بقلم: هيثم شلبي
لأن “المصائب لا تأتي فرادى” كما يقول المثل المشهور، لم يكد النظام الجزائري يفيق من صدمة الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، حتى عاجلته صور وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة من العاصمة الفنلندية هلسنكي، بابتسامة عريضة تملأ محياه؛ كيف لا ونظيرته الفنلندية تعلن موقفا مشابها للموقف الفرنسي الإسباني الألماني، وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل لنزاع الصحراء، وهو الموقف الذي سيصيب جنرالات الجزائر بالإحباط طبعا، بعد أن جعلوا وحدة المغرب الترابية “قضية وجودية” بالنسبة لنظامهم المتصدع!!
خطورة الاعتراف الفنلندي بالنسبة لعسكر الجزائر تكمن في أنه الأول من نوعه لدولة اسكندنافية، مما يخشى معه، وتحت تأثير “الدومينو” أن تتداعى الاعترافات المماثلة من السويد والدنمارك والنرويج وإيسلندا. وحتى نفهم التخوف الجزائري، يكفي أن نعرف أن الدول الأوروبية تتواجد فيما يشبه الكتل الصغيرة داخل القارة الكبيرة، وسبق للمغرب أن استفاد من الاعتراف الهنغاري، في انتزاع موقف مماثل من الجار التشيكي، قبل أن يتبعه موقف باقي عضوي الكتلة: بولندا وسلوفاكيا. دول البلقان توجد في وضعية مشابهة، حيث إن صربيا وكرواتيا والبوسنة تساند المقترح المغربي، وسلوفينيا والجبل الأسود تطلقان التصريحات التمهيدية الودية لموقف مشابه، في انتظار موقف صريح من بقية الكتلة المتمثلة في ألبانيا ومقدونيا الشمالية.
وحتى نفهم أكثر تركيبة المواقف الأوروبية داخل القارة، نقول أنه وسط دول الاتحاد الأوروبي التي تبلغ 27 دولة، توجد غالبية واضحة حسمت موقفها من مغربية الصحراء سواء بشكل صريح، او عبر اعتبار أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الإطار الأنسب لحل هذا النزاع المفتعل. ويتعلق الأمر ب 18 دولة هي: إسبانيا، فرنسا، ألمانيا، البرتغال، لوكسمبورغ، هولندا، قبرص، رومانيا، المجر، النمسا، كرواتيا، فنلندا، بلجيكا، بلغاريا، تشيكيا، مالطا، سلوفاكيا، وبولندا. في المقابل نجد أن ثلاث دول تحتفظ بعلاقات ودية متينة مع المغرب دون أن تتخذ موقفا مشابها لزميلاتها، ويتعلق الأمر بإيطاليا واليونان وسلوفينيا. اما الدول الست المتبقية، والتي لا توجد أي منها في علاقة شدّ مع المغرب، فتفضل البقاء في منطقة الغموض، ويتعلق الأمر بإيرلندا وباقي الدول الاسكندنافية: الدنمارك، السويد، ودول البلطيق: ليتوانيا، لاتفيا، وإستونيا. من هنا، ندرك أن الخيار الذي طرحه مفوض الشؤون الخارجية الأوروبي جوزيف بوريل، والمتمثل في طرح قضية الاعتراف الجماعي بمغربية الصحراء ووجاهة مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية للتصويت داخل الاتحاد الأوروبي، تبقى خيارا واقعيا، وهو ما يثير الرعب في أوساط عسكر الجزائر. فثلثي دول الاتحاد تتخذ هذا الموقف فعليا، وبخصم الدول الاسكندنافية ودول البلطيق من الاتحاد تتبقى أغلبية واضحة قوامها 78% يمكن أن تدفع نحو هذا الخيار، لاسيما مع وجود كبار القارة من ضمن الموافقين.
وبالنظر إلى مواقف الدول الأوروبية من غير المنضوية تحت راية الاتحاد الأوروبي، وعددها 13 دولة (دون احتساب الجزر والإمارات الصغيرة)، نجد صورة لا تختلف كثيرا عن سابقتها، وإن كانت أكثر توازنا، مع قاسم مشترك بينها، هو حرص الجميع على علاقة ودية مع المغرب دون أن تتخذ نفس الموقف من مغربية صحرائه وسمو مبادرته للحكم الذاتي. ففي الجانب المؤيد للمغرب نجد أربع دول: صربيا، البوسنة، سويسرا، وأوكرانيا. نفس العدد (4) يتخذ موقفا مرحبا دون أن يصل إلى حد الاعتراف، ويتعلق الأمر بكل من دول البلقان: مقدونيا، ألبانيا والجبل الأسود، إضافة إلى بريطانيا التي يمكن أن تعترف بمغربية الصحراء في أي لحظة. أما الدول الخمس المتبقية فتفضل الحفاظ على حياد داعم لجهود الأمم المتحدة، ويتعلق الأمر بكل من: النرويج، روسيا، بيلاروسيا، إيسلندا ومولدوفا.
ويبدو لافتا أن أيا من دول القارة الأوروبية لا تعترف بالبوليساريو ولا ب “جمهورية تندوف” الوهمية، وأن ما يؤخر اعتراف أقليتها الصريح بمغربية الصحراء هو محاولة الحفاظ على علاقات اقتصادية مع الجزائر، أو بتأثير لوبيات داخلية يسارية تحتفظ بعلاقات جمعوية مع البوليساريو، وهما أمران قابلان للتغير، ولم يمنعا يوما جميع هذه الدول من محاولة الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع المملكة المغربية، وتجد داخلها جميعا أنشطة مغربية هادئة تسعى إلى تغيير مواقف الرأي العام المتأثر بدعاية الجزائر.
وكملخص، يمكن القول أن أزيد من 22 دولة أوروبية تقف في صف المغرب ووحدته الترابية، يرتفع عددها إلى 29 دولة إذا ما أضفنا تلك التي تحتفظ بعلاقات حميمة مع المغرب وتعرب عن تقديرها لمبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية، دون أن تصل إلى حد الاعتراف بمغربية الصحراء، وهو ما يشكل قرابة 75%، أو ثلاثة أرباع دول القارة، مع تفضيل 11 دول، أو حوالي ربع دول القارة حالة الحياد والموقف الودي من المغرب، دون محاولة إغضاب الجزائر، التي تغضب في جميع الأحوال وإن أنكرت ذلك، بسبب عجزها عن انتزاع اعتراف أوروبي واحد من أصغر دولة أوروبية بصنيعتها البوليساريو.
لكن، ما الذي يهم الجزائر في الموقف الأوروبي من مغربية الصحراء، لا سيما وأن مشهدا مشابها يطالعنا في قارة آسيا (باستثناء كوريا الشمالية ولاوس وتيمور الشرقية التي تعترف بالبوليساريو)، وهو موقف الغالبية الساحقة داخل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي؟! ببساطة، إنه الرعب من حصول تصويت على صعيد الأمم المتحدة من أجل إخراج ملف الصحراء من أروقة اللجنة الرابعة ولجنة ال 24. إن اعتراف أي دولة بمغربية الصحراء، واعتبار المشكل المفتعل منتهيا عبر مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو حق سيادي تملكه كل دولة معترف بها في الأمم المتحدة. وبالتالي، فحدوث هذا الأمر من طرف 129 دولة من أصل أعضاء الأمم المتحدة ال 193، يعني أن ثلثي دول العالم ترى أن المغرب محق في اعتباره بأن عملية تصفية الاستعمار من صحرائه قد تمت فعلا بخروج المستعمر الإسباني منها، وبالتالي فلا معنى لإبقاء هذا الملف مفتوحا نتيجة مخلفات الحرب الباردة “المنسية”، كما يحدث تماما للألغام التي لم تنفجر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وعليه، فوصول المغرب إلى هذا العدد من الاعترافات، كفيل بتفجير هذا اللغم المهترئ دون أن يحدث أي إصابات، وتصبح بذلك الجزائر رسميا ودوليا، دولة تحتجز قسرا مواطنين مغاربة في مخيمات العار بتندوف.
ختاما، فلا يمكن إرجاع تبدل المواقف الأوروبية إلى “صحوة ضمير” متأخرة، بمقدار ما هو نجاح دبلوماسي للمغرب، وفشل لسردية جنرالات الجزائر، ناهيك عن كون فهم هذه الدول للغة المصالح التي لا يفقهها عسكر المرادية، تجعلها تدرك دون عناء عظم الخسارة التي تتكبدها طالما ظلت بعيدة عن المواقف المغربية. وبالتالي، فالمسألة مسألة وقت فقط قبل أن ترفرف راية الحق المغربي فوق دول القارة العجوز، وتنكس أعلام عسكر الجزائر نتيجة انتهاء نفوذهم وهيبتهم!