بطريقة تخفف من آثارها السلبية عليه. وأمام الغياب شبه الكلي للفرص المتاحة أمام  نظام الجنرالات خلال 2025، سنقوم باستعراض أبرز التحديات (المخاطر)، والتي قد تؤثر على وجود النظام واستمراره، وسنقسمها إلى تحديات داخلية وخارجية، مع صعوبة الفصل بين الفئتين.

تتمثل أبرز التحديات الداخلية في صراعات القوة بين الأجنحة المكونة للنظام الجزائري، وتحديدا بين جنرالات النظام المتحكمين بمفاصله. صراعات زادت مع الوتيرة المتسارعة لمحاولات الرجل القوي الجنرال السعيد شنقريحة رئيس الأركان، ووزير الدفاع الفعلي، لمحاولة إقصاء جميع من يعتبرهم خارج دائرة الولاء المباشر له شخصيا، وتعيين بدائل لهم من الدائرة الضيقة المحيطة به، وهو ما أدى، حتى الآن، إلى إقالة الجنرالات جبار مهنا، عمار عثامنية، وبن علي بن علي. ونظرا للطبيعة “المافيوية” للنظام، فإن هذه الحرب الشرسة التي دشنها شنقريحة، تقود إلى احتمالين متناقضين لا يمكن الحسم بترجيح أحدهما: إما أن يدين الجميع بالولاء للسيد الجديد، ويتم القضاء المبرم على كل من يعارضه من الجنرالات، وهو الاحتمال الأضعف بالمناسبة، أو أن ينجح مناوئوه وضحاياه في التخلص منه، وبدء جولة جديدة من التصفيات المضادة، وفي الحالتين، فإن هذه الحرب المعلنة بين الجنرالات تضعف النظام بشكل مؤكد، بل وتجعل مصيره واستمراره نفسه موضع شك كبير.

ثاني التحديات التي تمثل خطرا على النظام الجزائري تتمثل في احتمال عودة الحراك الشعبي إلى الشوارع، نظرا لحالة الاحتقان متعدد الأوجه، التي لم تنجح “بهلوانيات” الرئيس عبد المجيد تبون في علاجها أو التخفيف منها. ويكتسب هذا الاحتمال مصداقيته من تهديدين خارجيين يتمثلان في نجاح الثورة السورية في القضاء على حكم “مافيا” بشار الأسد، التي طالما حاولت الظهور بمظهر القوي والمتماسك، وشكل سقوطها خلال 11 يوما مفاجأة مدوية للكثيرين، وهو ما تسبب في حالة الذعر الواضح في أوساط الجنرالات، مع تكرار اللازمة المشهورة: سوريا ليست الجزائر! أما التهديد الخارجي الآخر، المرتبط أساسا بعودة الرئيس ترامب، فيتمثل في احتمال “انهيار” أسعار النفط والغاز، نتيجة لإطلاق العنان لاستخراج النفط الأمريكي، وهو ما سيتسبب في أزمة سيولة “كارثية” للنظام الجزائري، تجعله أعجز عن “شراء” السلم الأهلي عبر مبادرة هنا أو هناك. وسواء جاء الحراك نتيجة تزايد القمع ومصادرة الحريات، أو الاستمرار في العجز عن توفير المتطلبات الأساسية للمواطنين الجزائريين، فإن هذا الحراك، يعتبر أحد أبرز التهديدات المسلطة على رقبة النظام العسكري في الجزائر.

وبالانتقال إلى التهديدات الخارجية للنظام العسكري في الجزائر، يمكن حصر أبرزها في أربعة: يتمثل أولها في الاصطدام بالولايات المتحدة تحت حكم ترامب، وذلك نظرا لتنافر النظام الجزائري التام مع تصور الإدارة الجديدة لما يجب أن تكون عليه الأوضاع في مختلف مناطق العالم. فالنظام الجزائري الذي اعتاد على محاولة اللعب على مختلف الأوتار الفرنسية والروسية والأمريكية والصينية، يواجه الآن لحظة الاختيار الصعب: الرضوخ لطلبات روسيا بالتحول إلى قاعدة عسكرية تعوض خسارته لسوريا، وتؤمن وجود قواته في محيط الجزائر (النيجر وليبيا ومالي)، أو الانصياع لطلبات الولايات المتحدة، بتجميد -أو إلغاء- صفقات السلاح المعلنة مع روسيا (طائرات سو 57 كمثال)، والتخلي عن جماعة البوليساريو الإرهابية، وقطع الصلات بإيران، وغيرها من الاشتراطات. خياران أحلاهما مر، ولا يستطيع نظام بهشاشة نظام الجنرالات أن يتحمل تبعات اتخاذ أحدهما. ويبقى السؤال المتعلق بالتأثير المحتمل لهذا المأزق، مرهونا بمدى الإصرار الذي سيبديه الطرفان الأمريكي والروسي على اتخاذ جنرالات الجزائر لموقف حاسم، ومدى الهامش الذي يمتلكه هذا النظام للوقوف بين الطرفين، مع الامتناع عن إغضاب أحدهما، وإرضاء كل منهما بطريقة لا تثير حفيظة الآخر! ثاني التهديدات الخارجية يتمثل في مواجهة حتمية انهيار البوليساريو، وتحقيق المغرب لهدف إخراج “جمهورية تندوف” من الاتحاد الأفريقي، وإقفال الملف أمميا، وبالتالي إنهاء “كذبة” أهدر فيها النظام العسكري الجزائري مليارات الدولارات من مقدرات الشعب الجزائري، على مدى أزيد من نصف قرن، وقطع بسببها أوصال الاتحاد المغاربي على مدى أكثر من ثلاثة عقود؛ كيف سيسوق النظام الجزائري هذه الهزيمة لمواطنيه؟! وفي ارتباط بهذه النقطة، يبرز تهديدين، يتمثل أولهما في العزلة التامة للنظام الجزائري في محيطه العربي والإقليمي، بسبب عناد جنرالات الجزائر على مخالفة ما يتوافق عليه العرب والأفارقة من مواقف ومواثيق، ومنها رفضهم التام والواضح لسلوك النظام الجزائري الداعم للحركات الانفصالية في جواره القريب والبعيد. أما التهديد الآخر، فيتمثل في “تفجر” حدود الجزائر واضطرار الجيش للدخول في مناوشات عسكرية على أكثر من جبهة، وتحديدا على جبهات مالي وليبيا وموريتانيا والنيجر، وهو ما سيجعل الجزائر برمتها معرضة للمخاطر المترتبة على قطع صلاتها بمحيطها المغاربي والأفريقي، والإقفال التام لحدودها مع دول الجوار.

وكملخص لما سبق، يبدو عام 2025 بالنسبة للنظام العسكري في الجزائر عاما مليئا بالتحديات والتهديدات، دون أن يملك أي فرصة حقيقية تقوي حظوظه أمام الرأي العام المحلي، وتسند دعاياته الكاذبة التي تستهدف تخدير الشعب الجزائري وتأجيل “قيامته” الحاسمة. ولعل العنصر المشترك بين هذه التهديدات والذي يحولها إلى مخاطر حقيقية، هو طبيعة النظام العسكري، التي لم تشهد تحديثا يذكر على مدى سنوات الاستقلال المصطنع عن فرنسا. وبالتالي، من المنصف القول بأن هذا النظام قد أخذ أكثر من فرصة، وحكم لمدة أطول مما يستحق بكثير. وهنا ربما من المفيد أن نختم بمفارقة، تنبني على ما بين النظامين السوري والجزائري من سمات مشتركة، وتقوي أمل الشعب الجزائري بقرب “التحرر” من هذا النظام، حيث أن النظامين قاما في وقت متزامن تقريبا (حكم الجنرالات بدأ عام 1962، وحكم حزب البعث بدأ عام 1963)، ولعل سقوط الأول ينبئ بسقوط الثاني، ويستنشق أحرار الجزائر نسمات الحرية التي يستنشقها حاليا أحرار سوريا!

اقرأ أيضا

إضراب طلبة الطب بالجزائر

حملة تضامن واسعة بعد حبس أحد ممثلي طلبة الطب المضربين في الجزائر

إثر إيداع النظام العسكري الجزائري شرف الدين طلحاوي، ممثل طلبة الطب المضربين في كلية الطب بجامعة تلمسان، الحبسَ المؤقت، جرى إطلاق حملة تضامن واسعة على مواقع التواصل، كما دعا محامون وحقوقيون لإطلاق سراحه.

الجزائر وفرنسا

وسط تصاعد التوتر.. السفارة الفرنسية بالجزائر تكشف عن حجم المساعدات المالية التنموية للنظام العسكري

في وقت تتصاعد فيه التوترات بين فرنسا والنظام العسكري الجزائري، خاصة بعد اعتراف باريس بسيادة المغرب على صحرائه، نشرت السفارة الفرنسية في بلاد العسكر معطيات حول حجم المساعدات المالية التنموية

الجزائر وفرنسا

وسط تفاقم الأزمة.. النظام الجزائري يرفض مرة أخرى استقبال مرحل من فرنسا

قالت تقارير فرنسية، أمس الإثنين، إن السلطات الجزائرية رفضت مرة أخرى، اليوم، استقبال أحد مواطنيها بعد صدور قرار بترحيله من الأراضي الفرنسية، وسط أزمة متصاعدة بين البلدين.