بقلم: هيثم شلبي
أمام توالي الهزائم الدبلوماسية، ومن أجل إبقاء الملف مفتوحا علّه يحفظ بقية من ماء الوجه -إن تبقى منه شيء-، تجدد الجزائر وجنوب أفريقيا عقد ندوة على هامش اجتماعات مجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف، بحضور بعض أعضاء “مجموعة جنيف لدعم الصحراء الغربية”، التي “يقال” أنها تضم 15 عضوا، دون أن تجد أسماء هذه الدول -منذ تأسيسها- في أي قصاصة أنباء تخص الجزائر أو البوليساريو؛ والأدهى أن الصورة الجماعية التي تؤخذ في نهاية كل ندوة -كما هي عادة مثل هذه الندوات-، وإذا استثنينا المضيف المفترض أبي البشرايا البشير (ممثل البوليساريو)، لم تحتو على 15 عشر شخصا في يوم من الأيام، علما أن الموجودين، يضمون محاضرا أو اثنين من منشطي الندوة، وبالتالي يقتصر عدد الممثلين المفترضين على رقم يتراوح بين 10-12 شخصا دون أن يكون هناك تعريف بهم!!
ولأن هذه السنة ليست استثناء، عقدت الندوة في الموعد، لمناشدة المجتمع الدولي من أجل العمل على عدم انتشار الحرب القائمة في فلسطين “والصحراء الغربية” حفاظا على الأمن والسلم الإقليميين!! وادّعت القصاصة الصادرة عن وكالتي الأنباء الجزائرية والصحراوية، أن الندوة تمثل وجهة نظر الدول ال 15 الداعمة للصحراء الغربية، دون أن تكلف نفسها عناء ذكر هذه الدول، وكأنها من المعلوم من الدين بالضرورة! هذه “الحركات البائسة” التي لا يعلم بحدوثها أحد، ولا تجد من ينشر عنها سطرا باستثناء الجزائر، دليل على درك البؤس الذي انحدرت إليه الدبلوماسية الجزائرية، رغم ما تغدقه من أموال على المستعدين لحضور هذه الندوات.
بالنسبة للمغرب، والتي عادة ما تتجاهل الرد على هذه الحركات المثيرة للسخرية، اختارت أن ترد هذه المرة بطريقتها، عبر بيان موقع من قرابة أربعين دولة (حوالي ثلاثة أضعاف داعمي البوليساريو)، ينص على دعم مغربية الصحراء، ورفض الربط الفاسد بين قضية الصحراء وقضية فلسطين، ويتمسكون بحصرية مسؤولية مجلس الأمن بالبحث عن حل مستند إلى مبادرة الحكم الذاتي المغربية، ناهيك عن الإشادة بجهود المغرب في صون حقوق الإنسان في أقاليمه الجنوبية، عبر أدواته المحلية. وحتى “تكتمل الباهية” كما يقال في المغرب، خرجت وفود عديدة ببيانات تنديد (وبعضها بشكايات) من التدليس الذي مارسته الجزائر في الدعوة لحضور ندوتها البائسة، باستغلال قضية فلسطين في العنوان، دون إشارة للصحراء المغربية، وهو الأمر الذي سرعان ما انكشف زيفه مع أول متحدث، ليحتج كثير ممن حضروا دعما لفلسطين على هذه المهزلة. وتعلم الجزائر أن إعلانها عن الهدف الحقيقي للندوة دون ربطه بفلسطين، كان سيحصر الصورة الختامية للندوة في ممثلي البوليساريو والجزائر وجنوب أفريقيا وناميبيا، والمحامي الفرنسي المحاضر!!
هذا الرد المغربي المضاعف على الجهد الجزائري العبثي، يؤكد للجزائر وحليفتها الجنوب أفريقية، أنه لا قبل لهما بمواجهة المغرب في أي محفل دبلوماسي، بعد أن اقتصر عدد الدول الداعمة بفعالية للبوليساريو، على رقم لا يتعدى بأي حال أصابع اليدين، مع وجود ضعف هذا العدد يحاول الوقوف بحياد بين المغرب والجزائر، ويبقى على اعترافه “التاريخي” بالبوليساريو دون تغيير، لكن دون تفعيل!! بينما ينقسم باقي العالم ما بين معترف بمغربية الصحراء، ومعتبر أن الحل الأمثل للقضية يتمثل في خطة الحكم الذاتي للإقليم تحت السيادة المغربية.
كخلاصة، ورغم أن الدبلوماسية تحديدا، وعلم السياسة عموما هو “فن الممكن”، وقناعة النظام الجزائري بأن الممكن في قضية الصحراء المغربية لا يمكن أن يكون لصالحهم، فإنهم يصرّون على الاستمرار في جهودهم العبثية الهادفة إلى مناكفة المغرب واستفزازه، حتى عبر خطوات يعلمون يقينا أنها غير مجدية، ولن تجلب لهم سوى السخرية. كما أن سوء توظيف قضية الصحراء المغربية من قبل الجزائر في المحافل الدولية، تزيد حالة الغضب تجاه سلوكياتها، بدل إثارة التعاطف، ولن تقود سوى إلى نتيجة واحدة تتمثل في سرعة طرد “جمهورية تندوف” من الاتحاد الأفريقي، لتحرير العمل الأفريقي المشترك من أكبر عائق أمامه؛ وسيقرب لحظة سحب الملف المفتعل من اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار، تمهيدا لسحب القضية برمتها من الأمم المتحدة؛ وكل المؤشرات تقول أن تلك اللحظة أصبحت قريبة جدا!!