بقلم: هيثم شلبي
لم يكن أحد يعتقد أن معدل ذكاء “IQ” قضاة المحكمة الدستورية يتفوق بشكل كبير على نظيره لدى مسؤولي السلطة المستقلة للانتخابات، أو أي من جنرالات النظام الذين “هندسوا” عملية نفخ نسب المشاركة، ومنح الرئيس تبون “شرعية” تفوق ما حصل عليه عام 2019، مكافأة له على النجاحات التي حققتها “القوة الضاربة” في عهده الميمون؛ لكن الطريقة التي عالجت بها المحكمة الدستورية، المهازل التي قامت بها سلطة الانتخابات، ترجمت حرفيا المثل الشعبي: جا يكحلها اعماها!! صحيح أن قضاة المحكمة الدستورية وجدوا أنفسهم في ورطة تكاد تكون بلا مخرج، لكن الحل الذي خرجوا به لا يقل فضائحية عما يحاولون علاجه.
وبنظرة بسيطة على عناوين إعلام الجنرالات، والإعلام الدولي المتعاطف معهم، نجد المحاولة اليائسة للتغطية على الفضيحة، من خلال “التركيز غير البريء” على انخفاض نسبة فوز الرئيس تبون من 95% إلى 84%، وتوزيع النسبة الباقية على أرنبي السباق “الإسلامي” و”الاشتراكي”!! لكن نظرة فاحصة على متن الخبر، نجد أن العنوان المذكور، هو أقل تفاصيل الفضيحة إثارة، كيف ذلك؟
لقد تمثلت الفضيحة الكبرى في قرار المحكمة الدستورية “بجرة قلم” مضاعفة عدد المقترعين في السابع من سبتمبر مرتين؛ من حوالي 5 ملايين و600 ألف ناخب، إلى أزيد من 11 مليونا و200 ألف ناخب، أي بزيادة مقدارها 5 ملايين و600 ألف ناخب، أي الضعف بالضبط، فمن أين جاءت بأوراق اقتراعهم؟! وكيف لم تنتبه السلطة المستقلة للانتخابات إلى عدم وجود نصف أوراق الاقتراع، وهو رقم هائل، لا يمكن تفسيره بتأخر بعض الصناديق من ولايتين نائيتين شهدتا أمطارا وفيضانات يوم الاقتراع! هل يصدق جزائري أو عاقل بأن ولاية بشار وتمنراست تضمان 6 ملايين ناخب؟!!
وما يزيد الأمر فضائحية أن السلطة المستقلة للانتخابات، كانت قد أعلنت أن عدد الجزائريين الذين صوتوا حتى حدود الخامسة مساء قد بلغ 5 ملايين و140 ألف مواطن، فكيف تسنى لقضاة المحكمة الدستورية، “بلا حيا بلا حشمة” ادعاء أن العدد قد ارتفع بعد ثلاث ساعات إلى 11 مليونا و200 ألف صوت (بزيادة أكثر من 6 ملايين مقترع)؟!
ببساطة، لقد قرر قضاة المحكمة الدستورية، بذكائهم المشهود، تأكيد الفتوى المضحكة التي اخترعتها سلطة الانتخابات (معدل نسب المشاركة)، وتحويلها ببساطة إلى نسبة مشاركة فعلية، مع أن مهزلة السلطة (احتساب معدل نسب المشاركة المسجل في الولايات الجزائرية بغض النظر عن عدد ناخبيها) أقل فضائحية بكثير من قرار المحكمة، التي تجاهلت إمكانية سؤال الجزائريين قبل المراقبين، كيف لم تلاحظ سلطة الانتخابات وجود 6 ملايين صوت غير محسوب في الصناديق، وحصرت عدد المصوتين في خمسة ملايين ونصف جزائري بدل أحد عشر مليونا؟؟!! هذه الزيادة “الفلكية” أتاحت لقضاة المحكمة -الذين أكدوا أن لا علاقة لهم بالدستور أو القانون أو الدراسة أصلا، بل جهلهم بكيفية استخدام الآلة الحاسبة-إلقاء “عظمة” أكبر لكل من حساني الشريف وأوشيش، تسكت “نباحهما” الذي يمكن أن يزيد التشويش على الانتخابات!! فأعطت للأول نسبة 9 بالمئة (قرابة مليون صوت)، وللثاني 6 بالمئة (قرابة نصف مليون صوت)، على الرغم من تأكيد الأول (المدعم بمحاضر احتساب الأصوات) أنه لم يحصل إلا على أقل من 350 ألف صوت، فمن أين جاءت المحكمة بالـ600 ألف صوت الإضافية التي تكرمت بها عليه، والتي لم تكن موجودة في الصناديق عند إقفالها وتسليم محاضر فرز وإحصاء الأصوات الموجودة فيها؟!!
هذه البداية “المشوهة” لعهدة الرئيس تبون الثانية، لن تنجح مهارات إعلامه الدعائي في التغطية عليها، وتنبئ بأن النظام الجزائري مقبل على هزات وأزمات داخلية كبيرة بين أجنحته، ولن يطول الانتظار قبل أن تشهد الأيام القليلة المقبلة أولى تبعات هذه المهزلة- الفضيحة، والتي ستفتح أمام النظام الجزائري فاقد الشرعية أبواب المجهول، بأبشع الطرق المتخيلة!!