منطقة القبايل.. التحدي الأبرز في وجه النظام الجزائري وانتخاباته الرئاسية!

بقلم: هيثم شلبي

منذ نهاية الحراك الشعبي في الجزائر قبل أربع سنوات، لا يختلف اثنان على أن التحدي الأبرز في وجه النظام العسكري الذي ثار الجزائريون في وجهه مطالبين بإسقاطه، هو سؤال المشروعية، وتثبيت أن الجنرالات الذين يحكمون الآن لا علاقة لهم بالنظام الذي أدارته ما يسمونها “العصابة”، ويقصد بها الرئيس بوتفليقة وأخيه السعيد ورجالاتهم، الذين يقبع أبرزهم في السجن حاليا.

لكن الواقع يقول، بأنه لا يوجد جزائري واحد يمكنه تصديق أن تبون وشنقريحة وجبار مهنا وناصر الجن وغيرهم من الجنرالات، والذين تجاوز معظمهم السبعينات، ليسوا جزءا من النظام الذي ثاروا عليه، وأنهم مؤهلون لبناء “جزائر جديدة”، تتجاوز الحملات الدعائية وتتجسد على أرض الواقع، لسبب بسيط، أن بنية النظام، وآليات اتخاذ القرار داخله، وتحكمه في المجتمع الجزائري، والتي لم يمسها أي تغيير يذكر منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا، أو على الأقل، منذ الانقلاب على الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد؛ نقول، لا يمكن لهذه البنية أن تأتي بنتائج مغايرة لما أفرزته خلال عقود حكمها للجزائر، بطريقة شمولية “مافيوزية” مغلقة!

ويتجدد الحديث حول “مشروعية النظام”، كرهان أبرز في الانتخابات الرئاسية المقررة بعد قرابة ثلاثة أشهر، لأنها، ورغم التزوير الذي لم تخل منه أي من سابقاتها، تعتبر الفرصة التي تقاس فيه هذه المشروعية عبر نسبة المشاركة في الانتخابات، داخل الجزائر، وخارجه، وفي ولايات القبايل تحديدا (تيزي وزو وبجاية)، وبدرجة أقل في العاصمة الجزائر والمهجر وثالث ولايات القبايل البويرة!

صحيح أن منطق الرئيس تبون الذي صرح به بعد “صدمة” الانتخابات التشريعية 2021، والتي لم يشارك فيها سوى %23 من الجزائريين (وبشكل أدق 18.8% إذا استثنينا الأصوات الاحتجاجية الملغاة): “نسبة المشاركة لا تهمّ. ما يهمّني أنّ من يصوّت عليهم الشعب لديهم الشرعيّة الكافية لأخذ زمام السلطة التشريعيّة”!! منطق غريب ينسجم مع محاولة “الجزائر الجديدة” التأسيس “لديمقراطية جديدة”، لا يمثل فيها رضى الأغلبية الشعبية أساسا لمشروعية الحكم!!

ولأن “الشوهة” تتركز دائما في منطقة القبايل ذات نسب المشاركة المتدنية جدا، وحتى لا تستغل “الماك” ورئيسها فرحات مهني هذه النتائج لتدعيم منطقها الانفصالي المنادي باستقلال منطقة القبايل، تتجند أحزاب الأغلبية ومختلف أجهزة الدولة، الأمنية بالأساس، من أجل الوصول إلى أرقام مشاركة تبرر للسلطات الحديث عن اهتمام القبايليين بانتخابات بلادهم. فبالنسبة لحجم المشاركة الكلية، يبدو هدف تجاوز نسبة الرئاسيات السابقة -أو بلوغه كأضعف الأيمان- حلما، حيث راوحت النسبة 35%.

أما في منطقة القبايل، فأي نسبة تتحقق هي نجاح، حيث لم تتجاوز في رئاسيات 2019 في تيزي وزو نسبة 0.001% فقط (صوت 8 مواطنين من أصل قرابة 710 آلاف مواطن في الولاية)، وفي بجاية 0.29% (1180 مصوت من أصل 510 آلاف مسجل). نفس الفضيحة سجلت بعد ذلك بعامين في تشريعيات 2021، عندما سجلت في تيزي وزو نسبة مشاركة 0.9% وفي بجاية 0.4%!! وقد تجندت أحزاب الأغلبية منذ اللحظة، من أجل حث القبايليين على تغيير هذه الأرقام، وتعهدت الأجهزة الأمنية بقمع أي محاولة لإقفال مكاتب الاقتراع أو تحطيم الصناديق، كما هي العادة في منطقة القبايل دائما.

لكن لماذا تحتل هذه المنطقة هذه الأهمية بالنسبة للنظام الجزائري؟!،على الرغم من كون القبايليين يحتلون مراتب عليا ضمن النخبة السياسية والاقتصادية والعسكرية الجزائرية، فإن أوضاع الغالبية العظمى من أبنائها لا تعرف مثل هذا الرخاء.

كما أن مطالبهم الثقافية والاجتماعية لا تزال تعاني من الإهمال والتجاهل، الأمر الذي جعلهم في طليعة الجزائريين الذين تدفقت ملايينهم إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط النظام.

وينتهز القبايليون عادة فرص الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية من أجل إبراز تمايزهم واحتجاجهم على أوضاع منطقتهم وبلدهم، بمقاطعة الانتخابات جملة وتفصيلا، أو بالمشاركة عبر تصويت احتجاجي يعتبر صوتا ملغى في النهاية.

ويعتبر الجزائريون أن حزب المحتجين ببطاقات تصويت ملغاة هو الحزب الثاني في البلاد (بعد حزب المقاطعين)، وهو الأمر المحق تماما، إذ يكفي أن نعرف أن مجموع الأصوات التي حصلت عليه أحزاب البرلمان الأولى: جبهة التحرير الوطني، حركة مجتمع السلم، التجمع الوطني الديمقراطي، حركة البناء الديمقراطي وجبهة المستقبل، مجتمعة، لم يتجاوز 955 ألف صوت، وهو أقل ب 56 ألف صوت من عدد الأوراق الملغاة (التصويت الاحتجاجي)!! فعن أي شرعية يتحدث الرئيس تبون، الذي يحكم القبايليين بأصوات أقل من 1200 شخصا، من أصل مليون و220 ألف مواطن قبايلي؟!!!

المفارقة أن منطقة القبايل وولايتيها الأكبر، ورغم كونهما الأقل مشاركة في أي انتخابات عادة، فقد كانت نتائجهما في رئاسيات 2014 و2009 أفضل، ولا يطمح النظام، في أشد أحلامه وردية، إلى الوصول إلى حتى نصفها!! ففي 2014 سجلت تيزي وزو نسبة مشاركة 20% بينما سجلت بجاية 23.4%. أما في سابقتها عام 2009، فقد سجلت الأولى 31% بينما بلغت نسبة المشاركة في الثانية قرابة 29.5%.

ومما يصعب من مهمة تحقيق ثلث هذه الأرقام -إضافة للعوامل الاقتصادية والثقافية- أجواء قمع الحريات، وزج عشرات الشباب الحراكيين (ومنهم نسبة معتبرة من القبايليين) في السجون، ناهيك عما يعتقده القبايليون بمسؤولية النظام، عن حرائق الغابات التي تتعرض لها مناطقهم، ويفقدون فيها بيوتهم وأشجارهم وماشيتهم، بل وتعمده (أي النظام) إشعالها كل عام كعقاب جماعي لترهيب سكان المنطقة، دون أن تقوم السلطات باقتناء طائرات إطفاء الحريق لأسباب واهية! أما التلويح “بفزاعة” الماك وفرحات مهني، فهو يمنح الرجل وجماعته هالة يحلم بها، وتتيح له أن يقوم باستغلالها، عبر الترويج لكون مقاطعة سكان القبايل للانتخابات نابعة من رغبتهم في الاستقلال!! بغض النظر عن مدى صدق هذه الفرضية.

خلاصة القول، أن النظام بمختلف أجنحته وأجهزته، مشغول بالإيحاء بنجاح مشروعه في خلق “الجزائر الجديدة”، والترويج لقطيعته مع نظام بوتفليقة، والأمل بأن تدلل على ذلك نسبة مشاركة شعبية تتجاوز 35% المحققة خلال رئاسيات 2019، وذلك على الرغم من “لامبالاة” الرئيس تبون المعلنة بهذه النسبة.

وتبعا لحقائق الواقع التي تكذب دعايات أجهزة النظام الإعلامية حول منجزات الرئيس تبون في عهدته الأولى، فإن جذب اهتمام المواطنين الجزائريين لتحقيق مشاركة واسعة في الانتخابات المقبلة يوجد موضع شك كبير، حتى لا نقول استحالة؛ وعليه، فليس أمام النظام سوى خيارين أحلاهما مر: التزوير السافر والمكشوف من أجل رفع هذه النسبة، أو اعتماد منطق تبون، وعدم الاهتمام بأي نسبة ستتحقق، لأنهم سيستمرون في الحكم في جميع الحالات، وبغض النظر عن رضى غالبية الشعب الجزائري! أمر تفصلنا ثلاثة شهور عن معرفته ومتابعة تداعياته.

اقرأ أيضا

فضيحة دبلوماسية ومناورات الساعات الأخيرة، قبل حسم الجنرالات في ترشح الرئيس تبون لعهدة ثانية!!

بقلم: هيثم شلبي بالموازاة مع دعوة الهيئة الناخبة رسميا إلى انتخابات السابع من سبتمبر، كما …

الجزائر.. الأحزاب الداعمة لتبون تغرق في خلافات حادة

تشهد ما يسمى بأحزاب الموالاة الداعمة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون -الذي لم يُعلن بعد …

هل تنقذ الانتخابات الرئاسية المقبلة النظام الجزائري أم تدق مسمارا آخر في نعشه؟!

بقلم: هيثم شلبي مع اقتراب فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في الجزائر، بدأ التسخين من …