هل تنقذ الانتخابات الرئاسية المقبلة النظام الجزائري أم تدق مسمارا آخر في نعشه؟!

بقلم: هيثم شلبي

مع اقتراب فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في الجزائر، بدأ التسخين من أجل المشاركة في هذا “الموسم” عبر توالي الإعلان عن رغبة العديد من المرشحين المحتملين للمشاركة في “السوق”، حتى وإن لم يملك أيا منه “البضاعة” التي يمكن له أن يعرضها على المواطنين الجزائريين، أملا في إغرائهم بالمشاركة.

ومع اقتراب الموعد، تتزايد لعبة شد الحبل بين أجنحة النظام الثلاثة (الرئاسة والجيش والمخابرات)، والمساومات بينها على المكاسب والمواقع التي سيحتلها كل فريق خلال السنوات الخمسة المقبلة، في حال استمر “الجمود” في الشارع الجزائري، الناجم عن القمع الشرس لكل ما يمت للحراك الشعبي بصلة.

أول العارضين لبضاعته، والتي تكاد تحتكر فضاء السوق بأكمله، كان الرئيس عبد المجيد تبون، بحكم موقعه وتحكمه في وسائل الإعلام العمومي، رغم ما تمارسه أجهزة المخابرات من تشويش عليه.

وتتجلى الحملات الانتخابية المبكرة للرئيس الحالي، في “إسهال” التصريحات التي تذكر الجزائريين صباح مساء بفتوحات وانتصارات وإنجازات “الجزائر الجديدة” في عهده الميمون!

أما منافسوه المحتملون، فهم بين خيارين، إما الانضمام إلى جناح الرئيس في السوق -كمشجعين لا كمشاركين- أو الوقوف في خيام خارج السوق، يفترشون فيها الأرض لعرض بضاعة لا تتجاوز “الوعود اللفظية الفضفاضة” على أمل جذب اهتمام بعض المارة الذين لم يجدوا في سوق الرئيس ما يوفر عليهم عناء الوقوف في طوابير المواد الغذائية الأساسية، او مكابدة البطالة وتردي الخدمات.

وهكذا يمكن القول، أن السوق سيقتصر على جناح الرئيس الأوحد، كما جرت العادة في جميع الانتخابات الرئيسية الجزائرية السابقة، منذ الاستقلال “الصوري” عن فرنسا؛ وهو للأمانة، مشهد مطابق لما يجري في معظم أو جميع الأنظمة الرئاسية الجمهورية العربية!

المشهد خارج السوق، لا يقل بؤسا عن الوضع داخله (سنعود إليه لاحقا)! حيث بدأت لويزة حنون، زعيمة حزب العمال اليساري المقربة من المخابرات الجزائرية، حملات الإعلان عن الترشح، كيف لا وهي “أرنب السباقات”، المرشحة الدائمة في جميع الرئاسيات السابقة!

ليتلوها زميلها في المعارضة والقرب من المخابرات مرشح حركة مجتمع السلم، والذي للمفاجأة رشح رئيسه الحالي عبد العالي حساني شريف، الذي لا يكاد معظم الجزائريين يحفظ اسمه، بدلا من زعيمه السابق عبد الرزاق مقري، الذي لم يخف امتعاضه من قرار حزبه، واحتجاجه على آليات اتخاذه!

نفس الأمر ينطبق على أسماء أقل تأثيرا افترشت الأرض ونصبت بدورها خيمة خارج السوق للترويج لبضاعتها، من قبيل القاضية زبيدة عسول الناشطة الحقوقية ورئيسة حزب الاتحاد من أجل الرقي والتغيير، وبلقاسم ساحلي وزير الجالية في عهد بوتفليقة ممثلا لتكتل أحزاب الإصلاح والاستقرار!! وضع مرشح للتزايد حيث عودتنا الانتخابات الجزائرية العبثية عن ترشح العشرات قبل أن ينجح حفنة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة من جمع الأصوات المطلوبة للترشح الرسمي، والمحددة في 50 ألف توقيع من 29 ولاية بحد ادنى 1200 توقيعا من كل ولاية!

المفارقة “المضحكة المبكية” أن الانتخابات السابقة التي فاز بها تبون، شهدت اعتماد ترشيح أربعة مرشحين بجانبه، اختفى أبرزهم (علي بن فليس) وزج بولده في السجن قبل أيام، بينما اختار “المعارضون” الثلاثة الباقون، أن يتحولوا -بقدرة قادر- إلى مساندين للرئيس، ويتعلق الأمر بكل من رؤساء أحزاب حركة البناء الوطني، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة المستقبل.

بينما شطبت الهيئة المستقلة للانتخابات أسماء 17 مرشحا افترشوا الأرض خارج السوق الانتخابي ولم تسمح لهم بدخوله، وهو ما يؤشر ربما على مصير الترشيحات خارج السوق الانتخابي الحالي، اللهم باستثناء اسمين أو ثلاثة، أحدها رئيس حركة مجتمع السلم، لزوم “المشهد الديمقراطي” المعتمد على إجراء “انتخابات تعددية”!

أما داخل السوق فالوضع أكثر “فجاجة”، حيث قررت أحزاب الأغلبية الأربعة، التي تحوز قرابة ثلثي مقاعد البرلمان، تشكيل كتلة واحدة للاصطفاف خلف مرشح وحيد ستعلن عنه في نهاية الشهر الحالي، لكن أطرافها بدأت في تزكية الرئيس تبون منفردة مثلما صدر عن حركة البناء الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، مع انتظار تزكية شريكيهما في التحالف حزب جبهة التحرير الوطني وجبهة المستقبل.

الأمر الذي سيقود إلى اعتماد الرئيس الحالي تبون مرشحا وحيدا، دون منافس جدي، كما جرت العادة دائما، من أجل تجنب وقوع أي مفاجأة مستبعدة.

وتكمن معضلة هذا المشهد بالنسبة لأركان النظام العسكري الجزائري، في أنه -ورغم التزوير المؤكد لنسب المشاركة- لن يستطيع جلب أعداد أكبر من المواطنين، عما كان عليه الامر في السوق السابق. حيث من بين قرابة 24.3 مليون جزائري مسجل في اللوائح الانتخابية عام 2019، لم يجذب السوق سوى 8.5 مليون جزائري (على الورق)، وبالتالي فاز الرئيس تبون بأصوات 20% من الجزائريين فقط!!

الأمر الذي يلقي بظلال قاتمة على المشهد السياسي في الجزائر، ويشكك في مشروعية النظام برمته، لاسيما إذا ما قورن عدد المشاركين، بالملايين التي خرجت للشارع مطالبة بإسقاط النظام ورحيل جميع رموزه! رهان آخر يتعلق بمنطقة القبايل، حيث ستعمل أجهزة النظام بكامل قوتها على تحقيق نسبة مشاركة من خانة واحدة (أقل من 9%) لتتجاوز مأزق الانتخابات السابقة التي سجل فيها نسبة مشاركة ناهزت 0.29% في بجاية (1181 صوتا) ونسبة 0.001% في تيزي وزو (8 أصوات فقط!!!)، وهو الامر الذي يبدو مستبعدا، في ظل إحجام الرئيس عن التجرؤ على زيارة المنطقة منذ انتخابه، رغم عشرات الوعود والمواعيد التي قطعها خلال عهدته الرئاسية!!

وهكذا، وضد جهود أركان النظام الحثيثة للإيحاء باستقراره، وأنهم يحظون بشرعية دعم المواطنين الجزائريين “لجمهوريتهم الجديدة”، والأهم، أنهم قد قلبوا “صفحة الحراك” إلى الأبد، وأسسوا لمرحلة جديدة، لا تقود جهوده (أي النظام) من أجل تثبيت عهدة جديدة للرئيس الضعيف تبون دون منافس حقيقي، عبر انتخابات مزورة، إلا إلى دق مسمار آخر، وربما أخير، في نعش استقراره الهش والمصطنع!

إذ بدون تدفق المواطنين على سوق الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتزكيتهم الواضحة لمرشح النظام العسكري، “الفاتح” عبد المجيد تبون، سيستمر كابوس حكم الجنرالات لسنوات مقبلة، بنفس الوجوه والسياسات، والتي لن تقود “الجزائر الجديدة” إلى أي تقدم أو ازدهار، ولن تجلب للجزائريين أي تقدم أو استقرار، وسيبقى “شبح الحراك” يرفرف فوق رؤوس جنرالات فرنسا، ويقض مضاجعهم، ويحرمهم من النوم لسنوات قادمة؛ قبل أن يصحوا الجزائريون على واقع جديد كليا، لا يحكمه جنرالات تجاوز أصغرهم السبعين من عمره!

اقرأ أيضا

الجزائر

ناشط سياسي جزائري معارض يكشف خلفيات استدعاء الجزائر سفير فرنسا

قال الناشط السياسي والإعلامي الجزائري المعارض وليد كبير، إن استدعاء الجزائر سفير فرنسا للتنديد بما تصفه" ممارسات عدائية"، يأتي بعد شهور من التوتر عقب الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه.

زلزال يضرب الجزائر ويحدث حالة هلع في صفوف السكان

ضربت هزة أرضية بقوة 4.9 درجات على سلم ريشتر، ولاية الشلف بالجزائر، خلال الساعات الأولى من صباح اليوم الاثنين.

صفعة للنظام الجزائري.. البرلمان الأوروبي يتخلى عن “المجموعة البرلمانية للصحراء”

في خطوة تحمل دلالات سياسية عديدة، قرر البرلمان الأوروبي رسمياً التخلي عن ما يسمى بالمجموعة البرلمانية المشتركة "الصحراء الغربية"؛ التي كان النظام العسكري الجزائري يراهن عليها لمعاكسة الوحدة الترابية للمملكة المغربية.