بقلم، هيثم شلبي
عبثا تحاول سلطات الجزائر تدارك موقفها المخزي من نظام الطاغية بشار الأسد، وأبوه من قبله، وهي تحاول مغازلة الشعب السوري الذي انتفض على جلاديه، ونجح في استعادة حرية انتظرها أزيد من ستة عقود. بلاغ الخارجية الجزائرية الذي صدر بعد تأكد هرب الطاغية بشار الأسد إلى موسكو، والذي يؤكد على “الوقوف إلى جانب الشعب السوري”، ويدعوه إلى “تغليب المصالح العليا لسوريا، والحفاظ على أملاك ومقدرات البلاد”!! حاول دون فرصة تذكر للنجاح، أن ينسي الشعب السوري بالبلاغ الذي سبق البلاغ الأخير ببضعة أيام، والذي يعلن عن “وقوف الجزائر” كذلك “إلى جانب سوريا، دولة وشعبا في مواجهة التهديدات الإرهابية!!”، في إدانة واضحة لتحركات ثوار سوريا الهادفة لإسقاط نظام بشار الأسد.
هذا التناقض في المواقف التي لا تفصلها سوى أقل من خمسة أيام، لا يمكنه بأي حال أن يغطي على العلاقة “الحميمة” التي لطالما جمعت بين النظامين الجزائري والسوري، لما بينهما من تشابهات عديدة لا تخطئها عين، ولا على محاولات النظام الجزائري المستميتة في إعادة النظام السوري لاحتلال مقعده داخل جامعة الدول العربية، ولا في التهجم الصريح على الحراك الثوري للسوريين ضد نظامهم المستبد منذ 2011، ووصف هذا الحراك بالإرهاب، وهي اللغة التي استعملها النظام السوري المجرم وحلفائه في إيران وحزب الله. مواقف تأتي انسجاما مع الحلف الموضوعي المعلن بين الأطراف المذكورة أعلاه، ضدا على المصالح العربية القومية، والأهم، مواقف الشعب السوري الذي انتفضت ملايينه، سلميا، ضد نظامها مطالبة بإسقاطه. سلوك ينسجم مع موقف النظام من حراك الشعب الجزائري، الذي طالب بدوره بتغيير النظام، واستخدمت أجهزة الدولة الجزائرية المختلفة بما في ذلك وسائل إعلامه، في شيطنة الحراك وأحراره، وفتح أبواب السجون والمعتقلات لاستضافة أبرز قادته وناشطيه.
كل ما سبق يعتبر “بديهيا” وليس فيه أي مفاجأة تذكر، نظر لاقتران النظامين في منظومة “جبهة الصمود والتصدي” -اللفظيين- لدعم فلسطين ومناهضة الغرب، والطبيعة المغلقة للنظامين الأمنيين، والجرائم الموثقة التي ارتكباها ضد معارضيهم من أبناء الشعبين السوري والجزائري، لاسيما جرائم الأسد الأب في حماة عام 1982 (مقتل 30 ألف مدني في قصف بالطائرات)، وجرائم جنرالات الجزائر خلال العشرية السوداء، بعدها بعشر سنوات (مقتل قرابة 200 ألف). لكن المفارقة تكمن، في إصرار النظام الجزائري، وقبله الأنظمة الدكتاتورية في ليبيا والعراق وسوريا وغيرها، على أنه نظام “يدعم حق الشعوب في التحرر”، ويصر للترويج لهذه “الخرافة”، رغم سلوكه الإجرامي الموثق في حق شعبه أولا، وجيرانه تاليا (المغرب)، وباقي الشعوب العربية المقهورة عموما (سوريا كنموذج). والسؤال المطروح هنا، لماذا يقتصر إيمان النظام الجزائري الكاذب بهذه الخرافة على المغاربة الصحراويين وأشقائهم في الشمال (الريف)؟! هذا مع تسجيل أن لفظة “شعوب” لا تنطبق بحال على أبناء الصحراء المغربية وجبال الريف، وذلك وفقا لمصطلحات الأمم المتحدة نفسها، حيث طالب الأمين العام الأسبق كوفي عنان، وبشكل صريح وواضح، النظام الجزائري باستخدام مصطلح “سكان الصحراء” بديلا لمصطلح “الشعب الصحراوي”!!
وتبدو الإجابة على التساؤل- المفارقة بسيطة وواضحة، وتقول بكذب الشعار الذي يرفعه النظام العسكري في الجزائر، وأن قصده الحقيقي لا يعدو أن يكون “دعم الحركات الانفصالية المغربية، التي تستهدف الوحدة الترابية للمغرب، نقطة!!” أما رغبات الشعوب الحقيقية كالشعب السوري والجزائري والليبي والعراقي والإيراني وغيرها، في “التحرر” من أنظمتهم الدكتاتورية، فهي من المطالب التي يحاربها نظام الجنرالات، إن اعترف بوجودها أصلا. ورغم أن أبرز المطالب الانفصالية تتجسد في “حركة تحرير القبايل” التي تستهدف وحدة الجزائر الترابية نفسها، وأن دفاع النظام عن حق تقرير المصير لما يسميها الأقليات، تنطبق أول ما تنطبق على مواطني منطقة القبايل، ورغم ذلك يصر هذا النظام المستبد على الاستمرار باللعب بنار الحركات الانفصالية، غير مبال بالمخاطر الجدية التي يمكن ان تطال وحدة الجزائر الترابية نفسها.
عموما، سيقطف النظام الجزائري قريبا ثمن عدائه للشعب السوري، ووقوفه مع جلاده بشار الأسد، عندما تسحب سلطات سوريا الجديدة اعترافها بعصابات البوليساريو، التي قام النظام الجزائري بإرسال بعض مرتزقتها لقتال ثوار سوريا بجانب جزار سوريا وزبانيته، وهكذا يقتصر الاعتراف العملي بالبوليساريو عربيا على الجزائر، ليستحق عن جدارة لقب “الراعي الرسمي للإرهاب والحركات الانفصالية في المنطقة العربية والقارة الأفريقية!”. ساعتها، سيتضح الفرق الشاسع بين الدبلوماسية الجزائرية المضادة لحق الشعوب في التحرر، والدبلوماسية المغربية التي استمرت في الدفاع عن ثورة الشعب السوري منذ 2011، ولم تعترف بنظام بشار الأسد، أو تعيد العلاقات معه، حتى بعد أن استرجع مقعده في الجامعة العربية، وطبعت جميع الأنظمة العربية علاقاتها معه -كل لأسبابه- باستثناء المغرب.
كخلاصة، وبالنسبة لنظام في مثل هشاشة النظام الجزائري، لا ينبغي أن يذكر، مجرد ذكر، مصطلح “دعم تحرر الشعوب المقهورة”، لأن الشعب الجزائري نفسه هو أول من ينطبق عليه هذا التوصيف في العالم العربي والقارة الأفريقية؛ ولعل انتصار الثورة السورية يبث الروح من جديد في الحراك الشعبي الجزائري، ويعجل بتحرر هذا الشعب الأبي من نظامه المجرم!!